الانتخابات «الإسرائيلية».. دوامة الفشل

03:33 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

للمرة الأولى في تاريخ «إسرائيل» يتخذ المعسكر اليميني الفائز في الانتخابات قبل شهر ونصف الشهر، قراراً بحل الكنيست، والعودة لإجراء انتخابات جديدة. وقد شكلت هذه سابقة في العلاقات داخل الحلبة السياسية «الإسرائيلية»؛ بعد أن ظهر أن فشل زعيم اليمين بنيامين نتنياهو في تشكيل ائتلافه الحكومي لم يقد، كما كان معهوداً، إلى تكليف شخص آخر بهذه المهمة؛ إذ بدا الإصرار من جانب نتنياهو على البقاء مرشحاً حصرياً لتشكيل الوزارة، وعلى استعداد لجر الحلبة السياسية برمتها إلى معركة انتخابية جديدة.
من المنطقي الافتراض أن نتائج الانتخابات المقبلة لن تحمل تغييراً جوهرياً مفاجئاً يبرر الاضطرار لإعادة الانتخابات، وهو ما سيضاعف الأزمة إذا ما دخلت الحلبة السياسية في هذه الدوامة.
وكانت الأزمة بدأت، في أثناء الولاية السابقة؛ جرّاء عدم انسجام زعيم «إسرائيل» بيتنا»، أفيجدور ليبرمان مع السياسة التي ينتهجها نتنياهو والليكود سواء مع قطاع غزة أو مع الأحزاب الدينية. وقاد عدم الانسجام هذا إلى انسحاب ليبرمان وحزبه، «إسرائيل» بيتنا» من الحكومة؛ ما عجل بإجراء انتخابات مبكرة. وقد ترافق عدم انسجام ليبرمان مع نتنياهو بتزايد الضغوط من الشرطة على المستشار القضائي للحكومة؛ للبت في الاتهامات الموجهة لنتنياهو بالفساد في ثلاث قضايا كبرى. وحفز ذلك نتنياهو على تبكير إجراء الانتخابات؛ بهدف مواجهة ليست فقط من خصومه السياسيين، خصوصاً من اليمين، وإنما أيضاً مواجهة الجهاز القضائي؛ بإظهار مقدار الالتفاف الشعبي حوله. ويمكن القول إن نتنياهو أفلح في توفير أرضية مناسبة؛ لتحقيق هدفه.
وكان نتنياهو تمكن من حصر الخلاف داخل المعسكر اليميني حتى قبل إجراء الانتخابات العامة، ودفع كل القوى اليمينية لإعلان تأييدها المسبق لترشيحه؛ لتشكيل الحكومة المقبلة. وفي المقابل تنافس معارضوه من داخل المعسكر الصهيوني الليبرالي واليساري على إعلان وقوفهم ضد ترشيحه، وتأكيدهم بأنهم لن يشاركوا في أي حكومة يشكلها نتنياهو.
وحقق اليمين فوزاً كاسحاً تمثل في نيل 65 مقعداً من بين 120 مقعداً هي كل مقاعد الكنيست. وهكذا، ومن دون إسهاب، كان من الواضح أن نتنياهو بإمكانه تشكيل حكومة خلال ساعات وليس خلال أيام؛ ولكنه فعلياً لم يفلح في تحقيق ذلك خلال مهلتين قانونيتين منحهما التكليف لنتنياهو على مدى 42 يوماً. وخلال هذه الفترة تعرف نتنياهو، أكثر من أي وقت مضى، إلى حدود القوة في غابة السياسة «الإسرائيلية»، وعلم أن الفوز بثقة الجمهور لا يعفيه من الغوص في ألاعيب السياسة الداخلية التي تجمع ما بين الشخصي والعام.
وقد تبين للجميع أن محاولاته التقرب من ليبرمان الذي كان في الماضي حليفه الأقرب وغدا مع الوقت عدوه اللدود، ليس بالأمر الهين. وطوال السنوات الماضية التي تقرب فيها نتنياهو من ليبرمان، ومنحه، خلافاً لتوصيات الكثيرين من مقربيه، وزارتي الحرب والخارجية، لم يفلح في نيل رضاه؛ إذ إن كل ما كان يريده ليبرمان هو تسهيل انتقاله؛ للحلول مكان نتنياهو، ليس فقط في رئاسة الحكومة وإنما أيضاً في زعامة الليكود. وتحدث كثيرون من معارف الرجلين عن أن ليبرمان يتصرف باحتقار مع نتنياهو، ويؤمن أنه هو من رفعه إلى سدة الحكم، وأنه القادر على إسقاطه.
وتجلى الخلاف بين الرجلين في مفاوضات تشكيل الحكومة بشكل أساسي حول نقطتين: الدين والدولة من جهة والتعامل مع قطاع غزة من جهة أخرى. ورأى ليبرمان أن ما يعيق تشكيل الحكومة ليس قانون «الغلبة» الذي تريده الأحزاب الدينية لتقييد عمل المحكمة العليا التي تعد نفسها حامية الديمقراطية. كما أن قانون «الحصانة» الذي يريده نتنياهو لمنع ملاحقته أثناء توليه رئاسة الحكومة بتهم الفساد لم يشكل مشكلة عند ليبرمان؛ حيث إن الرجلين يحملان الضغينة ضد الجهاز القضائي وضد خصومهما في الحلبة السياسية. ولكن ما لم يستطع ليبرمان احتماله هو «تساهل» نتنياهو مع اليمين الديني في قانون «التجنيد» الذي لا يعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية. وقد وقفت الأحزاب الدينية ضد قانون التجنيد واشترطت لدخولها الائتلاف تهميش هذا القانون أو منع إقراره بصيغته النهائية.
ويبدو أن ليبرمان من خلال التركيز على قانون التجنيد أراد التشديد على أن الخلافات بينه وبين نتنياهو والليكود بقيت في الصف اليميني، وأنه يقف إلى جانب الجيش من قانون التجنيد. وألمح بذلك إلى أنه بعكس نتنياهو ليس قابلاً للابتزاز من جانب الأحزاب الدينية،وأن «أمن إسرائيل» هو ما يحرك مواقفه التي يصر على أنها «مبدئية» وليست شخصية. وقال: إنه لا يريد المشاركة في حكومة تفرض الشريعة اليهودية على الناس. غير أن نتنياهو العالم بمطامح ليبرمان لا يريد أن يمنح ليبرمان شرف مقارعة الأحزاب الحريدية خصوصاً وأن همه الأساسي الآن ليس المحافظة على حكمه وسيطرة اليمين ومنع تقديمه شخصياً للمحاكمة.
وكان بوسع نتنياهو طلب مهلة ثالثة استثنائية من الرئيس الخصم، رؤوفين ريفلين؛ لكنه آثر تجنب «المهانة» واللجوء إلى إعادة الانتخابات بقرار من الكنيست بحل نفسها.
وقد أيد القرار 74 نائباً فيما عارضه 45 نائباً فقط ما يعني أن جهات من المعارضة أرادت إعادة الانتخابات آملة حدوث تغيير جوهري في النتائج. ولم يترك نتنياهو للحلبة السياسية فرصة لتدبر الأمر من دون إعادة انتخابات، وبدأ على الفور بحملة تشنيع على ليبرمان معتبراً أنه صار المتخصص في إسقاط حكومات اليمين مطالباً الجمهور بمعاقبته.
ولم يتأخر ليبرمان عن الرد على نتنياهو وجوقة أنصاره في الليكود معلناً أنه لن يكون شريكاً في الحكومة، وأن نتنياهو وأنصاره في الليكود يحتاجون إلى طبيب نفساني وأنه لن يتراجع عن «مواقفه المبدئية».
في كل حال، تتناقض التقديرات بشأن ما يمكن أن تكون عليه نتيجة الانتخابات المقبلة. فاستطلاعات الرأي أظهرت أن الليكود، يحافظ تقريباً على قوته حتى بعد انضمام حزب «كلنا» بزعامة موشي كحلون إليه. إلا أن خلافاً لتقديرات نتنياهو والليكود تزداد قوة حزب ليبرمان. ولا يبدو أن أحزاب الوسط المعارضة لنتنياهو مثل «أزرق أبيض» يمكنها أن تقلب الطاولة. ولا يبدو أن هناك وصفة جاهزة يمكنها أن تطيح نتنياهو في وقت قريب. ومع ذلك فإن إعادة الانتخابات يمكن أن تحمل تأثيرات معاكسة للتوقعات وللاستطلاعات.
ومن جهة أخرى، ليس مستبعداً أن تكون إدارة ترامب هي الخاسر الأكبر حتى الآن. فقد وضعت بشكل متحيز كل بيضها في سلة نتنياهو وأجلت مراراً عرض خطتها المعروفة بصفقة القرن. ومن المؤكد أن ترامب غير راض عما آلات إليه الأمور في الكيان بعد وقفته القوية إلى جانب نتنياهو حتى في محاولات تأليف حكومته. والواضح أن تأزم الحلبة السياسية الصهيونية خلط الكثير من الأوراق وقد ينتج تغييراً له أثره؛ رغم شدة الحذر من البناء على ذلك.


التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"