الانتخابات الليبية.. والأمل المفقود

05:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. هشام بشير *

في الخامس من مارس/ آذار الجاري، أعلن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أن ليبيا ستجري انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري. وقال السراج إنه اتفق مع اللواء خليفة حفتر على «عدم إطالة الفترة الانتقالية، وتوحيد المؤسسات والإصرار على ذلك، وإنجاز الانتخابات قبل نهاية 2019 مع توفير المناخ الملائم لإجرائها».
تصريحات السراج جاءت في أعقاب اللقاء الذي جمع بين قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، في السابع والعشرين من فبراير/ شباط 2019، في أبوظبي، لتفتح المجال نحو بارقة أمل جديدة في طريق حلحلة الأزمة الليبية، بعد أن تم التوصل إلى اتفاق ينهي المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، حيث نشرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تغريدة جاء فيها «اتفق الطرفان خلال الاجتماع على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال الدعوة لانتخابات عامة، والحفاظ على استقرار ليبيا، وتوحيد مؤسساتها»، دونما ذكر أي تفاصيل أخرى.
وفي الإطار ذاته أوضح محمد السلاك، الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي، أن السراج شدد خلال الاجتماع على مدنية الدولة وتقليص المرحلة الانتقالية، وتوحيد المؤسسات وعقد الانتخابات، كما أكد موقفه الثابت بعدم إمكانية فرض الحل العسكري للأزمة السياسية، وضرورة الحفاظ على حياة المدنيين والمنشآت، وإبعادهم عن أي صراعات، وعلى ضرورة وقف التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية.
غني عن البيان أن هذا اللقاء هو الثاني بين حفتر والسراج الذي تستضيفه الإمارات بعد لقاء جمعهما في مطلع مايو 2017 في أبوظبي، وتم الاتفاق خلاله على حل الأزمة الليبية سياسياً وإجراء الانتخابات. ومنذ هذا التاريخ تعددت اللقاءات، ففي 25 يوليو عام 2017 استضافت العاصمة الفرنسية باريس لقاءً بين السراج وحفتر، اللذين اتفقا، وبحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على عقد الانتخابات ربيع عام 2018، ثم جاءت منصتا باريس وباليرمو لتجمعهما في مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم، دونما تحقيق نتائج مثمرة على أرض الواقع.
جاءت ردود الأفعال الدولية والإقليمية داعمة ومؤيدة لمخرجات اللقاء خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حيث رحبت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بما تمخض عنه اجتماع حفتر والسراج من نتائج، وأكدت هذه الحكومات دعمها القوي للجهود المتواصلة التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ورئيسها غسان سلامة، لوقف تصعيد التوترات في ليبيا، ومساعدة الشعب الليبي على رسم طريق نحو انتخابات موثوقة وآمنة، وأشاد البيان بجهود الإمارات العربية المتحدة لتسهيل هذا الاجتماع، مرحباً بإعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بإمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي، ينهي المراحل الانتقالية في ليبيا، من خلال إجراء انتخابات عامة. كما رحب الأمين العام للأمم المتحدة بالاجتماع، مثنيا على الطرفين لما أحرزاه من تقدم، لا سيما الاتفاق على ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا من خلال إجراء انتخابات عامة، وكذلك الالتزام بالمحافظة على استقرار البلاد وتوحيد مؤسساتها.
كما ثمن عضو مجلس النواب الليبي صالح أفحيمة نتائج اللقاء، مؤكداً أن جميع الأطراف يجب أن تدعم ما جاء في محضر اتفاق الرجلين والتخلي عن المصالح الضيقة من أجل إنهاء الأزمة وعودة المشهد السياسي في البلاد إلى طبيعته وتوحيد المؤسسات تحت سلطة حكومة واحدة، مؤكداً أن ما جاء في الاتفاق يلبي ما كانت تطالب به الأطراف السياسية، كمدنية الدولة والخروج من المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي يتكون من رئيس ونائبين.
هناك حالة من التفاؤل المشوبة بالحذر من مخرجات اللقاء بين حفتر والسراج، إذ يعتبرها العديد من الخبراء والمحللين المهتمين بالشأن الليبي خطوة مهمة في طريق إنهاء الأزمة الليبية، إذا التزم الجانبان بتنفيذ بنوده، خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بنهاية العام الجاري، إضافة إلى عدم السماح بتدخل أطراف إقليمية.
لا شك أن هناك عدداً من المعوقات التي تقف أمام إمكانية إجراء الانتخابات بسهولة ويسر خلال نهاية العام الجاري، لعل أبرزها الانقسام الحاد داخل المجتمع الليبي، ولذا لم يكن غريبا إعلان مصدر رفيع المستوى في طرابلس، أن السراج تلقى رفضا من ثلاثة فصائل مسلحة، ومن قبل المجلس الأعلى للدولة، لمشروعه التوافقي مع حفتر، على إنهاء المرحلة الانتقالية وفق مصالحهما، لافتاً إلى أن الأطراف الرافضة واقعة تحت ضغوط محلية وخارجية شديدة للقبول بالاتفاق. كما أن إيطاليا- الحليف الأوروبي الأهم للسراج- رحبت بحذر بنتائج لقاء أبوظبي، حيث قال رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي: «نحن نتابع عن كثب ما يحدث في ليبيا، وهذا يعد ملفنا الأول فيما يتعلق بالسياسة الدولية، ونأمل حقا في أن يكون هذا هو الوقت المناسب للتوافق. لكنني أقول ذلك مع كل الحذر المحيط بالمسألة».
وعموما - وعلى الرغم من التحفظات المحدودة من جانب إيطاليا وبعض الأطراف الليبية- فقد أعطت نتائج اللقاء ضوءا جديدا في النفق المظلم للأزمة الليبية من خلال الاتفاق على عقد الانتخابات خلال الفترة القادمة، حيث تسعى الأمم المتحدة منذ نحو عامين لإجراء انتخابات كوسيلة لإنهاء ثمانية أعوام من النزاع، وانقضى موعد مقترح لإجراء الانتخابات في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب الفشل في إحراز تقدم في حل الخلافات بين الطرفين المتنازعين السراج وحفتر.
وفي السياق نفسه - وبعد لقاء حفتر والسراج- أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن رئيسها عماد السايح اجتمع داخل مقرها في طرابلس مع وفد من مجلس النواب، ترأسه فوزي النويري، النائب الأول لرئيسها، موضحة أن الاجتماع استعرض استعدادات المفوضية لتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والاطلاع على مدى الصعوبات والعراقيل التي تواجه عمل المفوضية وسبل تذليلها.
وفي بارقة أمل أخرى تدعم مخرجات لقاء أبوظبي خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات، بدأت التسريبات في وسائل الاعلام الغربية تتحدث عن إمكانية توافق فرنسي- إيطالي على بلورة رؤية موحدة بشأن مصالحهما في ليبيا خلال الفترة القادمة حيث سيتم الاتفاق على بقاء حفتر كقائد للجيش والسراج كرئيس للسلطة المدنية، لتتفق الأطراف بعدها على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. لكن الخلاف بين الدولتين حاليا على موعد الانتخابات التي ترى باريس أن يتم في سبتمبر/ أيلول المقبل، بينما ترى روما أن الوقت لا يزال مبكرا، فهل هناك أمل في أن يتفق فرقاء الخارج على الموعد لإجراء الانتخابات؟ وهل سيناسب فرقاء الداخل الموعد المقترح؟ سؤال مهم ستكشف عنه الأيام القادمة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"