البلقان.. وشفير الانفجار مجدداً

02:18 صباحا
قراءة 5 دقائق
بهاء محمود

لطالما فشلت جهود التطبيع بين كوسوفو وصربيا، من حين لآخر وظلت التوترات حاكمة العلاقات بين البلدين، في ظل تقاسم النفوذ الغربي على الدولتين، فروسيا حليفة صربيا أو على الأقل مؤيدة لموقفها في عدم الاعتراف بكوسوفو، فيما تساند الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا استقلال كوسوفو، ماعدا إسبانيا واليونان ورومانيا وسلوفاكيا، وهي جزء أيضاً من حلف شمال الأطلسي.
من هنا يفسر اختلاف مواقف الدول الغربية من فكرة تأسيس جيش لكوسوفو، على أساس إنشاء وزارة دفاع ثم تحويل عمل قوات الأمن، من الحماية الداخلية لتوفير حماية للدولة حديثة الاستقلال. واستمراراً لحالة التوتر بين صربيا وكوسوفو، أعلن البرلمان في كوسوفو موافقته على قانون يسعى لإنشاء جيش لكوسوفو ويعدل عمل القوات الأمنية، حيث وافق 105 نواب من أصل 120 نائباً في البرلمان، على قانون يقضي بإقامة الجيش الوطني لكوسوفو، ويسمح بتحويل قوة الأمن خفيفة التسليح والتي تشكلت في الأصل لمواجهة الأزمات والدفاع المدني وإزالة مخلفات الحرب، إلى جيش مسلح، فيما قاطع التصويت 11 نائباً يمثلون الأقلية الصربية. وجدير بالذكر أن تصويت البرلمان في كوسوفو، لإنشاء جيش ليس جديدا، فالفكرة تطرح من حين لآخر، تؤيدها الأغلبية وترفضها الأقلية الصربية، وخارج كوسوفو ترفضها صربيا وترى أنها مدعاة لتوتر في المنطقة، فيما ترى روسيا والصين نفس موقف صربيا، والذي يبدو متناسقا مع موقفهما الرافض في الأساس الاعتراف بدولة كوسوفو. وعلى النقيض تماما أيدت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الفكرة، وبدت كل منهما تدعم موقف كوسوفو، في إشارة واضحة لاستمرار تضييق الخناق على روسيا وحلفائها.
أما عن الاتحاد الأوروبي، فيبدو موقفه الخارجي رافضا لتوقيت الطرح، غير أن المحلل لتصريحات الاتحاد يلاحظ العكس، في حين جاءت تصريحات الاتحاد ممثلة في الناطق باسمه «لا يزال الاتحاد الأوروبي مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يؤمن بوجهة النظر القائلة بأنه يجب تغيير سلطة (قوات أمن كوسوفو) من خلال عملية شاملة وتدريجية وفقا لدستور كوسوفو»، وهو ما يعني أنه يرى ضرورة تنفيذ الخطوة، ولكن يحبذ تدريج المسألة. ويمكن فهم الموقف الأوروبي من عدة زوايا أولاها رغبته في عدم التبعية الكاملة لأمريكا، في ظل موقف ترامب من زعزعة تماسك الاتحاد، وخطوة مثل إنشاء جيش لكوسوفو لا تبدو قوية الآن، مع معارضة حلف «الناتو» وبعض الدول الأوروبية، وهو ما يعني أن أمريكا وحدها صاحبة الدعم، ومن زاوية أخرى صربيا وكوسوفو وبعض البلقان هي دول مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي، ومن شأن أي توتر بينهم يعني تراجع فرص انضمامهم للاتحاد، وعلى الجانب الآخر يمكن اعتبار دعم أمريكا في الأساس لكوسوفو، هو إحداث توتر لإحدى مناطق نفوذ روسيا، فكما هو متعارف مدى العلاقات بين روسيا وصربيا، وبجانب عمق العلاقات أيضا ثمة نقطة محورية وهي رؤية صربيا لحل الأزمة، والتي يعتقد الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش،، أن حل مشكلة كوسوفو مرهون بمشاركة روسيا، كما صرح لوكالة سبوتنيك الروسية قائلا: إن «حل مشكلة كوسوفو وميتوهيا غير ممكن دون مشاركة روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي تعتبر روسيا والاتحاد من أكثر الخاسرين لأي توتر في منطقة البلقان».
داخلياً، ومنذ القتال بين القوات الصربية وانفصاليي كوسوفو الألبان (1998 - 1999)، التي راح ضحيتها أكثر من 13 ألف قتيل، تقوم قوات الحلف الأطلسي بحفظ الأمن وحماية أراضي كوسوفو ووحدتها، وحين أعلن البرلمان في كوسوفو الذي يمثله أغلبية ذات أصول ألبانية مع أقلية صربية، انقسمت ردود الفعل بين المواطنين في أنحاء كوسوفو المنقسمة، في حين فرحت بريشتينا بقرار التصويت، وعلت أصداء الاحتفالات في الشطر الجنوبي من مدينة ميتروفيتشا المقسومة، حيث يسكن الكوسوفيون الألبان، في المقابل وعند شمال نهر إيبار، الذي يقسم ميتروفيتشا إلى نصفين، في البداية استقبل الصرب الخبر بالصمت، قبل أن يخرج بضع مئات منهم في تظاهرة احتجاجية، وفي موقف بدا منهم التأكيد على ولائهم لدولة صربيا، قام البعض برفع الأعلام الصربية في منطقتهم، فيما رد الطرف الآخر برفع الأعلام الأمريكية، وليس علم دولة كوسوفو، وهذا المشهد له عدة دلالات مبدئية، أهمها أن النفوذ الأمريكي مخترق كوسوفو وأن القرار لا يبدو وطنيا خالصا.
هذا من جانب، ومن جانب آخر على الرغم من قلة المشاركين في التظاهرات لكن بوادر نزاع مسلح - قد تلوح في الأفق- بين الطرفين، حيث إن الصرب يمثلون حوالي 120 ألفاً من سكان كوسوفو ويدينون بالولاء لبلغراد، وبالطبع صار تكوين جيش لكوسوفو مصدر قلق وانزعاج لهم، وبدا الحديث عن القلق والغضب واضحا في حوار نقلته جريدة «الشرق الأوسط» ينسب لأحد الأهالي ويدعى «ماركو دوستيش» والمقيم في منطقة درين الصربية في شمال كوسوفو، قائلا «إذا قام ألبان (كوسوفو) بشيء ضدنا، آمل أن تقوم الدولة الصربية بخطوة ما لحمايتنا»، وهو تصريح يفهم طلب التدخل العسكري، من جانبها أكدت رئيسة الوزراء الصربية «آنا برنابيتش»، على الموقف الصربي السلمي غير المحبذ للتوتر، موضحة أن «صربيا ستبقى على طريق السلام»، وبالإضافة إلى ذلك تأتي خطوة تأسيس جيش لكوسوفو، في ظل توتر سابق بين صربيا وكوسوفو، جاء منذ الصيف الماضي حين فشلت جولة المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، ثم فرض بريشتينا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي رسوماً جمركية على السلع الصربية. ومن هنا تأتي مصادقة البرلمان في كوسوفو، على تحديد حجم القوات، ب 5000 جندي، رغبة منها في تحدي صربيا، بعد أسبوع واحد من تحذير صربيا، أن خطوة تأسيس جيش لها، قد يدفع صربيا للتدخل عسكرياً في كوسوفو. وبالطبع إذا تمت خطوة التصعيد من جانب صربيا، فلن يكون الأمر فقط نزاعا بين الجارتين بل سيكون تهديداً لمنطقة البلقان بأكملها، في ظل عدة تقارير تشير أيضا لنمو تيارات متطرفة في كوسوفو، قد تستغل هي أيضا الوضع لتقوم بعمليات إرهابية على غرار عمليات الذئاب المنفردة. ومن جانب آخر من المحتمل أن تدعم أمريكا كوسوفو في مسألة تسليح جيش وبناء قوات لها، ما يمكنها من مواجهة الاضطرابات المحتملة من جانب الأقلية الصربية، وبالطبع هنا يمكن أن ترد روسيا أيضا بالوقوف لجانب صربيا، في مشهد تبدو فيه أوروبا منقسمة، فبعض دولها ترفض الاعتراف بكوسوفو ومنها من يؤيد صراحة رؤى روسيا ومواقفها تجاه منطقة البلقان والتي لطالما هي ودول من تراث الاتحاد السوفييتي السابق جزء من نفوذ روسيا حاليا ويربطها بها إرث تاريخي، ودول أخرى من أوروبا حبيسة التبعية لأمريكا، فيما تبدو القلة لديها مواقف استقلالية من الصراع الأمريكي الروسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"