الجزائر.. انتخابات رئاسية على المحك

03:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب*

على الرغم من مرور ما يقرب من تسعة شهور على اندلاع الحراك الشعبي الجزائري ما زالت الأزمة قائمة بين قوى الحراك والسلطة الحاكمة، دون أن تلوح في الأفق بوادر لتسويتها، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في 12 ديسمبر المقبل، لاسيما في ظل استمرار التظاهر في يومي الجمعة والثلاثاء (طلبة الجامعات تحديداً).
تشهد الجزائر صراع إرادات، إذ ترفض المؤسسة العسكرية التغيير الجذري الذي تريده قوى الحراك برحيل كل رموز النظام المتسبب في الأزمة، بل تستجيب المؤسسة العسكرية لبعض مطالبه خاصة محاكمة رموز الفساد المالي في حقبة بوتفليقة، على نحو ما جرى خلال الأشهر الماضية وهو ما طال رؤساء وزراء ووزراء ورجال أعمال. وترفض المؤسسة أيضاً تأجيل الانتخابات وإطلاق جولة جديدة من الحوار الوطني، لأنه قد يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس المسار الذي استمرت فيه الأزمة بلا حل وتأجلت الانتخابات التي كان مقرراً لها أن تجرى في منتصف عام 2019.

مؤشرات دالة

هناك عدداً من الشواهد التي تعبر عن عقد الانتخابات الرئاسية الجزائرية في موعدها، على النحو التالي:
1- تأكيد قائد الجيش الجزائري قائد صالح أثناء وجوده بمقر «قيادة الدفاع الجوي عن الإقليم» بتاريخ 30 أكتوبر الماضي على إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها المحدد، مضيفاً «هذا المسعى الوطني النبيل نابع من الإرادة الشعبية، التي تعني كافة فئات الشعب الجزائري باستثناء العصابة ومن سار في فلكها». فضلاً عن تعهد قيادة الأركان بانتخابات مختلفة عن الانتخابات السابقة، بما يضع الجزائر على طريق بناء دولة جديدة، بدايتها تكون بالانتخابات المقبلة.
2- تبلور مؤشرات فعلية على تنافس انتخابي بين خمسة مرشحين هم «علي بن فليس» رئيس حزب «طلائع الحريات» والذي كان رئيساً للوزراء سابقاً، ورئيس الحكومة الأسبق «عبدالمجيد تبون»، إضافة إلى كل من مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي ووزير الثقافة السابق «عز الدين ميهوبي»، ورئيس حزب المستقبل «عبدالعزيز بلعيد»، وأخيراً «عبدالقادر بن قرينة» رئيس حزب «حركة البناء الوطني» ذو التوجهات الإسلامية ووزير السياحة الأسبق.
وتجدر الإشارة إلى أنه سوف تنطلق الحملات الانتخابية لهؤلاء المرشحين في 17 نوفمبر الجاري، وذلك طبقاً لما تنص عليه أحكام «القانون العضوي لنظام الانتخابات»، حيث تشير «المادة 173» من القانون المذكور على أن الحملة الانتخابية تكون مفتوحة قبل خمسة وعشرين يوماً من تاريخ الاقتراع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتراع أي في 8 ديسمبر 2019.
3- تعهد مرشحو الرئاسية بتحقيق مطالب الحراك الشعبي، وهو ما ورد في تصريحات البعض منهم بعد إيداع أوراق الترشيحات. وفي هذا السياق، قال عبدالمجيد تبون في تصريح بتاريخ 27 أكتوبر 2019 «إن برنامجه الانتخابي يتضمن حلولاً لأغلب المشكلات التي يواجهها الجزائريون.. صحيح أنه سيصعب علينا تنفيذ الحلول، لكن بإرادة الجزائريين ستتغلب على الصعاب، وستبلغ الجمهورية الثانية».
كما أشار علي بن فليس، في مؤتمر صحفي في 27 أكتوبر الماضي، إلى «أن تنظيم انتخابات نزيهة من شأنها لم شمل الشعب حول مشروع وطني، يحقق الجمهورية الجديدة». وصرح أيضاً عبدالقادر بن قرينة «أن الحراك الشعبي لا يعارض الانتخابات، ولم يسبق أن هاجمني أحد، لا في الحراك الذي يشارك فيه مناضلونا، ولا في الأسواق الشعبية التي أتردد عليها».

تحرك القضاة

4- فرملة التصعيد بين القضاة والسلطات الجزائرية، إذ سادت فترات توترت فيه العلاقة، وكان آخرها إضراب نحو ستة آلاف قاض في 27 أكتوبر الماضي شمل كل المحاكم في البلاد، احتجاجاً على تغييرات أحدثتها الحكومة بنقل ثلاثة آلاف قاضٍ إلى أماكن عمل مختلفة، على نحو اعتبره عدد من القضاة غياباً للاستقلال عن السلطة التنفيذية. غير أن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت هدوءاً نسبياً، لاسيما بعد تعرض القضاة إلى ضغط شديد من قطاع من الصحفيين والحقوقيين بسبب الإفراط في اللجوء إلى الحبس الاحتياطي، على الرغم من وجود خيارات بديلة ومنها الإفراج المؤقت.
5- استمرار عمل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تشرف على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها. وقد كشفت في 8 نوفمبر 2018 عن «ميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية» حيث دعت المتنافسين إلى «احترام الأحكام القانونية التي تمنع على المترشحين القيام بالحملة بأي وسيلة أو بأي شكل من الأشكال خارج الفترة القانونية المحددة، لاسيما خلال الأيام الثلاثة التي تسبق يوم الاقتراع»، أي فترة الصمت الانتخابي. فضلاً عن «احترام مبدأ حظر استعمال المساجد، وأماكن العبادة، والإدارات العمومية والمدارس ومراكز التكوين والجامعات لأغراض الدعاية الانتخابية».

تفسيرات مترابطة

أما في ما يخص بالتفسيرات التي تعززها هذه المؤشرات الدالة السابق الحديث عنها، فهي تتمثل في الآتي:
1- تجاوز معضلة الفراغ الدستوري، حيث ترى المؤسسة العسكرية أن الحل الدستوري للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ استقالة «عبدالعزيز بوتفليقة» تكمن في الرجوع إلى الدستور الذي تضمن حلولاً لمسألة الشغور الرئاسي وذلك بالخطوات التي تمت منذ تنصيب رئيس البرلمان بمنصب الرئيس المؤقت، والإعداد للانتخابات الرئاسية وفق الجدول الزمني المنصوص عليه في الدستور، وترى المؤسسة العسكرية أن الحل الدستوري هو الأمثل لتجنب البلاد الانزلاق إلى الفراغ الدستوري والمؤسسي في حالة استمرار خلو منصب رئيس الجمهورية بسبب التأجيل المتكرر للانتخابات الرئاسية.
2- تجنب التهديد الأمني المتصاعد، الذي تمثله الجماعات الإرهابية الخطرة عبر الحدود الرخوة مع دول الجوار الجغرافي، خاصة ليبيا وتونس.
3- تعثر تحالفات قوى المعارضة، حيث عجزت الأخيرة عن ترجمة الزخم الذي أحدثه الحراك إلى آليات سياسية وطرح مرشح توافقي يمكن أن يمثلها في انتخابات الرئاسة، بما يؤدي إلى إقناع قطاعات واسعة من الرأي العام والنخبة «غير المسيسة» في البلاد بها.
ومن ثم، فإن الاحتمال الأرجح هو إجراء الانتخابات الرئاسية الجزائرية في موعدها، استناداً للمؤشرات والتفسيرات السابق الحديث عنها. لكن تظل المعضلة الأساسية في استجابة الكتلة الناخبة (23 مليوناً) بالمشاركة، وهو ما قد يهدد مصداقية وشرعية الانتخابات، التي تنبع منها «شرعية الرئيس المقبل» بحيث تكون منقوصة.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"