الجزائر.. جمهورية جديدة

03:49 صباحا
قراءة 5 دقائق
د.محمد عزالعرب*

أسهمت النقابات المهنية والجمعيات الأهلية الجزائرية وبصفة خاصة «ائتلاف المجتمع المدني من أجل الخروج السلمي من الأزمة» بدور رئيسي في حركة التغيير بالبلاد على مدى أربعة أشهر مضت، على نحو انعكس في جملة من المؤشرات تمثلت في إجبار الرئيس بوتفليقة على التنحي، ومحاكمة رموز النظام السابق، ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو/تموز 2019، وطرح خريطة طريق؛ لإقامة جمهورية جديدة.
يعكس الصمود الذي أبرزته خبرة المجتمع المدني في الجزائري تحدياً للعديد من التحليلات الأكاديمية، التي راهنت على أن الجزائر تعد من الدول الناجية من الثورات؛ لاعتبارات تتعلق بإرث العشرية السوداء بالبلاد، والتخوف من سيطرة التيارات الإسلامية سواء «الإخوانية» أو «السلفية»، وعقدة استنساخ تجارب المراحل الانتقالية في دول ما يُسمى ب«الربيع العربي»، فضلاً على ضعف النخب السياسية المدنية. فقد أثبت الحراك الشعبي الجزائري الممتد لسبعة عشر أسبوعاً قدرته على نفي تلك التفسيرات؛ بل وقيادة المجتمع المدني لمسار الحراك وفقاً لنهج سلمي، على نحو ما عكسته المؤشرات التالية:
1- إجبار الرئيس بوتفليقة على التنحي: منذ اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر بتاريخ 22 فبراير/شباط الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني، بمختلف أشكالها، دوراً محورياً؛ لإسقاط حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سواء كان للعهدة الخامسة أو التمديد للعهدة الرابعة، وإنهاء ما يُعرف ب«حكم العصابة»، وهو ما تحقق فعلياً. وقد تمثلت أغلب البيانات الصادرة عن المجتمع المدني الجزائري في توقيتات مختلفة، ومنها البيان الصادر في 20 مايو/أيار الماضي في «ضرورة بناء دولة القانون في ظل ديمقراطية حقيقية تكون مسبوقة بمرحلة انتقالية قصيرة المدة، يقودها رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة».
2- محاكمة رموز النظام السابق: أسهمت منظمات المجتمع المدني في إنفاذ مطالب الحراك بضرورة تنحي جميع رموز النظام السابق عن المشهد الجزائري؛ بل ومحاسبتهم على النهب المالي المنظم، على نحو يفسر وجود عدد من رؤساء الوزراء السابقين والوزراء الحاليين والسابقين ورجال الأعمال ونواب البرلمان في السجون. وكحل لاسترجاع الأموال المنهوبة المتواجدة في الداخل وخارج الوطن، اقترح النقيب أحمد ساعي، رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين، في 16 يونيو/حزيران الجاري التفاوض مع المسؤولين المتواجدين رهن الحبس المؤقت بسجن الحراش؛ لتسريع الإجراءات الخاصة بمحاكمتهم.
3- رفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو: فقد قاطعت الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني اللقاءات التي دعا إليها الرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح حول الانتخابات الرئاسية. كما دعت 46 نقابة وجمعية أهلية في الجزائر، في 20 مايو الماضي، المؤسسة العسكرية إلى حوار صريح مع ممثلي المجتمع المدني والطبقة السياسية؛ لتجاوز الأزمة السياسية، ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وبررت ذلك «برفضها من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب الذي خرج في تظاهرات عارمة أعادت كرامة لطالما أهينت. كما أنها من تنظيم مؤسسات ما زالت تديرها قوى غير مؤهلة معادية للتغيير البناء».
وتمن أبرز النقابات الجزائرية الموقعة على البيان: العمادة الجزائرية للصيادلة؛ والنقابة الجزائرية للقضاة؛ ونقابة قضاة مجلس المحتسبة؛ والاتحاد الجزائري لعمال التربية والتكوين؛ والنقابة الجزائرية لأساتذة التعليم الثانوي والفني. فضلاً عن مجموعة من الجمعيات الأهلية؛ مثل: الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونادي المجتمع المدني للتغيير، وجمعية المحامين الشباب. فقد رفع المتظاهرون في أيام جمعة الحراك من الأولى إلى ال17 شعارات «لا انتخابات أيها العصابة» و«لا انتخابات تحت حكم الباءات» على نحو يفسر رفض إجراء الانتخابات تحت إشراف رموز النظام السابق.
4 - طرح خريطة طريق؛ لإقامة الجمهورية الجديدة: يرى ائتلاف المجتمع المدني (الذي يضم جمعية جزائرنا، النساء الجزائريات المطالبات بحقوقهن، الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان زهوان/ بن يسعد، النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة، النقابة الجزائرية لعمال التربية والتكوين، ومجموعة الدعم واليقظة لحراك 22 فبراير، وجمعية تمليلي، والنقابة الوطنية لعمال البريد، ومجموعة الشباب المناضل من أجل الجزائر، وجمعية من أجل التغيير الديمقراطي في الجزائر، ومبادرة إعادة البناء الديمقراطي، واللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، وائتلاف عائلات الحراقة المفقودين في البحر، وشبكة المحامين للدفاع عن حقوق الإنسان) أنه لا بد من اتخاذ تدابير مسبقة تمكن من تهدئة الوضع الجزائري، وتستجيب حتماً للمطالب الشعبية عبر 6 محاور رئيسية، أعلن عنها في 18 مارس/آذار الماضي (قبل تنحي بوتفليقة)، بما يشكل خريطة طريق نهائية للمرحلة الانتقالية، على النحو التالي:
أولاً: من أجل تفادي دخول البلاد في فترة غير قانونية، يجب على رئيس الجمهورية المنتهية ولايته أن يرضخ للإرادة الشعبية، وأن ينسحب يوم 27 إبريل/نيسان 2019 كحد أقصى. لا مجال لأي تمديد في الولاية الحالية، كما يجب على المؤسسات القائمة حالياً أن تترك المجال للمؤسسات الانتقالية.
ثانياً: إنشاء الهيئة العليا للانتقال الديمقراطي، وهي هيئة جماعية تتكون من شخصيات تتمتع بسلطة معنوية وقبول شعبي واسع. هذه الهيئة تعد تجسيداً لسيادة الدولة.
ثالثاً: تنصب الهيئة العليا حكومة انتقالية وطنية مؤلفة من شخصيات توافقية وذات مصداقية؛ لإدارة المرحلة الانتقالية خلال فترة زمنية معقولة يتم تحديدها. تحدد المهام لهذه الحكومة التوافقية فيما يلي: (إدارة الشؤون اليومية؛ من خلال ضمان استمرارية الدولة وإزالة جميع العقبات التي تحول دون ممارسة الحريات المدنية والسياسية والديمقراطية، بما في ذلك حرية تكوين الجمعيات والتعبير وحرية الصحافة ونقابات العمال وإنشاء الأحزاب السياسية- إعداد وتنظيم جلسات الإجماع الوطني).
رابعاً: انتخاب المجلس التأسيسي، الذي يقوم بصياغة الدستور الجديد. ويسبق هذه الانتخابات إنشاء لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وستتم صياغة الدستور الجديد على أساس النص التأسيسي للجمهورية الديمقراطية والاجتماعية الجديدة.
خامساً: العودة إلى الشرعية الدستورية، وفتح المجال السياسي، وتنظيم الانتخابات العامة.
وفي ملتقى عقد في 15 يونيو 2019، بعنوان: الندوة الوطنية لفعاليات المجتمع المدني لدعم الحراك الشعبي السلمي والمساهمة في حل الأزمة، بمشاركة عشرات من هيئات المجتمع المدني الجزائري، طرح المشاركون رؤيتهم للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد والتي تمثلت في بدء مرحلة انتقالية تتراوح مدتها ما بين ستة أشهر إلى سنة، تقودها شخصية وطنية أو هيئة رئاسية توافقية؛ للتحضير لانتخابات رئاسية.
غير أن هناك تحديين رئيسيين يواجهان المجتمع المدني الجزائري وعلاقته بالتغيير وهما: ارتباط بعض الجمعيات والمنظمات برموز النظام السابق وخاصة رجال الأعمال والنخبة الاقتصادية، فضلاً عن العلاقات غير المرغوبة؛ شعبياً، بين بعض من فعاليات المجتمع المدني الجزائري، لا سيما المنظمات الحقوقية، ودول ومنظمات أجنبية مكروهة على الصعيد الشعبي؛ باعتبارها تحمل «أجندة خارجية مشبوهة».

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"