السلام في أفغانستان على كف «طالبان»!

01:15 صباحا
قراءة 5 دقائق
ريم عبد المجيد *

في ال 19 من فبراير 2020، اختُتمت المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة، وأنتجت «اتفاقية إحلال السلام في أفغانستان». عبر احتفال رسمي، في الدوحة، وافقت كل من الولايات المتحدة وحركة طالبان على المعاهدة من خلال التوقيع عليها. وفي وقت لاحق، سُميت «اتفاقية الدوحة».
النتيجة المباشرة للإتفاقية هي مغادرة القوات الدولية من أفغانستان في غضون 14 شهراً، وبدء حوار بين الأفغان. تزامنت الاتفاقية مع حدوث اضطرابات في البلاد، فقد خلقت الأزمة الانتخابية فجوة بين السياسيين والأحزاب السياسية، إذ لم يكن لديهم الثقة في كلمات بعضهم البعض. إضافة إلى ذلك، تغيرت البيئة الاجتماعية والسياسية في المنطقة لمصلحة طالبان مقارنة بسنوات عام 2001، فأضحت البلدان المجاورة لا تتعاون مع الحكومة الأفغانية. يضاف إلى ذلك متابعة طالبان شن هجماتها على القوات الأمنية، بما أدى لانتشار العنف في البلاد. ومن هذا المنطلق سيتم تقييم أثر استمرار العنف في عملية السلام في أفغانستان.

أزمة مؤسسية واستمرار العنف

بعد فرز وطعون عديدة، أعلنت اللجنة الانتخابية الأفغانية في ال 18 من فبراير / شباط فوز أشرف غني بنسبة 50.64٪ من الأصوات على خصمه الرئيسي عبد الله عبد الله في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ال 28 من سبتمبر 2019. وعلى الرغم من استمرار محادثات اللحظة الأخيرة التي تهدف إلى إيجاد حل وسط، حتى وقت متأخر من الليل من الأحد إلى الاثنين، إلا أنها باءت بالفشل. في اليوم التالي، وجدت العاصمة الأفغانية كابول نفسها أمام شخصين يشغلان الوظيفة نفسها (المنصب الرئاسي) في الوقت نفسه الذي وقع فيه انفجاران، وهو ما أدى إلى إصابة أحد أفراد الشرطة، بحسب وزارة الداخلية.
يعكس هذا الحادث مستوى انعدام الأمن الذي لا يزال مرتفعاً للغاية على الرغم من عملية السلام التي أدت إلى توقيع اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بعد 19 سنة من الحرب. أقسم الرئيس غني خلال خطاب تنصيبه على «احترام تطبيق الدستور والإشراف عليه»، وقام عبد الله أيضاً على الرغم من فشله في انتخابات سبتمبر بأداء اليمين الدستورية، معللاً ذلك بأن الشعب الأفغاني حمله مسؤولية كبيرة.
يشير هذا الخلاف إلى تكرار الأزمة المؤسسية التي مرت بها كابول من قبل بعد انتخابات 2014، التي ادعى المرشحان أشرف غني، وعبد الله عبد الله فوزهما فيها. ثم استمرت الأزمة ثلاثة أشهر، ولم تحل إلا بعد الوساطة الأمريكية. لكن هذه المرة أكثر أهمية وخطورة، لأن هذه الأزمة بين الرئيس غني ومنافسه أتت فيما كانت تستعد الحكومة يوم الثلاثاء للتفاوض حول مستقبل البلاد في أوسلو بالجمع بين طالبان والسلطات والمعارضة والمجتمع المدني، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة.
وبسبب تجدد العنف من قبل طالبان بجانب الخلاف السياسي بين الرئيسين، إن صح التعبير، تم تأجيل تلك المفاوضات. لأن هذه الأزمات انعكست على المفاوضات، حيث كان من المقرر، وفقاً للاتفاقية الموقعة في ال 29 من فبراير، الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً، مقابل «ضمانات» من طالبان في الحرب ضد الإرهاب وبدء مفاوضات «مباشرة» غير مسبوقة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وقد أعلن الجيش الأمريكي بالفعل يوم الثلاثاء ال 10 من مارس / آذار أنه بدأ الانسحاب التدريجي لقواته من أفغانستان، ليبلغ قوامه من نحو 13000 جندي حالياً إلى 8600 في غضون 135 يوماً، إلا أن طالبان لم تلتزم بالاتفاق، واستأنفت هجماتها على قوات الأمن الأفغانية، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات في أسبوع.
ونص بند آخر على أن تقوم الحكومة بالإفراج عن 5000 سجين من طالبان مقابل إطلاق سراح ما يصل إلى 1000 فرد من القوات الأفغانية، لكن أشرف غني عارض هذا البند في بادئ الأمر، ثم رهن موافقته بتحقق شرط مفاده خفض العنف في البلاد بدرجة كبيرة، حيث أعلن في ال 11 من مارس / آذار استعداده للإفراج التدريجي عن سجناء طالبان، بحيث يتم الإفراج بدايةً من يوم السبت بمعدل مئة معتقل يومياً وبمجرد بدء المناقشات بين الطرفين سيتم إطلاق سراح 500 معتقل جديد كل أسبوعين حتى الوصول إلى ما مجموعه 5000 سجين، وذلك مقابل تقليص كبير للعنف في أفغانستان، وهو ما يمهد الطريق للمحادثات بين الحكومة وحركة طالبان.


مستقبل عملية السلام


في ظل استمرار العنف، بل وتفاقمه بجانب استمرار الأزمة المؤسسية في حكومة كابول، يتضح وجود مسارين لمستقبل عملية السلام في أفغانستان. المسار الأول وهو الأكثر تفاؤلاً، أن تعلن طالبان وحكومة غني وقف إطلاق النار، وتدخلا في مفاوضات يهدف الجميع منها إلى إرساء السلام في البلاد، وأن يصلا إلى مسودة اتفاق نهائية تتم الموافقة عليها. ويعيق تحقق ذلك السيناريو أن الالتزام بالاتفاقيات تم في حالات محدودة في أفغانستان، أي لا يوجد لها تاريخ من الالتزام السياسي، كما أنه يتطلب وجود مراقب لتنفيذ كافة الأطراف للاتفاقية بجانب استمرار دعم القيادة الأمريكية، لكن هذا يبدو أنه صعب التحقق في ظل اتباع الولايات المتحدة الآن سياسة انسحابية تجاه ملف طالبان، بخلاف الإدارات السابقة. فقد كان الهدف الكلي لجورج دبليو بوش ضرب القاعدة، وكذلك سقوط طالبان بالكامل، وتأسيس أفغانستان مستقرة وسلمية. وبالنسبة لباراك أوباما، كان إجبار طالبان على ترك العنف واحترام الدستور الأفغاني، والانضمام إلى إدارة كابول. أما بالنسبة لدونالد ترامب، فكان الهدف مجرد خفض في العنف وسحب القوات الأمريكية، وترك قوات الدفاع الوطني الأفغاني وقوات الأمن في ساحة المعركة على الرغم من معرفتهم بأن حوار السلام داخل أفغانستان سيستغرق وقتاً طويلاً وبطيئاً للغاية، قد يصل أو لا يصل إلى نتيجة مرغوبة.
المسار الثاني يستند إلى طبيعة الأفغان كأشخاص جيدين في القتال سيئين في التفاوض، وخاصة الجيل الحالي لأفغانستان «جيل الحرب»؛ لأنهم ولدوا في الوقت الذي بدأت فيه الصراعات الداخلية من 1979 إلى 1990 الحرب ضد الاتحاد السوفييتي لتدخله في أفغانستان، وبين عامي 1990 و2000 استمرت الحرب بين التحالف الشمالي وطالبان، وبين 2001-2020 استمر حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد طالبان والجماعات الإرهابية الأخرى. ومن هذا المنطلق، يتنبأ هذا السيناريو بفشل الحوار بين طالبان والحكومة، وتمسك كلا الطرفين بالمطالبة بنفوذ أكبر في السلطة، بما يؤدي إلى تفاقم العنف الذي يسمح للقوى الإقليمية بالتدخل مجدداً في الشأن الأفغاني ويفاقم النزاعات في البلاد.

* باحثة بالمركز العربي للبحوث والدراسات - القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"