السودان.. الوساطة الإثيوبية الصعبة

03:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أيمن شبانة*

في خضم مناخ إقليمي مضطرب لا يحتمل تبعات ربيع عربي أو إفريقي جديد، ووسط مخاوف من انزلاق السودان صوب الفوضى الأمنية، حل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ضيفاً على الخرطوم في السادس من يونيو / حزيران الحالي، للتوسط بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، ووقف التصعيد المتبادل، وتحقيق انتقال سلمي للسلطة، إثر فض اعتصام القيادة العامة، وإعلان المجلس إلغاء كافة الاتفاقات مع قوى الحرية والتغيير، وإجراء انتخابات مبكرة في غضون تسعة أشهر.

هل تتكلل مهمة الوسيط الإثيوبي بالنجاح أم يزداد الموقف تعقيداً؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يشغل كافة المعنيين بالشأن السوداني.
كانت الأوضاع في السودان قد تأزمت بشدة منذ الثالث من يونيو الجاري، نتيجة لاستخدام القوة في فض اعتصام المعارضة، وسقوط مئات المواطنين بين قتيل وجريح، حيث نفى المجلس الانتقالي ضلوعه في فض الاعتصام، فيما أنحت قوى الحرية والتغيير باللائمة على المجلس، رافضة استئناف المفاوضات معه، وهو ما دفع الاتحاد الإفريقي لتعليق عضوية السودان بالاتحاد، بعد انقضاء مهلة الشهرين التي منحها الاتحاد للمجلس العسكري لنقل السلطة إلى حكومة مدنية.
تحرك الاتحاد الإفريقي لاحتواء الموقف، تجنباً لتفجر الأوضاع بشكل يستعصي على التسوية السلمية، والحيلولة دون اختطاف الأزمة وتدويلها في أروقة مجلس الأمن الدولي. لذا أوفد الاتحاد رئيس الوزراء الإثيوبي للوساطة بين أطراف الأزمة، وإقناعهم باستئناف المسار التفاوضي. ويعود قبول آبي أحمد لتلك المهمة الثقيلة إلى أربعة عوامل، هي: ترؤس بلاده للدورة الحالية للهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد)، التي ترعى مفاوضات التسوية لكافة الصراعات بالسودان منذ عام 2002. وثقة طرفي الأزمة والشارع السوداني في حياد إثيوبيا، في الوقت الذي تهاجم فيه قوى الحرية والتغيير أطرافاً إقليمية أخرى. وحرصت أديس أبابا على إنجاز تسوية عاجلة للأزمة السودانية قبل امتداد تداعياتها السلبية إلى الداخل الإثيوبي، في ظل الجوار الجغرافي والتداخل السكاني بين الدولتين، وتأكيد الصورة القومية لإثيوبيا كصانع للسلام الإقليمي.
استهل آبي أحمد مهمته بالاجتماع بالفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي، في غياب نائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي». كما اجتمع بوفد قوى الحرية والتغيير برئاسة عمر الدقير، وبعض قادة الأحزاب والحركات المسلحة الأخرى. وأكد الوسيط الإثيوبي أن وحدة واستقرار السودان يجب أن تبقى هدفاً مقدساً لا يقبل المساومة، ونبه إلى ضرورة الوعي بخطورة المرحلة التي يعيشها السودان، وتحلي الجميع بالمسؤولية والشجاعة، لضمان الانتقال الديمقراطي، داعياً المجلس العسكري للتركيز على حماية الوطن، وأن تتفرغ قوى الحرية والتغيير لإعادة بناء السودان الجديد. واقترح تسوية الخلاف بشأن المجلس السيادي، عبر تكوين مجلس برئاسة دورية، يضم 15 عضواً، منهم 8 من المدنيين و7 من العسكريين.
كان المجلس الانتقالي أكثر إيجابية في التفاعل مع الوساطة الإثيوبية. فأكد إدانته لفض الاعتصام بالقوة، وسعيه لتحديد المسؤولين عن فض الاعتصام، والتعهد بتقديمهم للمحاكمة وتوقيع القصاص العادل بحقهم. كما أفرج عن بعض المعتقلين. وقبل استئناف المفاوضات من حيث انتهت، بما يعني التزامه باتفاق الرابع عشر من مايو، الذي يمنح قوى الحرية والتغيير الحق المنفرد في تشكيل مجلس الوزراء، إضافة إلى 67% من مقاعد المجلس التشريعي.
لكن قوى الحرية والتغيير أعلنت رفضها للتفاوض المباشر مع المجلس، إلا في حال قبوله بتسليم السلطة لحكومة مدنية. ووضعت عدة شروط قبل العودة لطاولة المفاوضات، وهي: اعتراف المجلس بالمسؤولية عن فض الاعتصام، وتشكيل محكمة دولية للتحقيق في الواقعة، وإطلاق سراح المعتقلين من المعارضة وأسرى الحرب، والسماح بحرية الإعلام وعودة خدمة الإنترنت للبلاد.

حظيت الوساطة الإثيوبية بدعم قوي من جانب الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والأطراف الإقليمية الأخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، حيث وقفت الدولتان الأخيرتان ضد إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإدانة فض الاعتصام بالقوة. لكن بدا واضحاً اتساع نطاق عدم الثقة بين طرفي الأزمة، وعدم إمكانية تسويتها إلا من خلال الوساطة الخارجية.
إذ يتمسك المجلس الانتقالي بعدم ترك زمام الأمور لقوى الحرية والتغيير، مؤكداً أنها تعبر عن نهج إقصائي، يؤطر لتأسيس نظام شمولي جديد. فيما ترى قوى الحرية والتغيير أن المجلس ليس إلا آلية لإعادة إنتاج نظام الإنقاذ الوطني، وأنه لن يسمح بانتقال ديمقراطي حقيقي في البلاد، محملة إياه المسؤولية الكاملة عن فض الاعتصام.
أمام هذا الاستقطاب في المواقف، عاد آبي أحمد إلى بلاده دون الوصول إلى تسوية مقبولة، على وعد باستئناف الوساطة مجدداً. فيما حاول المجلس الانتقالي إنقاذ الموقف، فأعلن اعتقال عدد من الضباط المتورطين في فض الاعتصام، مؤكداً إجراء تحقيق نزيه في الأمر، والالتزام بإعلان نتائج التحقيق. في المقابل دعت قوى الحرية والتغيير إلى العصيان المدني الشامل في البلاد. وبالفعل استمر العصيان لمدة ثلاثة أيام، قبل الإعلان عن رفعه.
من الجلي أن قوى الحرية والتغيير قد تعجلت في دعوتها للعصيان المدني، وخاصة أن الأوضاع الاقتصادية للشعب السوداني لا تسمح باستمراره لمدة طويلة. لتخسر المعارضة بذلك أهم أوراق الضغط التي لطالما لوحت بها في مواجهة المجلس الانتقالي، ولتميل كفة الميزان لمصلحة المجلس، ولا سيما في ظل غياب الإجماع داخل قوى الحرية والتغيير، وتبلور بعض الكيانات السياسية الداعمة للمجلس الانتقالي.
لذا لوح بعض أعضاء المجلس الانتقالي بتشكيل حكومة تكنوقراط تتجاوز قوى الحرية والتغيير، وإجراء انتخابات مبكرة. وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التعقد في الأوضاع. إذ لا يوجد توافق بين القوى السودانية على تشكيل حكومة تكنوقراط، وهو ما يعني أنها سوف تواجه بالرفض الشعبي. ولا يوجد أيضاً قانون لتنظيم إجراء الانتخابات، كما أن المجلس لا يتمتع بتفويض شعبي يمنحه سلطة الدعوة إلى الانتخابات.
إضافة إلى أن الأطراف الإقليمية والدولية لن تقبل بتخطي قوى الحرية والتغيير، خوفاً من تجدد المظاهرات والانزلاق إلى العنف، خاصة إذا اتجهت المعارضة لتشكيل حكومة موازية لحكومة التكنوقراط المقترحة، بمشاركة الحركات المسلحة، فنصبح أمام سلطة مزدوجة بالبلاد، على غرار الحالة الليبية. وهو ما حذر منه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لدى زيارته السودان مؤخراً.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن القول: إن الوساطة الإثيوبية قد أخفقت في مسعاها، فتعثر المفاوضات واستقطاب المواقف، والأسقف المرتفعة للمطالب هي أمور معتادة في معظم المواقف التفاوضية، خاصة في جولاتها الأولى. وتبقى الحلول الوسطى هي المخرج دائماً، بما يعني أن الوساطة قد تؤتي أكلها في جولات لاحقة، بشرط استمرار الدعم الإقليمي والدولي لها، وخفض قوى الحرية والتغيير لسقف مطالبها، خاصة تلك المتعلقة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث فض الاعتصام، وقبول المجلس الانتقالي بتكوين مجلس سيادي، يسمح بمشاركة حقيقية لقوى الحرية والتغيير في إدارة البلاد.


* نائب مدير مركز حوض النيل - جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"