السودان في مواجهة تحديات خطيرة

03:41 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. أميرة محمد عبد الحليم *

وصلت التطورات في السودان إلى منعطف خطر، بعد إقدام قوات الأمن السودانية على فض اعتصام القوى السياسية أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بالقوة في الثالث من يونيو/حزيران الجاري، وإعلان المجلس العسكري في اليوم التالي إلغاء كل الاتفاقيات السابقة مع قوى الحرية والتغيير، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، وتنظيم انتخابات في غضون تسعة أشهر، بإشراف دولي.
مثلت هذه التطورات انتكاسة حقيقة لما حققه الحراك الشعبي في السودان، الذي بدأ إرهاصاته منذ ستة أشهر من نجاحات، فبعد أن كانت مطالب هذه القوى تتركز في القضاء على الفساد وتسوية المظالم التي نتجت عن ممارسات نظام البشير، والوصول بالبلاد إلى نظام حكم ديمقراطي تمثل فيه جميع طوائف الشعب السودان، أدت ردود فعل المجلس العسكري الانتقالي، إلى بروز صراع آخر حول مدى الجدية في الدفع بالبلاد نحو حكم مدني ديمقراطي.
في الوقت الذي ظهرت العديد من ردود الأفعال الخارجية المستنكرة والرافضة للانتكاسة التي حصلت، وكذلك برزت محاولات للتدخل لتسوية الأزمة بين قوى الحراك الشعبي والمجلس العسكري الانتقالي، للحيلولة دون تصاعد الأزمة وتأثيرها على الاستقرار في السودان، فقد اتجه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي إلى تبني قرار بتعليق عضوية السودان في أنشطة المنظمة القارية، وقام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بمحاولة للتوسط بين الجانبين لحل الأزمة.
فبعد أن وصلت المفاوضات بين تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان والمجلس العسكري الانتقالي إلى طريق مسدود؛ حيث فشل الطرفان في الوصول إلى اتفاق حول تشكيل المجلس السيادي المدني الذي سيقود المرحلة الانتقالية التي اتفق على أن تكون مدتها ثلاث سنوات، قامت قوات الأمن السودانية باقتحام مقر اعتصام المعارضة، وتعاملت مع المحتجين بعنف، وأطلقت النار عليهم، ما أدى إلى مقتل أكثر من مئة شخص وجرح ما يقرب من 600 آخرين؛ حيث قال المجلس العسكري الانتقالي إن ميدان الاعتصام تسلل إليه مسلحون ما يهدد السلم والتماسك في البلاد، وقال نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الذي قاد عملية فض الاعتصام إن الجيش السوداني لن يقبل باستمرار الفوضى.
واعتمدت قوات الأمن السودانية على قوات الدعم السريع في تنفيذ هذه العملية؛ حيث تحولت مناطق من العاصمة السودانية إلى مناطق أشباح في ظل انتشار عناصر الأمن في أنحاء المدينة.
وعلى أثر ذلك أصدر مجلس السلم والأمن الإفريقي، قراراً بتعليق عضوية السودان في جميع أنشطة الاتحاد الإفريقي؛ حيث يعبر هذا القرار عن تحول خطر في موقف الاتحاد الإفريقي، فمع نجاح الحراك الشعبي في إطاحة نظام البشير بعد تدخل المؤسسة العسكرية، حاولت مصر وفي إطار رئاستها للاتحاد الإفريقي، منع تعليق عضوية السودان في المنظمة القارية، وبالفعل أمهل الاتحاد الإفريقي المجلس العسكري الانتقالي في السودان، ثلاثة أشهر للوصول إلى توافق مع قوى المعارضة وتشكيل سلطة مدنية تتولى الحكم في السودان. إلا أن استخدام قوات الأمن السودانية للعنف المفرط في فض اعتصام قوى الحراك الشعبي، قد صادف إدانة شديدة من مفوضية الاتحاد الإفريقي، التي طالب رئيسها موسى فيكي بالتحقيق الفوري والشفاف في هذه الأحداث.
كما جاءت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي مؤخراً للخرطوم، كمحاولة للوساطة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة، وشدد آبي أحمد، على بقاء بعثة الاتحاد الإفريقي في خدمة الأطراف السودانية حتى التوصل إلى اتفاق، معلناً أنه سيقوم بجولة ثانية من المباحثات خلال أسبوع مع كل من طرفي الأزمة السودانية.
حيث أكدت قوى المعارضة، عدداً من الشروط لاستئناف التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي في مقدمتها أن يعترف المجلس بمسؤوليته عن المجزرة الدموية التي وقعت خلال فض الاعتصام أمام قيادة القوات المسلحة، ومحاسبة المتورطين في هذه المجزرة، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لبحث ملابسات فض الاعتصام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكل المحكومين على خلفية معارضة النظام السابق، وإتاحة الحريات العامة وحرية الإعلام، وسحب المظاهر العسكرية من الشوارع، ورفع الحظر عن خدمة الإنترنت.
كما وجه المجلس العسكري، الشكر للرئيس الإثيوبي على جهوده في «تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية»، وأكد رغبته في استئناف المفاوضات مع القوى السياسية.
وقد عبرت الوساطة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي، عن الرغبة الإفريقية في احتواء الأزمة في السودان في إطار الجوار الإفريقي للحيلولة دون تفاقمها ما يسمح بتدخلات خارجية غير محمودة، ويؤدي إلى استغلال الحراك الشعبي في السودان في تحقيق مصالح بعض الأطراف والقوى الخارجية.
ورداً على تصريحات المجلس العسكري الانتقالي، عقب فض الاعتصام وعمليات الاعتقال التي قامت بها قوات الأمن لعدد من قادة المعارضة من بينهم بعض الذين التقوا رئيس الوزراء الإثيوبي، رفض تجمع المهنيين السودانيين، وهو أبرز مكونات تحالف الحرية والتغيير، الذي يقود الحركة الاحتجاجية، هذه التصريحات ودعا إلى «عصيان مدني» شامل بدأ في أرجاء البلاد من يوم الأحد 9 يونيو الجاري بعد انتهاء عطلة عيد الفطر لإطاحة المجلس العسكري الحاكم، وتسليم السلطة لحكومة مدنية في السودان.
وأمام هذه التطورات المتلاحقة يحمل المشهد في السودان سيناريوهات صعبة، فمع تضامن المؤسسة العسكرية في السودان مع المحتجين الذين اتجهوا للاعتصام أمام مقر الجيش منذ 6 إبريل الماضي، ودعمها لإطاحة نظام البشير، كان المشهد في السودان يبعث على التفاؤل في إمكانية تحقيق التحول الديمقراطي المنشود بعيداً عن الفوضى والخلافات، إلا أن استخدام القوة في مواجهة المحتجين قد حول هذا المشهد إلى طريق مسدود، وفتح الطريق أمام خلافات خطرة، بعد أن تراجعت ثقة الشعب السوداني في المجلس العسكري وتوجهاته، وهل سيعمل على نقل السلطة بالفعل إلى المدنيين أم سيسعى للاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة في السودان، وهل سيسعى إلى إعادة إنتاج النظام السابق ويتحالف مع الإسلاميين، الذين أعلنوا خلال شهر مايو ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفضوا الانضمام إلى المحتجين ضد نظام البشير، أما أنه سيعمل على دعم رموز موالية له للوصول إلى السلطة.
وفي ظل العصيان المدني الشامل، الذي أعلنت عنه قوى المعارضة، هل ستنجح هذه القوى في استرداد زخمها ونجاحاتها والوصول إلى حكم مدني ديمقراطي؟ واستكمالاً لهذه السيناريوهات، تبرز المحاولات الإقليمية والدولية للتدخل في شؤون السودان؛ حيث تسعى الكثير من الأطراف لتأكيد حضورها ودعم مصالحها في السودان، وهنا تتصاعد التكهنات حول طبيعة الأدوار المؤثرة في الأزمة السودانية، ومدى قدرة الشعب السوداني أو قوى الحراك الشعبي على تحقيق أهداف الحراك الشعبي في الحرية والديمقراطية والعدالة.

*خبيرة في الشؤون الإفريقية- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"