العلماء يتحدون «نسبية أينشتاين» بـ «الحرباء»

محاولات لتفسير تكوين المجرات في الكون
03:39 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد:محمد هاني عطوي

قال فريق من العلماء بجامعة درهام في بريطانيا،أخيراً، بعد تنفيذ محاكاة على حواسيب فائقة، إن ثمة نظرية فيزيائية جديدة ، أطلق عليها «نظرية الحرباء»، قد تحل مكان «نسبية أينشتاين». فهل يعني ذلك أننا وجدنا بديلاً للنسبية العامة، بعد استمرارها لأكثر من 100عام؟
فسرت نظرية أينشتاين ما لم تستطع قوانين نيوتن تفسيره، وتنبأت بالعديد من الظواهر مثل انحناء الضوء عند مروره بجانب الكتل الكبيرة، والذي اختبرت صحته خلال كسوف الشمس الشهير عام 1919، فضلاً عن تفسير غيرها من الظواهر. وتعد نظرية النسبية العامة هي السائدة في الفيزياء مع نظرية ميكانيكا الكم، وعلى الرغم من عدم توافق النظريتين معاً في أمور عدة، فإن كلاً منهما استطاعت أن تثبت كفاءتها في تفسير ما تعني به.
نجحت نظرية النسبية في إثبات صحتها في تطبيقات عدة، مثل جهاز التتبع عن بعد «GPS»، إضافة إلى كونها ذات أصل رياضي ثابت، مما حقق رواجاً لأكثر من 1000 عام حتى الآن.
واستطاعت النظرية، أن تربط بين أشياء كانت تعد قبل ذلك منفصلة، مثل الجاذبية والزمن والكتلة والضوء.
المشكلة أنه عندما قام العلماء بتطبيق قوانين النسبية العامة على المجرات التي تم رصدها، تبين أن هناك مجرات أخرى لم تتفق أبداً معها؛ لأن السرعة التي تدور بها المجرة تدل على كتلة مادة أكبر كثيراً من تلك التي رصدها العلماء من خلال الضوء المنبعث منها، لذا ظهرت مشكلة المادة والطاقة المعتمتين. ويحتوي الكون على 68.3% طاقة معتمة و26.8% مادة معتمة و4.9% مادة عادية.

جسيم «الويمب»

تساءل العلماء كيف يمكن لقانون أن يفسر حركة مجرة ولا يفسر الأخرى؟ هذا الأمر دفع بهم إلى افتراض مفاده أن مثل هذه المجرات لا بد وأن تحتوي على الكثير من المادة غير المرئية (المادة المعتمة).
وقالوا: من خصائص هذه المادة، أنه لا يمكن لمسها ولا رؤيتها، ولا تتفاعل مع أي شيء ولا يمكن أن تعلن عن وجودها بأية طريقة إلا من خلال تأثيرها الجاذب. بهذه الطريقة توافقت كمية المادة غير المرئية مع النسبية، وحلت المشكلة.
ولكن ما زال العلماء يفكرون في ماهية المادة المعتمة وما هي الجسيمات التي يمكن أن تتكون منها. وأكثر الجسيمات ترشيحاً هو جسيم يدعى «الويمب» (WIMP)، جسيم ذو كتلة ضعيف التفاعل. ومع ذلك، قام العلماء بإجراء العديد من التجارب سعياً وراء الويمب، لكن النتيجة سلبية حتى الآن.

«مجال الحرباء»

تقترح «نظرية الحرباء» لتفسير الطاقة المعتمة، وجود ما يدعى «مجال الحرباء»، المسؤول عن تأثير الطاقة المعتمة مثل بقية المجالات، وتنشأ عنه جسيمات دقيقة تسمى جسيمات الكاميليون «الحرباء»، كما في الإلكترونات وغيرها من الجسيمات.
لكن الاختلاف بين جسيم الكاميليون وغيره، هو أنه ليس له كتلة ثابتة، بل تعتمد كتلته على مقدار المادة المحيطة به، ويرجع سبب تسمية النظرية بالحرباء بسبب خصائص مجال الكاميليون التي تتغير وفقاً للقرب أو البعد عن المادة، كما تتلون الحرباء تبعاً للبيئة التي تحيط بها.
ويقول العالم مولر، من جامعة كاليفورنيا، عن هذه النظرية: «لجسيم الكاميليون كل الخصائص؛ ليكون جسيم المادة المعتمة؛ فهو يفسر المشاهدات الكونية ولا يتعارض مع النظريات الحالية». والآن، كيف تحل هذه النظرية مشكلة الجاذبية؟ للطاقة المعتمة والجاذبية قوتان متعارضتان، الأولى تفرق المادة عن بعضها، والثانية تقربها وتضمها إلى بعضها. والحقيقة أن الذي يحل هذا النزاع هو المادة نفسها، فهي تضغط زر الإغلاق على مجال الكاميليون- الذي يمثل الطاقة المعتمة- فتنتصر الجاذبية، عكس الاعتقاد السائد بأن الطاقة المعتمة هي واحدة، سواء وجدت المادة أم لا.
وبمعنى آخر، يزداد تأثير الطاقة المعتمة ويتمدد الكون أكثر في الفراغ، بينما تُترك تجمعات المادة كالمجرات والنجوم بلا شيء يبعثرها كما نرى في الكون المُشاهَد.

إثبات النظرية

قام فريق العلماء بجامعة درهام في بريطانيا بعمل محاكاة للتحقق من نظرية الحرباء، والنظر ما إذا كانت مجرة مثل مجرتنا يمكن أن تتشكل وفق هذه القوانين. وبالفعل تكونت مجرة حلزونية شبيهة بمجرتنا (درب التبانة). واختبر الباحثون كذلك وجود ثقب أسود فائق الكتلة في المركز كما في مجرتنا؛ حيث إن وجود الثقب يؤثر في تجمع المادة وتكون المجرات من خلال الإشعاع، الذي يبثه ما يمكن أن يطيح بالغبار المتجمع.
وبعد تطبيق نظرية الحرباء مع وجود ثقب أسود، وجدوا أنه مازال بإمكان المجرة الحلزونية أن تتشكل أيضاً. وهذا يعني أن هناك طرقاً أخرى لتفسير نشأة المجرة وليست النسبية العامة فقط.
ولكن هل هذا يكفي لإثبات صحة النظرية؟ بالطبع لا، فالتجربة السابقة هي مجرد تجربة تأكيدية لا تثبت صحة النظرية بشكل جازم؛ بحيث لا يكون هناك سبيل آخر للتفسير، ولا بد أن توجد تجربة أخرى تجزم خطأ النظرية، فإن لم يحدث هذا تأكد العلماء من صوابها.
يذكر أنه منذ أربعة أعوام، أجري أول اختبار لنظرية الحرباء، ولم ينجح في تلك المرة. وحينها استخدم الباحثون جهازاً يسمى مقياس تداخل الذرات؛ حيث وضعوا كرة من الألومنيوم في حجرة صغيرة فارغة تماماً من الهواء لخلق حالة تشبه الفراغ في الفضاء، ومن أعلى هذه الكرة سمحوا لذرات السيزيوم أن تسقط بحرية. وفي هذه التجربة تعتبر كرة الألومنيوم في وسط الفراغ، مصدراً لتأثير الحرباء؛ فبينما تسقط ذرات السيزيوم من أعلى بفعل الجاذبية من المفترض أن يظهر الاختلاف في كثافة المادة تأثير الحرباء، لكن النتائج لم تعطِ أي دليل على وجود قوة مختلفة غير قوة الجاذبية.
ويأمل العلماء في إعادة التجربة في الفضاء؛ لأن تأثير الكاميليون لا بد وأنه متضائل للغاية على الأرض لدرجة لا نستطيع معها كشفه.
وفي نفس الوقت، يسعى فريق جامعة درهام، إلى إجراء اختبار جديد من خلال تلسكوب مصفوفة الكيلومتر المربع Square Kilometer Array، وهو مشروع تلسكوب كبير جداً تبلغ مساحته الكلية كيلومتر مربع، لقياس الأشعة الكهرومغناطيسية الآتية من أعماق السماء، بغرض زيادة معرفتنا عن نشأة الكون وعن المادة المعتمة والطاقة المعتمة، الذي سيتم بناؤه في العام القادم، مروراً بعشرين دولة منها أستراليا وجنوب إفريقيا.


الوصف الأقرب للطبيعة

تمنحنا البيانات الناتجة من تلسكوب مصفوفة الكيلومتر المربع، نظرة أكثر شمولية عن الكون، لا سيما عن هيئته الأولى، وتثبت صحة نظرية الحرباء بالفعل؛ لكن هل حينها ستبطل نظرية النسبية؟ الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بهدم النظريات بقدر تعلقه بالقرب من الوصف الأقرب للطبيعة، فكما كانت نظرية أينشتاين أعم وأشمل من نظرية نيوتن، يمكن أن نصل إلى نظرية أعم وأشمل من النسبية في المستقبل؛ بحيث تكون النسبية حالة خاصة منها؛ لكن ما زال أمامنا الكثير لنصل إلى نظرية قوية وناجحة مثلها. فليس الغرض من نظرية الحرباء أن نقول: إن النسبية خاطئة، أو أنه لا وجود للمادة المعتمة أو الطاقة المعتمة؛ بل الهدف أن نكون على دراية بالإشكاليات التي تحيط بهما؛ كي نواجهها على أمل أن نصل إلى توافق دون تناقضات. وما تحمله الأيام القادمة يستدعي أن نترقب كل جديد بشيء من الحماس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"