العمل والدراسة عن بُعد.. استراحة لإعادة الترابط الأسري

استئناف الحوار المفقود والتفاعل في المنزل
01:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
تحقيق: هديل عادل

ألزمنا فيروس «كورونا» البقاء في منازلنا، وبصرف النظر عن عمق الأزمة التي أجبرت الأسر على الاجتماع والتقارب في هذا الظرف الاستثنائي، يبقى السؤال هنا، هل فكرنا في استثمار هذا الظرف لصالحنا، والعودة إلى عادات وتقاليد افتقدتها الأسرة بسبب انشغال أفرادها عن بعضهم، وتمحورهم حول ذواتهم؟، أم أننا متمسكون بتفككنا وبعدنا عن بعضنا، والتوحد مع أنفسنا، كل في عالمه الافتراضي؟.
تؤيد سمية المحرزي «موظفة» حقيقة أن في كل محنة منحة من خلال الحديث عن تجربتها الشخصية في ظل أزمة «كورونا»، قائلة: بالفعل هذه الأزمة أعادتنا إلى بعض عاداتنا القديمة، فأصبحنا نلتقى أكثر ونتحدث أكثر ونتناول وجباتنا اليومية سوياً، وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي اختلف شكلها وإيقاعها باختلاف شكل وإيقاع حياتنا، أصبح يومنا فجأة يتسع لأشياء كثيرة لم يكن لها مساحة من الوقت وسط مشاغلنا ومسؤولياتنا في البيت والعمل، وباعتبار أنني أعمل في متحف قصر العين، اضطررت في هذه الأزمة للبقاء في البيت، وهذا ما ينطبق على زوجي أيضاً، ولكننا تعاملنا مع هذه المستجدات بإيجابية، خاصة وأن زوجي يعمل في أبوظبي، وكنا نفتقد لوجوده معنا خلال أيام الأسبوع، واليوم نستثمر هذه الفترة من خلال التركيز على مواطن القصور في حياتنا وتعديلها لصالح أسرتنا، فلأول مرة زوجي يشاركني تدريس أولادنا، وأصبح لديه متسع من الوقت للعب معهم، واتسعت مساحات الحوار بيننا.

تجاوز التحديات

يرى خالد النيادي «موظف» أن الظروف الحالية، كما دفعت أفراد الأسرة إلى الالتزام بالبيت، دفعتهم أيضاً إلى الجلوس فترات طويلة أمام شاشاتهم، قائلاً: أصبحت أعمل عن بُعد، وأقضي ساعات في التواصل مع زملائي لتسيير عجلة العمل وتجاوز التحديات التي تواجهنا باعتبار أنها تجربة جديدة لا تخلو من الصعوبات، وعلى صعيد الحياة الشخصية والعائلية أصبحت برامج التواصل الاجتماعي همزة الوصل مع أقاربنا، وهذا هو حال زوجتي وأبنائي أيضا، فهم يعملون ويتعلمون عن بُعد، ويتواصلون مع أصدقائهم وأقاربهم عبر الإنترنت، ولاشك أن هذه المتغيرات انعكست إيجابياً على حياتنا الأسرية، نحن اليوم نمارس أعمالنا في المكان نفسه، وأعتقد أنها تجربة استثنائية ستترك أثرها على الأسرة والمجتمع.
وجدت خولة الكعبي «أستاذة جامعية» في هذه الأزمة فرصة للاقتراب أكثر من أبنائها، وتلبية احتياجاتهم ودعمهم، وتقول: وجودي في البيت أتاح لي مساحة أكبر لمتابعة أبنائي دراسياً عن قرب، ودعم مواهبهم وتنمية مهاراتهم الشخصية، ففي السابق بسبب ظروف عملي كنت أقوم بذلك عن بُعد، أما الآن اختلفت المعادلة، أصبحنا نعمل عن بعد، بينما نمارس حياتنا الأسرية على نطاق أوسع ومتواصل، ولاشك أن هذا الأمر يتطلب إدارة ذكية للوقت، للتنسيق بين مهام العمل والأسرة ومتطلباتنا الشخصية، وأعتقد أنني استطعت القيام بذلك، لأنه بالملاحظة والقياس أصبحت الإنتاجية أكثر من خلال استغلال الوقت المخصص لرحلة العمل اليومي والعديد من الأنشطة الخارجية، بالإضافة إلى أنني أصبحت أخصص وقتاً لمطالعة الأبحاث العلمية، والقراءة، مما يضيف الكثير لي في المحصلة النهائية.
تنظر عبير عادل «مهندسة معمارية» بشكل إيجابي لواقع الأسرة حالياً، معبرة عن هذه النظرة: لا يمكن تجاهل الأثر السلبي لهذه الأزمة على واقعنا ومستقبلنا، ولكننا مؤمنون بحكمة الله وقضائه، راضون بقدره، وهذا الرضا يجب أن ينعكس على أفعالنا وسلوكياتنا، فنحن مطالبون بالتعامل بإيجابية مع تبعات هذه الأزمة وانعكاساتها على حياتنا، وفيما يتعلق بحياتنا الأسرية تحديداً، فإن الأزمة أثرت إيجابياً عليها، لأنها ألزمت أفرادها بالتقارب والبقاء سوياً في المنزل، ولكن يبقى على الأسرة دوراً رئيسياً في عدم تضييع هذه الفرصة واستثمارها وفق رؤيتها واحتياجاتها، وهذا ما أسعى إلى تحقيقه كزوجة وأم، إذ إنني منذ بداية الأزمة وضعت رؤية شاملة لكيفية استثمار هذه الفترة، وأهدافاً محددة تتعلق بعلاقتي مع زوجي، وعلاقتنا بأبنائنا، وكيفية الاستفادة من وقتنا في تعويض ما فرطنا به بسبب انشغالاتنا، وتنمية مهاراتنا وقدراتنا الشخصية، وعلاج نقاط ضعفنا من خلال دعمنا ومساعدتنا لبعضنا.

ظروف استثنائية

تتحدث الدكتورة نجوى الحوسني الأستاذة في كلية التربية بجامعة الإمارات عن الظروف الاستثنائية التي تشهدها الأسرة في ظل أزمة «كورونا»، قائلة: أصبح لزاماً على الأسرة أن تلعب دوراً كبيراً في توعية أبنائها بهذا الخطر وكيفية مواجهته بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى ضرورة استثمار الأسر الوقت بطريقة مبتكرة ومفيدة في ظل أجواء الالتزام بعدم الخروج من المنزل والتقيد بتعليمات قيادتنا الرشيدة ببرنامج التعقيم الوطني، وهذه الظروف التي تعتبر جديدة إلى حد كبير على كثير من الأسر والأبناء يمكن الاستفادة منها بطريقة تضمن قدرتنا على تخطي الأزمات ومقدرتنا على استثمار الوقت، فمثلاً يمكن للأسرة في هذه الأوقات إعادة ترتيب جدول أولوياتها ومحاولة تقربها من الأبناء والتعرف عليهم عن قرب، قبل هذه الأزمة عاشت الكثير من الأسر في انشغال تام عن الأبناء بسبب ظروف العمل ومشاغل الحياة، وربما تكون الفرصة الآن سانحة لإعادة الأجواء الأسرية للأسرة والبيوت، ويمكننا التجمع على المائدة وتناول الوجبات الثلاث معاً والمساعدة في إعدادها وترتيبها، يمكن للفتيات تعلم وصفات وأطباق جديدة، ويمكن للأولاد التعرف إلى هوايات آبائهم ومحاولة تعلمها أيضاً، على الأسرة أن تشيع جواً إيجابياً مفعماً بالنشاط والعمل داخل البيوت وتحويلها إلى ساحات تعليمية وثقافية يستقي منها الأبناء المعلومات والآراء المناسبة حول «كورونا» وكيفية حماية أنفسهم والآخرين.
وتضيف: أصبح التقارب الأسري كما أراه شخصياً في حياتي وفي حياة الكثيرين أجمل ما جنيناه من هذه الأزمة، أصبحت ضحكات الأطفال ولعبهم وانشغالهم مع والديهم من أجمل الأمور التي نعيشها في الوقت الحالي، فيجب علينا أن نحرص على التقارب الإيجابي ووضع أنشطة أسرية متنوعة لقضاء أوقات ممتعة تعود بالفائدة على الأبناء وتنعكس آثارها على المجتمع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"