القدّ الميّاس لا الصوت الألماس

عين على الفضائيات
02:28 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

دع الحسابات والمقاييس والمعايير جانباً، وانظر إلى ما يحصل بعين الواقع الذي وصلنا إليه إثر هزات متعددة، وتفسخات لم تتم معالجتها في حينها. ألم نتوقع أن نرى نماذج تتطاول على الغناء، وتسيء إليه، وتشوهه؟ ألم نشاهد بأعيننا الانهيار، والانحدار، والمواء، وانتصار الجسد و«القد الميّاس» على الصوت الألماس؟ فلماذا الدهشة الآن؟ ولم العجب؟
محمد رمضان (ال«نمبر وان»)، أراد أن «يسبّع الكارات». وصل إلى التمثيل بفضل موهبته؛ شبهوه بالفنان الراحل والرائع أحمد زكي، مع أن الشبه ينحصر في الشكل، ولا يصل إلى عبقرية زكي في الذهاب بالشخصية التي يجسدها إلى عمق يفاجئ به المخرج، وزملاءه، وليس الجمهور فقط. ويبدو أن رمضان قرر مواصلة الالتحام بصورة الراحل، فغنى، وكان لأغنياته صدى شعبي.
الشعبية أوحت لرمضان بتوسيع دائرة نجوميته، وبما أنه «نمبر وان»، فلتفتح أمامه أبواب المسارح ليقيم الحفلات، كالمغنين تماماً. ومجدداً يثير الجدل، ويستفز فئة من الناس، بينما الفئة الأخرى تردد أغانيه في المقاهي، و«التكاتك»، والأزقة.. يتعرى على المسرح، يسجد، يقفز، يتمسك بمظهر الثراء الفاحش، ليقدم الغناء الهابط.
محمد رمضان حالة تعكس حال هذا الزمن. بكل تناقضاته وتخبطاته، بثراء المظهر وفقر الجوهر، بشعبيته وغروره، بانتهازه فرصة الوصول إلى الجمهور من باب التمثيل، لفتح كل الأبواب الأخرى بلا أي حرج، ولا يكتفي بالغناء في الأعمال وفق مقتضيات الدور، ولا بإصدار تلك الأغاني في شرائط، بل يقيم حفلاً غنائياً مثله مثل عمرو دياب، وتامر حسني، وغيرهما.. من منطلق القدّ الميّاس، لا الصوت الألماس.
ماذا يريد رمضان؟ أن يثبت للجمهور أنه فنان شامل؟ أن يكسب المزيد من الملايين؟ أم أن يستغل هذا الزمن بكل ما فيه من فوضى، وضياع هوية، وتضارب مصالح نقابية، لأنه يعلم جيداً أنه لو كان ولد فنياً في زمن العندليب ومحمد فوزي، لما وجد نفسه واقفاً على خشبة، ولما أصابه هوس ال«نمبر وان»، و«الأسطورة»، وكل الألقاب التي يحب أن يفرشها على الطريق أمامه، تمهيداً لإطلالته على الناس.
تعبنا من المقارنة بين فن زمان، وشموخ أهل المغنى زمان، من جهة، وما يحصل للغناء اليوم من فقدان للهوية، وتشتت، واعتماد على البهلوانات والعري لجذب الجمهور. كلما حاولنا سد رقعة، والتحذير من تفسخات، ازدادت الفجوة طولاً، وعمقاً، وخرج علينا من يضرب بكل القيم والمعايير عرض الحائط، ساخراً منا، ومن «معاييرنا». محمد رمضان ليس وحده المستفز في الوسط الفني، فللمنتجين والمسؤولين عن النقابات الفنية، والمؤلفين، والملحنين، وصناع الدراما، والنجوم، نصيب الأسد في تحمل مسؤولية الانهيار والخلل في الموازين والمعايير، مع وجود بعض الاستثناءات، والمستثنين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"