اللؤلؤ الاصطناعي والكساد العالمي قضيا على مهنة الغوص

بحارة الإمارات عانوا نقص التمويل
13:43 مساء
قراءة 12 دقيقة

بدأت آثار انتشار اللؤلؤ الاصطناعي في أسواق منطقة الخليج تزداد وضوحاً مع مرور الأيام، وبدأ هذا اللؤلؤ يصبح امراً واقعاً، ورغم الاجراءات التي اتخذت في كل مدن الخليج ضد هذا الوافد غير المرغوب فيه، إلا ان انتشار هذا اللؤلؤ في أسواق بومبي وأوروبا، وتقبل كبار التجار له، ورغبتهم بأن يحل محل اللؤلؤ الطبيعي كونه أرخص سعراً، ولا يمكن تمييزه عن الطبيعي من حيث اللون أو الاستدارة أو البريق أو غيره، كتب بداية النهاية لصناعة الغوص على اللؤلؤ في منطقة الخليج، وكان من الطبيعي ان يتراجع الممولون عن تمويل رحلات الغوص، وأن يزهد الغاصة والنواخذة في الخروج بنفس الحماس السابق لرحلات الغوص الشاقة.

يمكننا معايشة هذه الاوضاع الصعبة في تلك الفترة من خلال التقارير التي كتبت، ومنها تقرير هاورث عام 1927 الذي يقول فيه ان البحارة العرب في كل ساحل عمان، ويقصد بهم بحارة الامارات، بدأوا يعانون كثيراً بسبب نقص التمويل الذي كانوا يحصلون عليه من التجار الهنود أو من المقرضين من التجار العوضية الذين كانوا يتقاضون نسب ارباح مرتفعة على ما يقرضونه للتجار العرب.(1) ويبدو واضحاً ان المقرضين الهنود بدأوا يعزفون عن التمويل ويتجهون نحو ادخال اللؤلؤ الاصطناعي وخلطه بالطبيعي، فهذا الأمر يحقق لهم ارباحاً سريعة، ويمكنهم من تدوير رؤوس أموالهم خلال فترة قصيرة بدلاً من الانتظار لمدة اربعة أشهر، وهي فترة الغوص الكبير حتى تعود سفن الغوص وتبدأ عمليات البيع والشراء، ويبدو أيضاً ان التجار الايرانيين العوضية استغلوا فرصة تخلي التجار الهنود عن التمويل، وحاجة السفن للتمويل، وبدأوا يطرحون قروضاً تمويلية بنسب فوائد مرتفعة، مما يعني خروج النواخذة المقتدرين أو المستعدين للمغامرة فقط لرحلات الغوص، ومن هذه اللحظة التي تبدو فيها صورة الوضع الاقتصادي في أسوأ حالاتها، يمكننا تخيل حقيقة الوضع الجديد، فآثار انتشار اللؤلؤ الاصطناعي بدأت تنخر في عظم هذه الصناعة، وتؤثر في التركيبة الاقتصادية لمجمل هذه الصناعة، وأهم ما في هذه التركيبة قضايا التمويل التي تعد العمود الفقري لأي نشاط تجاري، ولم يكن الكساد الاقتصادي في بداية القرن العشرين والذي ازداد بنشوب الحرب العالمية الأولى، ثم ظهور اللؤلؤ الاصطناعي هو المسبب الوحيد لانهيار هذه التجارة، وانما عوامل أخرى ظهرت في أواخر العشرينات وخلال فترة الثلاثينات وأهمها انهيار سوق الأسهم العالمي وول ستريت في نيويرك والازمة الاقتصادية العالمية التي عمت كل العالم عام 1929. ولكن ما هي هذه الكارثة التي حدثت، وما علاقتها باللؤلؤ؟

الكساد الكبير عام 1929

روع العالم في خريف 1929 بكارثة اقتصادية كبيرة عرفت في التاريخ الاقتصادي العالمي، بالكساد الكبير، الذي حدث نتيجة للانهيار المالي الضخم في بورصة الأوراق المالية في نيويورك، وكان لذلك الكساد جذور ترجع الى التوسع الذي بلغ أشده في الولايات المتحدة عام 1922 لدرجة ان الأفراد اعتقدوا ان امريكا وجدت مفتاح الرواج الدائم، وانه لم يعد هناك مكان لحدوث الأزمات، وساد التفاؤل دوائر الأعمال المختلفة، وزادت الارباح، وكثرت المضاربات لدرجة ان الرقم القياسي لأسعار الأوراق المالية ارتفع في سبتمبر/ ايلول 1929 الى 216%، ولكن السلطات النقدية هناك التي كانت تعلم ان هذه الحالة لا يمكن ان يقدر لها الاستمرار، عملت منذ اوائل 1928 على ايقاف موجة الصعود، إذ كانت تخشى رد الفعل الشديد، ولم يأت شهر اكتوبر/تشرين الأول 1929 حتى حدث ذلك الانهيار المالي الكبير في اسعار الأوراق المالية في بورصة نيويورك، وكانت هذه الازمة من الشدة والعنف والاتساع بدرجة لم يعرف العالم لها مثيلاً من قبل، فقد اجتاحت العالم اجمع، ومن ثم اطلق عليها الكساد الكبير Thr Great Depression، حيث هبطت الدخول هبوطاً كبيراً، كما هبط مستوى العمالة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل في امريكا 15 مليوناً، وهبطت الاسعار هبوطاً كبيراً، وساد البؤس والفاقة سائر المجتمعات الصناعية والزراعية على السواء. (2) وهبطت التجارة العالمية الى اكثر من النصف لأن معظم دول العالم لم تستطع توفير غطاء من الذهب لعملتها، وعليه فقد اوقفت استيراد المواد الكمالية، وكان اللؤلؤ أحد تلك المواد. (3) ويقول بيسكو المقيم السياسي البريطاني في الخليج في تقرير له عن عام 1929 إن الكساد الذي اصاب سوق الأوراق المالية الوول ستريت في نيويورك كانت له اثار مدمرة على مبيعات اللؤلؤ، فالتجار الذين حملوا لؤلؤهم الى الهند لم يستطيعوا بيع نصف الكمية، وأبدى بيسكو خوفه من أن يسوء الوضع بشكل أكبر في الأعوام التالية. (4) وهذا ما حدث بالفعل. فقد بدأت اثار الازمة بسرعة، واضيفت هذه الازمة للأزمة الأولى المتمثلة في ظهور اللؤلؤ الاصطناعي، وكتبت الازمتان نهاية عصر اللؤلؤ، ويشير تقرير بريطاني كتب عام 1930 إلى ان تجار الإمارات تكبدوا خسائر فادحة عام ،1929 ونتيجة لهذه الخسائر، فإن عدد القوارب التي خرجت لموسم الغوص كان أقل من المعتاد عام ،1930 واستمرت خسائر التجار عام ،1930 وكان المحصول ضعيفاً، وانخفضت الأسعار بنسبة 50% عما كانت عليه عام ،1929 ونتيجة لذلك نشأت حالة من التذمر بين البحارة، وعجز النواخذة في كثير من الأماكن حتى عن توفير امدادات الغذاء للغواصين، ومما زاد الأمر سوءاً ان تجار اللؤلؤ اتفقوا فيما بينهم على خفض اسعار اللؤلؤ كما حدث عام 1929. (5) وكما يتضح من التقرير، فإن المحصول كان ضعيفاً ربما بسبب شح مغاصات اللؤلؤ، وبسبب قلة المحصول الذي تجلبه السفن القليلة التي استمرت في الصيد رغم مصاعب التمويل التي ذكرناها سابقاً، ومع ذلك فقد كان هناك ضرب قوي للأسعار، فرغم ان التجار حاولوا صد الانهيار الكامل لصناعة الغوص من خلال تخفيض الأسعار، إلا ان الأسعار كانت تنخفض من دون انتظار، ولا شك ان انخفاضها الى النصف خلال عام واحد، يؤكد ويوضح مدى حجم الأزمة الآخذة في التفاقم وبشكل سريع، كما أن عجز النواخذة عن توفير امدادات الغذاء للغواصين يعني ان القروض التي تقدم للغواصين وبقية التجارة في بداية الموسم، لم تقدم في ذلك العام.

الممولون يطالبون بديونهم:

رد الممولون على الاجراءات التي اتخذها ضدهم الشيخ سعيد بن مكتوم من خلال منعه تداول اللؤلؤ الاصطناعي، ومراقبة تحركاتهم خاصة محاولاتهم تهريب اللؤلؤ الاصطناعي وخلطه بالطبيعي، بقيامهم باستغلال نفوذهم التجاري في بلدهم، وكونهم رعايا بريطانيين وذلك باستصدار قرارات من المحكمة العليا في بومبي ضد الدائنين من تجار اللؤلؤ الخليجيين، ويشير تقرير بريطاني لعام 1930 الى انه في مايو/أيار من ذلك العام وصلت أنباء الى دبي تفيد ان بعض المقرضين الذين دفع لهم التاجر عبدالله بن يوسف بن عبدالله مبلغ 80 ألف روبية نظير ديون والده، قد استصدروا أمراً من المحكمة العليا في بومبي باعتقاله، وقد اثارت هذه الحادثة بعض التوتر في دبي مما دفع الشيخ سعيد بن مكتوم للتهديد باعتقال كل الهندوس المقيمين في دبي، وتدخل المقيم البريطاني ونصح بعدم اتخاذ أية اجراءات ضد الرعايا البريطانيين، وفي الوقت نفسه أصدر أمراً للسفينة لوبين بمراقبة التطورات، وفي نهاية الأمر تم اطلاق سراح عبدالله بن يوسف على أمل ان تتم تسوية القضية من دون اللجوء الى المحاكم الهندية. (6) وهذه الحادثة تعني ان تمويل السفن الذي كان يقوم به الممولون الهندوس لسنوات طويلة أصبح من الماضي إن لم يكن عند الكل، فعلى الأقل عند الاغلبية حيث تحولت التجارة المشتركة بين الطرفين الى علاقات متوترة ومطالبات قضائية، وهنا يبرز السؤال المهم حول أهمية فتح الاقتصاد بشكل كامل واعطاء الفرصة للممولين الاجانب في التحكم بعصب التجارة من خلال اتاحة الفرصة لهؤلاء بالاستفادة القصوى من فترات الانتعاش الاقتصادي، حيث تبين لنا فترة عصيبة كهذه يفترض ان يقوم فيها هؤلاء الممولون بالتكاتف مع أبناء المنطقة التي استفادوا من خبراتها لمئات السنين، ومحاولة احتواء تلك الازمات المتتالية،واعطاء الفرصة للتجار المحليين والنواخذة بالوقوف على أرجلهم بمساندتهم وتقسيط ديونهم والصبر عليهم، وليس الانقلاب الكلي، وتحولهم الى خصوم يقيمون الدعاوى ويستصدرون قرارات الحجز والاعتقال من محاكمهم. خاصة وأن الأزمة شملت الجميع.

أخذت الأوضاع الاقتصادية تتدهور بشكل سريع منذ بداية الثلاثينات، فالتقارير البريطانية تشير الى ان عمليات الغوص التي بدأت مع موسم الغوص الكبير في بداية ابريل/نيسان عام ،1931 واستمرت حتى 20 سبتمبر/ ايلول، لم تكن مثل سابقتها أيام عزّ الغوص، فقد كان المحصول ضعيفاً والأسعار أكثر ضعفاً بسبب الركود التجاري الذي أدى الى خفض الأسعار الى حوالي 50%، ويؤكد أحد التقارير انه مع انخفاض الأسعار فإن المشترين لم يحضروا للمنطقة، وظلت كميات كبيرة من اللؤلؤ في أيدي التجار لا تجد من يشتريها، ونشأت أزمة اقتصادية حادة، حيث وصل الفقراء الى حافة المجاعة، أما التجار والنواخذة فقد عجزوا عن الوفاء بديونهم. (7) ولكن تردي الأوضاع لم يوقف العمل بهذه المهنة، فقد كان من الصعب على أبناء المنطقة الذين لا توجد عندهم أية بدائل أخرى ان يستوعبوا هذا الانهيار الشامل، وكان من الصعب أيضاً ان يوقفوا العمل بهذه المهنة، لأن معنى ذلك هو حدوث مجاعات، فالانغلاق التام الذي فرضته بريطانيا، أوجد بيئة فقيرة ومعزولة لا يستطيع ابناؤها التواصل مع البلدان العربية الأخرى سوى دول الخليج الأخرى التي تتشابه ظروفها، أو الهند وإفريقيا وهذه دول بعيدة، ومن الصعب ان تستوعب عمالة غير متعلمة وأدمنت العمل بمهنة البحر سواء الغوص أو صيد الأسماك، لذا فإن الاستمرار في المهنة كان خياراً وحيداً، وحتى المسؤولين البريطانيين كانوا مدركين جيداً لهذا المأزق، ويمكننا الاطلاع على وجهة النظر البريطانية من خلال قراءة أحد التقارير الذي يقول كاتبه عام 1934 على الرغم من الكساد الاقتصادي في أوروبا وأمريكا، والحالة المتردية للسياسات الدولية، ومع ازدياد تصدير اللؤلؤ الاصطناعي من اليابان، وتسببه في الهبوط المستمر لتجارة اللؤلؤ، إلا أن الغوص على اللؤلؤ في الخليج لا يزال أهم صناعة فطرية للدويلات العربية الواقعة على الساحل العربي من الخليج، فكل سنة يبحر الآلاف من العرب من الموانئ الرئيسية بداية الطقس الدافئ الى مناطق صيد اللؤلؤ التي تمتد من الكويت حتى دبي، وكانت هناك سنوات من الازدهار عندما وصلت قيمة اللؤلؤ المصدر من البحرين الى أرقام مذهلة (مليوني جنيه استرليني)، أما الآن وبسبب الكساد، واللؤلؤ الاصطناعي، فقد أصبح الرقم واحد على عشرة من هذا المبلغ.

ويمكننا تصور طبيعية الوضع الاقتصادي في الإمارات في تلك الفترة، أي فترة الثلاثينات من خلال قراءة انطباعات أحد المعاصرين لذلك الوقت، حيث يقول على التاجر في مقابلة أجريتها معه، وصلت الى دبي قادما من البحرين عام ،1938 كانت الحياة الاقتصادية في الإمارات في ذلك الوقت ميتة، وكان اللؤلؤ يلفظ أنفاسه، وكان السكان يعتمدون كليا على صيد الأسماك وتجفيفها مثل الجاشع والعومة، ويحفظونها ويصدرونها الى شرق آسيا لتستعمل كأسمدة، وكذلك زعانف أسماك القرش التي كانت تصدر الى أوروبا، وكان أهم تاجر مارس هذه التجارة هو رئيس حسن سعدي، كما أن بعض التجار كانوا يتاجرون بالأخشاب مع افريقيا الشرقية والهند بواسطة السفن الشراعية، وكان التجار الهندوس والبهرة محتكرين لتجارة الأطعمة والأقمشة، وبعد عام 1938 قدم بعض التجار الكويتيين مثل مرشد العصيمي، وعبدالله الشايجي، وخلال الثلاثينات كان يوجد في ابوظبي ثلاثة دكاكين فقط، ولم يكن يوجد بها طبقة تجار سوى تجار اللؤلؤ، وكان هؤلاء في حالة سيئة جدا بسبب انهيار تجارة اللؤلؤ، وكان هناك بعض التجار الهندوس في ابوظبي وأهمهم التاجر بوجراج الذي كان يملك محلا صغيرا، أما بقية الإمارات، فقد كان وضعها الاقتصادي مشلولا ولم تكن توجد سوى بعض السفن التي تعمل بالتجارة الخارجية.

التصدي للتجار المتلاعبين

حين بدأ انتشار اللؤلؤ الاصطناعي في منتصف العشرينات، كان الهندوس الذين يطلق عليهم ايضا اسم البانيان يتزعمون عمليات بيع اللؤلؤ الاصطناعي الذي أخذ ينتشر تدريجيا، ولكن إجراءات الشيخ سعيد بن مكتوم ضد الهندوس، والمراقبة التي بدأت تطبق على تصرفاتهم حدت من تعاملاتهم، ولكن مع مرور الوقت، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية والانهيار التدريجي لصناعة الغوص، بدأ كثير من التجار الخليجيين يتاجرون باللؤلؤ الاصطناعي، وواجه الحكام هذا العبث التجاري بإجراءات صارمة، وهناك العديد من الوثائق التي تعطينا تفصيلات عن تلك العمليات والإجراءات التي اتخذت ضد اصحابها، وكان لتدخل المسؤولين البريطانيين دور كبير في محاولة احتواء محاولات إغراق الأسواق باللؤلؤ الاصطناعي وتدمير قيمة اللؤلؤ الطبيعي نهائيا.

وفي رسالة موجهة من المقيم البريطاني بالبحرين للوكيل المحلي للسلطة البريطانية والذي كان يقيم في الشارقة عيسى بن عبداللطيف السركال بتاريخ 21/9/،1933 يقول المقيم لقد ورد الى علمي، انه وردت اليكم شكاوى وتقارير من تجار في ساحل عمان المتصالح (يقصد الإمارات)، بأن هناك من يخلط اللؤلؤ الحاباني (الياباني) الصناعي مع اللؤلؤ الحقيقي، مما حدا بتجار بومبي الى الامتناع عن شراء لؤلؤ الإمارات ونتج عن ذلك ضرر كبير، وطلب المقيم البريطاني المزيد من التفاصيل بعد أن تم القبض على التجار في البحرين ممن يتعاملون باللؤلؤ الاصطناعي. رد عيسى بن عبداللطيف على القبطان كاسترل بتاريخ 30/9/1933 برسالة اشار فيها الى أن هذا الأمر لم يمارس بشكل كبير، وتم في حدود ضيقة، حيث تم إلقاء القبض في الشارقة على تاجر نجدي (من نجد) يقوم ببيع اللؤلؤ الياباني الاصطناعي، وقد اتخذ الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة اجراءات صارمة بحقه، حيث أودع السجن، وتم تغريمه ألف روبية، وأخذ ما عنده من لؤلؤ اصطناعي، ثم اطلق سراحه، وأشار عيسى بن عبداللطيف في رسالته الى وصول أخبار من بومبي لتجار الإمارات عن إرسال لؤلؤ اصطناعي مخلوط بالطبيعي من إمارات الساحل، وأن حكام الإمارات مهتمون كثيرا لهذا الأمر، لذا فهم يتابعون الأخبار.(11) هناك مراسلات عديدة تحويها الوثائق البريطانية بين المسؤولين البريطانيين عن الشخصين اللذين ألقي القبض عليهما في الشارقة، والبحرين وبحوزتهما لؤلؤ اصطناعي، ولم تشر الوثائق الى أحداث او اشخاص آخرين خلال عام ،1933 ولكن هناك وثيقة مؤرخة في 3 يناير/كانون الثاني 1934 من الكولونيل لوخ الوكيل السياسي البريطاني في البحرين لعيسى بن عبداللطيف الوكيل المحلي الإماراتي للسلطة البريطانية في الشارقة، يقول لوخ في رسالته ان الطائرة البريطانية المسماة هانيبال التابعة للأمبريال ايرويز التي وصلت الشارقة قادمة من كراتشي في 20 ديسمبر/كانون الاول 1933 كان على متنها إرسالية من اللؤلؤ يشتبه في احتوائه على لؤلؤ اصطناعي، ويطلب لوخ تفاصيل حول هذا الموضوع مثل اسم المورد ومحتويات هذه الإرسالية. (12) ولكن هذه الإجراءات الصارمة لم تكن لتغير شيئا في الأوضاع التي تزداد سوءا، فالانهيار الشامل لصناعة الغوص لا تحد منه إجراءات بسيطة للحد من دخول اللؤلؤ الاصطناعي للخليج، فبالإمكان خلط الطبيعي بالاصطناعي في أي مكان، وإذا كان اللؤلؤ الاصطناعي اصبح محرما في الخليج كونه أضر بالطبيعي، إلا أنه أصبح أمراً واقعاً في الهند، وأوروبا، بل ومفضلا لدى الكثيرين كونه يحمل ميزات عدة، اضافة الى رخص اسعاره التي تناسب الوضع الاقتصادي لكثير من الأغنياء الذين تأثروا بالوضع الاقتصادي خلال الحرب العالمية الأولى.

الانهيار الشامل لصناعة الغوص شمل كل منطقة الخليج، وخاصة مدن الساحل التي كان ابناؤها يعملون بهذه المهنة، ولكن الانهيار الاقتصادي شمل ايضا المدن البعيدة عن السواحل، ففترة الكساد التي بدأت بشكل فعلي مع انهيار سوق نيويورك وتزامنت مع ظهور اللؤلؤ الاصطناعي ادت الى هبوط دخل تجار وسكان الحجاز، وإلى تراجع شبيه بالكارثة في ميزانية حكومة الملك عبدالعزيز، وانخفض عدد الحجاج الكلي من جميع البلدان من 100 - 120 ألف حاج في السنة في أواخر العشرينات الى 40 ألف حاج عام 1931 و20 ألف حاج عام ،1933 وأعلنت الحكومة السعودية عام 1931 قرارا رسمياً بتأجيل دفع جميع الديون المستحقة، وصادرت مخزونات الوقود لدى الشركات الأجنبية في جدة، وأصبح عامة الناس في الجزيرة العربية أكثر فقرا مما كانوا عليه في العشرينات، ولكن فترة الثلاثينات، كانت ايضا بداية ظهور النفط في الخليج حيث حققت شركة نفط البحرين اكتشافا مهما للنفط عام ،1932 وتوالت الاكتشافات في السعودية والكويت وقطر، وبدأ بعض بحارة الإمارات يصوبون أعينهم تجاه الحقول الجديدة للنفط، ورغم الجهد الكبير الذي كان يبذله عمال النفط في العمل في تلك الحقول سواء من حيث ظروف المعيشة او بعدها عن المدن، إلا أن جهدها لا يقارن بالعمل بمهنة الغوص، ولكن الهجرة الإماراتية الحقول النفط كانت بسيطة على ما يبدو في البداية، حيث ان استمرار عمل سفن الغوص حتى بداية الخمسينات يعني أن الكثيرين فضلوا الاستمرار بالعمل بهذه المهنة بسبب عدم قدرتهم على تغييرها بسهولة.

هوامش

1- Haworth, Report Fot the year 1927, The Persian Gulf Administration Reports, vol.3, P.31

2- د. علي شلبي، أزمة الكساد العالمي الكبير وانعكاسها على الريف المصري، ص35

3- د. محمد الفارس، الأوضاع الاقتصادية في إمارات الساحل، ص91

4- Biscoe, Report For the year 1929, Dated 29th April 1930, The Persian Gulf Administration vol.8, P50

5 Administration Repert For the Trucial Coast For the year 1930, The persian Gulf Administrtion reports, vol.8, P.42

6 Administration Report For the Trucial Coast For the year 1930, The Persian Gulf Administration Reports, vol.8, P.42

7 Report For the Trucial Coast For the year 1931, The Persian Gulf Administration Reports, vol.1X, P.42

8 Accounts of the Stafe of the Trade From Various Sources 1934-1935-, Records of the Persian Gulf Pearl Fishries, vol.3, P.369

9- مقابلة شخصية مع علي محمد التاجر بدبي بتاريخ 15/6/1993

10- القبطان كاسترل، باليوز دولة بريطانيا في البحرين، رسالة موجهة لعيسى بن عبداللطيف بتاريخ 21/9/،1933 انظر: Records of the Persian Gulf Pearl Fishries, vol.3, P228

11- رسالة من عيسى بن عبداللطيف للقبطان كاسترل، بتاريخ 30/9/،1933 انظر: Records of the Persian Gulf Pearl Fishries, vol.3, P.230

12- رسالة من لوخ الوكيل السياسي البريطاني في البحرين لعيسى بن عبداللطيف بتاريخ 3 يناير 1934 انظر: Records of The Persian Gulf Pearl Fishries, vol.3, P.237

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"