اللاجئون بين فكّي «الوباء» والإهمال

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
ريم عبدالمجيد*

في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا بين الدول بسرعة كبيرة، متجاهلاً الحدود السياسية، التي تكاد تكون فقدت أهميتها بفعل العولمة، تغلق الدول الوطنية تلك الحدود، حتى تلك الدول التي بدت فيها الحدود شيئاً من الماضي المنسي منذ فترة طويلة، مثل بلجيكا وهولندا، تم وضع حواجز الطرق، وهو ما يشير إلى نهاية حقبة وبداية أخرى.
ومن هنا تُثار تساؤلات عدة، منها: إذا كان من حق الدول إغلاق حدودها، فماذا عن أولئك اللاجئين العالقين على تلك الحدود؟ ماذا عن حقهم الإنساني في الحياة، الأمن، الصحة... إلخ؟ هل سيستمر المجتمع الدولي بما يشمله من دول ومنظمات معنية باللاجئين في دعم تلك الفئة الضعيفة أم لا؟

تواجه عملية حماية اللاجئين من الإصابة بالفيروس، وعلاج المصابين بالفعل تحديات عدة، منها:
تواجد أغلب اللاجئين في دول مصابة بالفيروس أو متصلة بها. فيعيش ما لا يقل عن 12 مليون لاجئ ومشرد داخلياً بين العراق وسوريا ولبنان وتركيا، وهي بلدان إلى جانب أنها غير مستقرة بسبب التوترات التي تشهدها، فإنها مرتبطة بإيران، الأكثر إصابة بفيروس كورونا، إما عن طريق السفر المتكرر أو طرق الهجرة غير النظامية أو الحدود المشتركة أو الثلاثة. كما تستضيف إيران نفسها ما يقرب من مليون لاجئ، معظمهم من أفغانستان المجاورة. وعلى الحدود التركية اليونانية وفي إيطاليا يتواجد المئات من اللاجئين، سواء القادمين من سوريا أو من إفريقيا، وهي دول فيها حالات إصابة بالفيروس بجانب أن مخيمات اللاجئين فيها تعاني نقص المياه، وصغر المساحة التي تفرض على عدد كبير من الأفراد أن يتواجدوا في تلك المساحة المحدودة، فضلاً عن غياب البنية التحتية الطبية أو الصحية. وبالتالي، فإن اللاجئين معرضون بشكل كبير للإصابة بالفيروس بسبب العيش في تلك المناطق. ومن ثم فإنه من الأهمية دعمهم منعاً لتعريض حياتهم للخطر بفعل الإصابة، وحفاظاً على حياة المواطنين في الدول الأخرى المحتمل إصابتهم بالعدوى.

وقف حركة السفر والتنقلات

مع تفاقم عدد المصابين بالفيروس، وتسارع انتشاره في كثير من الدول، اتجهت الدول إلى منع الانتقال منها وإليها وأغلقت حدودها، وأوقفت حركة الطيران، وبالتالي ستواجه المنظمات الداعمة للاجئين صعوبة الوصول إلى مناطق تواجدهم لإمدادهم بالمساعدات الطبية والغذائية اللازمة. كما أنها ستواجه صعوبة في إعادة توطين اللاجئين، فقد دفع قرارات منع السفر، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة إلى تعليق إرسال اللاجئين لإعادة توطينهم في أماكن ملائمة للعيش.
وأفضل الطرق للسيطرة على الفيروس، هي تعقب الأفراد - مثلما فعلت كوريا الجنوبية - وعمل مسح شامل لهم، أو في أقل تقدير التواصل مع اللاجئين كي تتمكن الجهات المعنية من تحديد المصابين، وكذلك الأفراد الذين اختلطوا بهم لعزلهم. وقد يكون من الصعب فعل ذلك في بعض المناطق، لأن اللاجئين لا يعيشون في الأغلب في أماكن ثابتة، وقد لا تتمكن السلطات من الاتصال بهم أو التنسيق معهم.
إن 84% من اللاجئين حول العالم تتم استضافتهم من قبل دول ذات دخل منخفض أو متوسط، وتعاني ضعفاً في أنظمة الصحة والمياه والصرف، وهو ما يعني أن على المنظمات المعنية باللاجئين أن تؤسس مستشفيات ميدانية في مخيمات اللاجئين، وأن توفر لهم المستلزمات الطبية - الأقنعة، أجهزة التنفس، الأدوية - ومستلزمات النظافة الشخصية، وأن توفر أيضاً طاقماً طبياً متخصصاً في كل مستشفى، بجانب توفير غذاء ملائم لتقوية الجهاز المناعي للاجئين، بما يقلل من فرص إصابتهم بالفيروس.


محدودية الموارد المتاحة


ويجب التأكيد أن الاحتياجات الواجب توافرها تستلزم توافر مبالغ طائلة لتوفيرها في وقت يتراجع فيه النمو الاقتصادي لعديد من الدول، فضلاً عن توقف بعض المصانع العالمية عن الإنتاج بسبب اتباعها نمط «post-Fordist»، للإنتاج الذي يبتعد عن تصنيع سلعة واحدة في مكان واحد، وبالتالي يوجد عجز في العرض من تلك المستلزمات، ولتوفيرها سيتعين على بعض الدول التي لديها فائض أن تتبرع بها للاجئين.
ومن بين التحديات التي تواجه الدول، أو المنظمات المعنية، وجود قيادات سياسية مناهضة للاجئين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكذلك صعود الحركات القومية المتطرفة في عديد من الدول مثل دول أوروبا، والتي قد تجبر الاتحاد الأوروبي على وقف مساعداته للاجئين بعد أن كان من أكبر الممولين للمبادرات الداعمة لهم، وخاصة أن فيروس كورونا دفع بعض دوله إلى الامتناع عن مساعدة بقية أعضائه بالأدوات والمستلزمات الطبية - فقد حظرت ألمانيا وفرنسا تصدير الأقنعة والمستلزمات الطبية في الوقت الذي كانت فيه إيطاليا في أمسّ الحاجة إليها - وقيام أخرى بالاستيلاء على المستلزمات مثلما فعلت السلطات التشيكية التي قامت بالاستيلاء على المستلزمات الطبية التي قدمتها الصين إلى إيطاليا قبل وصولها للأخيرة، وبذلك سيكون موقفهم أشد رفضاً لمساعدة ودعم اللاجئين. وبالفعل بدأ السياسيون في إيطاليا واليونان بالفعل في الترويج لخطورة طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يحملون الفيروس عبر الحدود الدولية لحشد الدعم لسياسات الهجرة المتشددة.

نقص التوعية

في ظل وقف السفر، وعدم إمكانية الوصول للاجئين إلى جانب محدودية الموارد المتوافرة لدى المنظمات ستكون مهمة حماية ودعم اللاجئين صحياً مسؤولية الدول المستضيفة لهم، وهنا يظهر تحدٍّ آخر أمام المنظمات المعنية باللاجئين التي عليها حث الحكومات على التوزيع المتساوي لخدمات الرعاية الصحية، وهو أمر ليس باليسير في ظل عدم إعطاء بعض الحكومات الأولوية لتقديم خدمات الرعاية الصحية للاجئين، وخاصة في دول مثل لبنان، حيث يعيش اللاجئون في ظروف مزرية، والولايات المتحدة التي بدأت تحرم بعض الفئات من أحقية تلقي الخدمات الطبية، حيث قامت ولاية ألاباما باعتماد بروتوكول لمعالجة المصابين بفيروس كورونا استبعد مرضى الزهايمر ومتلازمة داون من الفئات المستحقة للعلاج.
وغالباً ما يكون اللاجئون والمهاجرون أول من يتعرضون للوصم، ويتم إلقاء اللوم عليهم بشكل غير مبرر في نشر الفيروسات، مثلما ادعى بعض السياسيين الشعبويين الذين يعارضون الهجرة، ويحاولون رسم صلة واضحة بين المهاجرين واللاجئين، وبين تفشي فيروس كورونا، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم ذلك، وهو ما قد يؤثر في قناعات الشعوب تجاه اللاجئين، ومن ثم سيتعين على المنظمات الدولية، تنفيذ حملات توعية تحول دون التحريض عليهم.

* باحثة بالمركز العربي للبحوث والدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"