اللاجئون في «البازار» التركي

01:37 صباحا
قراءة 5 دقائق
بهاء محمود *

في آخر فبراير / شباط الماضي، وبالتزامن مع خسائر أردوغان في سوريا، بدأت موجات اللاجئين تضرب حدود اليونان، وتشتبك معهم حيث نجح البعض، وأخفق الآخرون، وهو ما بدا أنه تنفيذ لتهديدات أردوغان للأوروبيين طوال الشهور الماضية.
يثار الجدل عادة بين الأوروبيين والأتراك حين يمر أردوغان بأزمة داخلية أو خارجية، ليخرج مخاطباً الأوروبيين، متهماً إياهم بعدم الوفاء بالتزاماتهم تجاه تركيا بموجب اتفاق اللاجئين مارس / آذار 2016، وهو ما يجعله مهدداً من حين لآخر بفتح الأبواب أمام اللاجئين، فعلياً ينتهي الاتفاق في 2022 مع انتهاء الالتزام المالي المقدر ب 6 مليارات يورو والذي بالحساب البسيط تبقى منه القليل، والذي لا يرضي أردوغان. فمن جانب لا يعترف أردوغان من الأساس بالحصول على الأموال كاملة، والاتحاد يصر على أنه تبقى حصة لا تتخطى نصف مليار. من هنا أردوغان رابح بحسب عدد السنوات، لكنه يريد 40 ملياراً أخرى ودعماً آخر غير مالي.

سياق الأزمة

البداية جاءت في نهاية فبراير / شباط الماضي حين أعلن الرئيس التركي أردوغان أنه سيبقي حدود تركيا مفتوحة للاجئين حتى يفي الاتحاد الأوروبي بكل مطالبه، موضحاً في خطاب متلفز أهدافه، قائلاً: «حتى تتحقق كل توقعات تركيا بما في ذلك حرية الحركة وتحديث الاتحاد الجمركي والمساعدات المالية»، مضيفاً إنه فتح البوابات من أجل الضغط على أوروبا لتقديم مساعدة أكبر في الصراع السوري، حيث حاربت تركيا لرد هجوم النظام السوري على آخر معقل للمتمردين في إدلب، مستدركاً أن تركيا أيضاً تأمل في اتفاقية جديدة مع بروكسل قبل قمة قادة الاتحاد الأوروبي في ال 26 من مارس / آذار.

مشاهد بائسة

على أرض الواقع، الأمر تطور هذه المرة بعد أن فتح أردوغان حدوده للاجئين القادمين من سوريا والقابعين أيضاً في تركيا، ليعبروا إلى اليونان ويشتبكوا مع القوات اليونانية، على أثر نشر اليونان شرطة مكافحة الشغب وحرس الحدود لمنع اللاجئين، وحتى تشتعل الأزمة بين الأطراف، أطلقت قوات الأمن التركية الغاز المسيل للدموع عبر الحدود على نظرائهم اليونانيين، ولم تكتفِ بذلك، بل أمدت الصحفيين بلقطات للردود اليونانية السلبية على المهاجرين. ثم اتهم أردوغان المسؤولين اليونانيين بأعمال العنف، واصفاً تصرفهم بتصرف ألمانيا النازية، فيما أظهرت اللقطات التي أخذتها صحيفة «نيويورك تايمز» قوات الأمن التركية تقف جانباً، لتسمح للاجئين بتدمير جزء من سياج حدودي يقسم بين تركيا واليونان. وأظهرت لقطات أخرى سفينة تركية تلاحق سفينة خفر السواحل اليونانية في بحر إيجة، ومدرعة تركية تصطدم بسياج حدودي بين البلدين. ليس هذا فحسب، بل أرسلت بعد ذلك وزارة الداخلية التركية مزيداً من قوات الأمن إلى الحدود، ليس لمنع الناس من المغادرة من دون وثائق، ولكن لمنع اليونان من إعادتهم بالقوة، وفقاً لتصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
تعكس هذه السلسلة الدرامية العنيفة مدى ضعف الاتحاد الأوروبي الذي ترك اليونان تواجه بمفردها تركيا، والتي سمحت ودفعت ما يتخطى ال150 ألف لاجئ من العبور لأوروبا. كما تجعل اللاجئين الضعفاء بين شقي الرحى، إما تحت رحمة أردوغان وجحيم الحرب أو المخاطرة بالحياة في المياه الأوروبية، وإن نجوا فسيلاقون، مصيرهم بين براثن خطاب عدائي كاره للاجئين في مختلف المدن الأوروبية. ولا سيما أن الحكومة الجديدة في اليونان والتي هي مزيج من المحافظين المعتدلين واليمين المتطرف، قررت معاملة اللاجئين القادمين إلى حدودها من تركيا، كتهديد إرهابي.
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تخطاه باعتبار اللاجئين غزاة، وبالتالي يستحقون العنف على أيدي قوات الأمن، ونتيجة لذلك أشعلت النيران في مراكز اللاجئين في جزيرة ليسفوس. من جانبها، دخلت وسائل الإعلام اليونانية على خط الأزمة متبنية نظرية المؤامرة، حاملة شعار وقيم القومية المتطرفة، حيث يمثل التعبير عن التضامن مع اللاجئين بمنزلة «دعاية تركية». في مشهد لخصت مراراته الصحفية اليونانية «زينيا كونالاكي»، قائلة: «يتم تدريب مجتمع بأكمله على القسوة هذه الأيام»، قاصدة المجتمع اليوناني حكومة وشعباً!

كيف يفكر الأوروبيون؟

في المقابل أبدى الاتحاد الأوروبي انحيازاً لليونان مبدئياً في منح المفوضية اليونان 700 مليون يورو دعماً مالياً لمواجهة تبعات اللاجئين. وفي ما يتعلق بالعنف الذي مارسته اليونان ضد اللاجئين، لامت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين اليونان على استحياء، قائلة: «القوة المفرطة أمر غير مقبول، والإجراءات الأمنية يجب أن تكون متناسبة». سياق تصريح فون دير لا يمثل أي نية لاتخاذ إجراء ضد اليونان خاصة، بل يعبر عن مدى ضيق الاتحاد باللاجئين. وهو ما يتسق أيضاً مع وصف فون دير لليونان بكونها «درع أوروبا»، وكأنما وجدت أوروبا ضالتها أخيراً في سلوك اليونان، فاليونان إذاً هي من سيريح أوروبا من صداع اللاجئين ويمنح الأحزاب التقليدية صك البقاء في مواجهة اليمين المتطرف والشعبوية المنتشرة.
على الجانب الآخر من الأزمة، أعلنت الحكومة الألمانية أنها مستعدة «لدعم اليونان في ما يتعلق بالوضع الإنساني الصعب، عبر السماح بعبور عدد من الأطفال يتراوح بين 1000 و1500 طفل من الموجودين في مراكز اللجوء اليونانية إليها، وحددت ألمانيا نوعية الأطفال بأولئك الذين هم في حاجة ضرورية للعلاج الطبي أو ما دون 14 عاماً، وخاصة الفتيات. على أن يتم التفاوض بشأنهم من قبل «تحالف الراغبين» الأوروبي، وذلك في ضوء أن 11 دولة أوروبية فقط قد رحبت بتقاسم أعباء اللاجئين القادمين بعد التوتر في سوريا في فبراير / شباط الماضي».

استجابة مؤقتة

بعد اجتماع أردوغان مع الأوروبيين في بروكسل في الأسبوع الثاني من مارس / آذار الجاري، هدأت موجات اللاجئين على الحدود اليونانية التركية مع ثباته على موقفه من إنكار تلقيه من الاتحاد الأوروبي المبالغ المتفق عليها، وفقاً لاتفاق اللاجئين في 2016، فضلاً عن عدم تلبية طلباته الأخرى من تعزيز التجارة وترتيبات التأشيرات وخلافه من الأمور العالقة بينهما. أما عن الجانب الأوروبي، فأوضح أنه تم الاتفاق مع الجانب التركي على مراجعة اتفاقية اللاجئين، في محاولة لتسوية النزاع بين الجانبين، خاصة التوتر الحدودي في بحر إيجة.
تصريحات رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أوضحت عدة مسائل، أولها: صدق التكهنات من إرضاء أردوغان بدفع مبالغ مالية جديدة بخلاف المتبقية من الاتفاق الحالي. ثانيها: الإبقاء على اتفاق اللاجئين ولو بالنسخة الحالية مع الشروع في تعديلها بما يرضي الطرفين، وبالأحرى استجابة للضغوط التركية. من هنا يمكن القول: إن ملف اللاجئين سيظل في المستقبل القريب رهين أهداف أردوغان، فيما يظل مصير اللاجئين أنفسهم ما بين ويلات الحرب وجحيم الشعبوية وعنصريتها.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"