المستقبل..هنا

02:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
يوسف أبولوز

حقق قطاع الثقافة في الإمارات خلال العقود الماضية منظومة من الإنجازات الأدبية، والفنية، والإبداعية، والجمالية؛ وذلك من خلال أفراد بوصفهم كتّاباً ومثقفين يعمل كل واحد منهم على مشروعه الأدبي أو الثقافي بإمكاناته الفردية واجتهاداته الذاتية، هذا أولاً، وثانياً، من خلال مؤسسات ثقافية ظهرت بشكلها المهني الاحترافي في أوائل ثمانينات القرن العشرين، وسوف تستوعب هذه المؤسسات ما أنجزه الأفراد من أدب وكتابة وإبداع، لا بل إن هذه المؤسسات الثقافية الإماراتية العاملة إلى اليوم بكفاءات إدارية ومنهجية منتظمة كانت وما زالت كيانات حاضنة للكتّاب والفنانين والمثقفين الإماراتيين، وهي في الوقت نفسه أُطر أو مجموعة أطر ضرورية ومهمّة للكاتب الإماراتي أو الفنان الإماراتي سواء أكان تشكيلياً أم كان مسرحياً ودائماً نحو ثقافة إماراتية مشدودة إلى جذرها التراثي، ومتصلة في الوقت نفسه بالمعاصرة والحداثة.

(1)

هذا التحقق الثقافي الإماراتي نقرؤه على هذا النحو.. أي الفردي والمؤسّساتي بعد معاينة التراكمات الثقافية، والمقصود بها التجارب والخبرات التي ظهرت من عقد زمني إلى آخر، أو من عام إلى آخر، ففي كل مرة نعاين فيها خريطة الثقافة في الإمارات ننظر إلى ما تحقق في السنوات الماضية، ثم نبني على هذه النظرة ما نريد قوله حول الزمن الثقافي الإماراتي المقبل في نوع من الاستشراف أو التوقع الذي له ما يبرره استناداً، كما قلت، إلى تراكمات الأعوام الماضية.
القراءة الاستشرافية أو التوقعية للعام 2020 مختلفة تماماً عن أية قراءة من هذا النوع جرت لسنوات سابقة، فنحن في زمن ثقافي إماراتي محلي، لكن الكثير من عناوينه عالمية، ولنبدأ، أولاً من العالمية الثقافية المتوقعة في الحدث الكبير إكسبو 2020، ونقول هنا مباشرة صحيح أن العنوان الأبرز لهذا الحدث هو اقتصادي، ولكن في الوقت نفسه هو أيضاً ثقافي، فني، إبداعي، إلى جانب ذلك، إن ثقافات العالم من جهاته الأربع ستكون على أرض واحدة في دبي؛ حيث الإمارات قبل ذلك أي قبل هذا الحدث تتعايش على أرضها ثقافات أكثر من مئتي جنسية من جهات العالم الأربع.
إكسبو في الشهر التاسع من عام 2020 هو حدث جاذب بطبيعته وبعالميته للكاتب الإماراتي والعربي والعالمي إن كان بوصفه حدثاً ملهماً للكتابة، أو إن كان بوصفه حدثاً يجمع مئات؛ بل آلاف النخب الاقتصادية، والإعلامية، والاستثمارية، والتجارية، والتسليعية، والسياحية، والترفيهية.. وفي كل هذه الفضاءات هناك مشترك ثقافي أو هناك عصب ثقافي، فالثقافة مفهوم معرفي متعدد العناصر والمكوّنات. في الاقتصاد ثقافة، في التجارة ثقافة، في الترفيه ثقافة، في السياحة ثقافة، أما البيئة الجامعة هنا فهي البيئة الاجتماعية والثقافية الإماراتية التي عرفت منذ سنوات طويلة معنى التعايش الثقافي العربي - العالمي تبعاً للطبيعة الكوزموبولتية السكانية في بلد يوفّر لهذا النسيج الاجتماعي كل أسباب الأمن والأمان والاستقرار.

(2)

العام 2020 هو عام الاستعداد للخمسين، ومن المتوقع؛ بل من المؤكد أن الكتّاب والمثقفين والفنانين الإماراتيين هم معاً مكوّن مهم جداً، وإيجابي في هذا الاستعداد الوطني الذي سيأخذ، كما هو متوقع، شكل مبادرات وبرامج وأفكاراً تتناسب وطنياً وثقافياً مع العيد الوطني الخمسين لدولة الإمارات التي أطلقت عبر ما يقرب من نصف قرن أكثر من مبادرة ذات وزن معنوي كبير الأثر الثقافي؛ مثل: مبادرة «عشرية القراءة 2026»؛ و«شهر القراءة» آذار/مارس من كل عام، ثم الاحتفاليات المؤسسّاتية باللغة العربية.. لغة القراءة ولغة الكتابة ولغة الذاكرة ولغة الهوية.
عام الاستعداد للخمسين في جوهره هو عام انتقال من مرحلة ثقافية إماراتية إلى مرحلة أخرى سنعاين تتويجها في عام 2021، فما من كاتب إماراتي في مثل هذه التواريخ المفصلية إلاّ ويراجع مشروعه الثقافي الفردي خلال هذه السنوات.. كما ويراجع المسار الثقافي لبلاده خلال السنوات الماضية، ويضع نفسه أمام تساؤلات جوهرية متوقعة من مثل:.. ماذا أضفت إلى تجربتي الثقافية الفردية؟.. ماذا أضفت إلى المشهد الثقافي الإماراتي؟.. وكم كانت مشاركتي أو شراكتي في هذا المشهد إيجابية، وعملية، ووطنية؟؟
عام الاستعداد للخمسين، وما يليه من عام احتفالي، إماراتي، كبير هما عاما تفاؤل بالثقافة التي كما قلنا لا تنفصل مطلقاً عن كل مكوّن حيوي في الدولة، فالثقافة هي في وجه من وجوهها توثيق أدبي لمنجزات وطنية يفخر بها ابن البلاد.. إننا هنا لا نفصل الثقافة الوطنية عن منجز إماراتي عظيم حدث في عام 2019 وهو وصول الإمارات إلى محطة الفضاء على يد الطيار الإماراتي الشاب هزاع المنصوري.
يثير المشهد الفضائي مخيلة الكاتب الإماراتي، وهو يشعر بالامتلاء الوطني لهذا الحلم الذي تحقق على يد طيار شاب سيكون قدوة لآلاف الشباب الإماراتيين والعرب.
هل يحمل هذا المشهد شكلاً من أشكال الثقافة؟.. هل هذا الإنجاز الإماراتي العالمي سيكون في الأعوام المقبلة مادّة روائية مثلاً لأحد الكتّاب الإماراتيين؟.. أسئلة استفهامية بالطبع، ولكنها توقعية في الوقت نفسه، فالوصول إلى الفضاء بعيداً عن جاذبية الأرض، ثم الاستعداد للوصول إلى المرّيخ هو إبداع علمي، وفي الإبداع العلمي ثمة شيء من الإبداع الأدبي.

(3)

كل المؤشرات الرّاهنة، أو كل المعطيات الحالية تقول إن الإمارات باتت اليوم وجهة نشرية عربية عالمية؛ من خلال أكثر من سند أو أكثر من دليل، أولاً: النشاط المحلي والدولي العام لجمعية الإمارات للناشرين، وحضورها المحترم في محافل صناعة الكتاب في العالم، وبالتالي، صناعة الكتاب في الإمارات، وثانياً:.. مدينة الشارقة للنشر؛ بوصفها أول منطقة حرّة في هذا الاختصاص النشري في العالم، وقد تأسست في عام 2017 لخدمة قطاع النشر والطباعة، وهي فرصة ذهبية وفّرتها الشارقة للناشرين من كافة بلدان العالم، وثالثاً:.. الحيوية المرئية لصناعة النشر في الإمارات وبنيتها التحتية إن جاز الوصف مجموعة نشطة من دور النشر العائدة في بعض ملكياتها إلى كتّاب وكاتبات من الإمارات.
في ضوء ذلك، يتوقع المراقب الثقافي لهذا القطاع أن تنشط عملية النشر وصناعة الكتاب في الإمارات في عام 2020 لا أن تتراجع، فالسنوات الماضية لم يشهد هذا القطاع أي مؤشر تراجع؛ ولذلك، أسباب موضوعية كثيرة منها ما ذكرناه قبل قليل.
معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، حافزان آخران على تنشيط قطاع النشر وصناعة الكتاب في الإمارات، فهما مناسبتان مهمّتان لالتقاء الناشر الإماراتي بالناشر العربي والعالمي، وخلال ذلك تجرى صفقات متبادلة، كما ويجري تبادل الخبرات والأفكار التي تفضي بالضرورة إلى مستقبل نشري إماراتي بالغ الإيجابية ليس فقط في العام القادم؛ بل، وفي الأعوام القادمة.
كلّها، إذاً، سلسلة واحدة من جمعية الناشرين، إلى مدينة الشارقة للنشر، إلى دور النشر المحلية، إلى معارض الكتب، وربما تكتمل هذه السلسلة بحلقة مهمّة أيضاً يتوجب الإشارة إليها وهي حلقة الترجمة في الإمارات، ونقول هنا إن مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي قد يصل إلى العنوان رقم 1000 في عام 2020، أو أنه يتجاوز هذا الرقم في العام المقبل.


احتفالية كبرى


عام 2020 عام تفاؤل بالثقافة الإماراتية، فهي بعناوينها العامّة ثقافة مستقبل، وثقافة تنوير، تابعنا ذلك منذ الثمانينات وحتى الآن، وما من عام إلاّ ويحمل جديداً إبداعياً للكتاب والفنانين الإماراتيين، كان الشعر وكانت القصة القصيرة تقودان عربة الإبداع الأدبي في الإمارات.. اليوم عربة الإبداع هذه تقودها الرواية، ومن المتوقع في 2020 أن تظهر تجارب روائية جديدة تستلهم الروح المعاصرة لإيقاع الحياة في الإمارات، وفي سياق التوقع أيضاً، ومن خلال معطيات وحيثيات قطاع الثقافة في الإمارات، سنشهد نموّاً جديداً في مهرجان الفنون الإسلامية الذي يقام كل عام في الشارقة، وسنشهد أيضاً في ضوء التنوّع المسرحي في الإمارات عبر السنوات الماضية إبداعاً مسرحياً في 2020 وما يليه من أعوام، لا بل إن «الخمسين» في حدّ ذاتها، هي احتفالية كبرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"