الموسيقا والمشافهة

رؤية
13:23 مساء
قراءة دقيقتين

تلقى جلال الدين الرومي تعليمه عبر المشافهة أولاً، وهذا النوع من التلقي يتصل بما يتجاوز الكلام إلى الاشارات، ولقد كان ديدن المُتنكبين لمشقة المعرفة أن يجاوروا عالماً، وأن يتلقوا منه مباشرة، وفي هذا النوع من التلقي درجة أكبر من الحساسية الثقافية، ودرجات أسمى من الاتصالات غير اللفظية الإشارية/التعبيرية/الصوتية، وكانت كل تلك الاتصالات تعزز المعرفة وتجذرها، ولهذا السبب قيل إن الرومي لم يكن يكتب شعره الغزير، بل كان يرسله إرسالاً شفاهياً وهو في لحظات استدعاء وغوص، وكان المدونون يكتبون مايقوله ويراجعونه فيما قال بعد ذلك، وبهذه الوسيلة الشفاهية كتب المثنوي الذي اتسع ل25649 بيتاً، وديوان شمس تبريز الذي اتسع ل36023 بيتاً، بالاضافة إلى 176 رباعية، كما اشتمل على نصوص شعرية باللغات التركية والرومية مما يشير الى تعدد ثقافة الرومي، وإلى ذلك له كتابان نثريان هامان هما فيه مافيه والمجالس السبعة.

يعتبر كتاب المثنوي كتاب شعر وموسيقا في آن واحد، وهذا يدلل على تلقائية شعرية مموسقة لدى الرومي، ويفسر في بُعد ما ابتكاره المُمْعن للمولوية الموروثة حتى أنه يمكننا القول إن الرومي كان نموذجاً أقصى للشخصية العمودية الأُفقية في آن واحد، فقد كان متفرداً، واسع الاطلاع، مُتسعاً، متعدداً، شمولي النظرة، وتفصيلياً أيضاً.

عندما نصف الرومي بأنه كان شخصية عمودية فانما نقصد استغراقه الكبير في التفاصيل وقدرته الاستثنائية على إعادة انتاج مرئياته بطريقة شاقة باحثة ومستغورة، وعندما نصفه بالشخصية الافقية فإنما نقصد سعة صدره، وتجاوزه المنطقي والسلوكي للتعصُّب أياً كان نوعه، ودعوته لنظرية الحب الإلهي التي تمنح البشرية الحياة الحقيقية.

تلك المثابة جعلت من الرومي قابلاً لكل الصور، مبرراً للظواهر وإن تباعدت عن قناعاته، رائياً لما وراء الآكام والهضاب مما لا يقدر عليه إلا أصحاب الهمم الكبيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"