النظافة.. قراءة عبر التاريخ

عرفها الإنسان منذ القدم
14:22 مساء
قراءة 7 دقائق

تاريخ النظافة عند الانسان قديم قدم البشرية نفسها، فمنذ ان وجد الانسان على هذه البسيطة، وهو يبحث بشتى الطرق عن تنظيف نفسه، لكن العالم شهد نقلة نوعية بعد اكتشاف الصابون بشكله الحالي، إضافة بالطبع الى ما تلا ذلك من اكتشاف لمواد أخرى تساعد على زيادة النظافة بمعناها الحديث .ويقال إن مادة شبيهة بالصابون مكونة من شحم الابقار ورماد الخشب اكتشفت في قوارير طينية في مدينة بابل تعود الى ما قبل 5000 سنة، حيث كانت تغلى لينتج لدينا كرة جيلاتينية سوداء قابلة للفرك أو الحك.

بعد فترة طويلة قام الفراعنة بصنع الصابون من شحوم الحيوانات وزيوت النباتات، عن طريق خلطها بأملاح قاعدية. ثم جاء الرومان الذين عرفوا بحبهم للاستحمام ليطوروا صنع الصابون الى درجة أنهم اعطوه الاسم المعروف به نسبة الى تلة سابو القريبة من روما.

بيد أن توسع استخدام الصابون وصناعته لم يصل الى شكلة المعروف إلا خلال القرن السابع في اوروبا، والقرن السابع عشر في امريكا بعد أن تحقق الناس من تأثير الأوساخ في الصحة، ودورها الخطير في انتشار الأوبئة.

ويقال إن استخدام الصابون في العصور الوسطى بأوروبا كان يقتصر على تنظيف الأرض والملابس، أما استخدامه على الجسم بشكل واسع فلم يبدأ إلا في القرن التاسع عشر، نتيجة لاكتشاف مثير تمثل في تلك الآونة في معرفة أن البشرة تتنفس، حيث رأى الاطباء أن القذارة يمكن ان تتسبب باختناق الجسم وقتل صاحبه.

وفي العام 1791 لعبت الصدفة دوراً مهماً عند توصل الكيميائي الفرنسي نيكولا لوبلون الى طريقة جديدة لتصنيع الصابون، وذلك من ملح الطعام بدلاً من الرماد وزيت الزيتون بدلا من الشحم الحيواني، وبالطبع كان هذا الصابون الذي سمي فيما بعد بصابون مرسيليا، نسبة الى المدينة التي جاء منها الكيميائي لوبلون، رخيصاً وقليل اللزوجة والحساسية على البشرة.

ظهور المنشفة

ومن عناصر النظافة التي ظهرت في العام 1871 المنشفة أو المنديل المصنوع من النسيج والاسفنج لامتصاص أكبر قدر من الماء بعد الاستحمام، يشار الى أن الناس كانوا يستخدمون قبل ذلك قطعاً بسيطة من الأنسجة، لتجفيف أجسامهم، لكن منذ القرن السادس عشر وحتى بداية القرن الثامن عشر، أصبح التجفف يتم بقماش جاف ليحل مكان الأقمشة الأخرى.

وفي تلك الآونة لم يكن الناس يغسلون سوى الاجزاء التي تفوح منها الروائح كثيراً في الجسد، حيث كان الناس ينظرون الى القذارة بمثابة الدرع الواقية للجسد من الأمراض، لا سيما الطاعون، ولحماية هذا الدرع من الزوال كان الناس يلبسون طبقات عدة من الثياب.

الدوش كمغسلة السيارات

في العصور السابقة، كان الاغريق مهووسين بالدوش أو بما يمكن تسميته على الاغلب المغاسل أو الينابيع، ويعود تاريخ الدوش بشكله الحديث، أي الذي يخرج كمية من الماء من ثقوب دقيقة، الى العام ،1872 وذلك حين ظهر أول الأمر في أحد السجون حيث كان الطبيب فرانسوا ميري دولابوست، يعمل في سجن بون نوفل بمدينة روان الفرنسية، وكان متأكداً من أهمية الاستحمام، وضرورة تطبيق قانونه على المساجين، لكن ذلك كان مكلفاً جدا، لأنه كان يتعلق بألف سجين، وهنا فكر الطبيب باستبدال المغطس بوابل من المياه الدافئة يستمر لخمس دقائق، ويوفر لكل سجين 20 ليتراً من الماء، للاستحمام، مقابل نصف ساعة و200 ليتر من الماء في حالة استخدام المغطس، ما يعني أنه أوجد طريقة مبتكرة لتوفير الوقت والمياه، والمثير في الأمر أن اختراع الطبيب سرعان ما وجد له صدى خارج السجن، حيث بدأ الناس يستبدلون الحمامات العادية بالحمام الدوش، وبعد أن بدأ الماء يصل الى البيوت جملة، أخذ الدوش شكله الحالي خلال القرن العشرين، لكن ثمة مشكلة أخرى يتوجب على التقنية الجديدة حلها في القرن الواحد والعشرين وتتمثل في المحافظة على البيئة.

المغطس

أما عن المغطس فكان هوس الرومان الآخر، حيث كان هؤلاء يقضون ساعتين يومياً في مغاطس الحمامات العامة، خاصة أن الامبراطور الروماني ديوكليسيان شيد حمامات ساخنة تتسع ل 3000 شخص.

المثير في الأمر أن الاغتسال في العصور الوسطى كان غير محبذ من رجال الكنيسة، لأن التخلص من طبقة تحمي الجسم، حتى ولو كانت طبقة قذرة، كان بمثابة نذير شؤم على الانسان، لكن في القرن السابع عشر ظهرت موضة الاستحمام بالماء البارد، كنوع من التداوي والعلاج، حيث منح الماء البارد صفات مقوية للبدن بشكل عام.

أما الماء الدافئ فلم يعاود الظهور إلا في العام ،1862 حين اكتشف العالم باستور أن ثمة ميكروبات تتسبب في إحداث الأمراض للانسان عن طريق الجلد البشرة، ولذا لابد من التخلص من هذه القاذورات اللامرئية للانسان بالماء الساخن مع استخدام الصابون، ولإقناع العامة بدأ اخصائيو الصحة العامة بنشر لوائح واحصائيات مخيفة للناس كأن يقولوا لهم بأن الجندي يمكنه التخلص من ملياري ميكروب في كل مرة يستحم بها بالماء الساخن والصابون.

وبهذه الطريقة بدأت الحمامات العمومية تأخذ مكانها في المجتمع لاسيما في المصانع، إلا أن المغاطس بشكلها الحديث لم تظهر إلا في ستينات القرن العشرين.

حوض الاستبراء وطرادة الماء

ظهر حوض الاستبراء في فرنسا في العام 1710 تحت حكم الملك لويس الرابع عشر، وذلك ليتمكن العاملون في البلاط الملكي من الاستبراء دون الحاجة الى خلع الثياب، وكان هذا الحوض ثورة حقيقية في مجال النظافة خاصة أنه كان من المحظور على الانسان حسب رأي الكنيسة جعل البدن يقترب من الماء.

أما فيما يتعلق بطرادة الماء أو السيفون فيعود اختراعها لرجل يسمى جون هارينجتون، ففي العام ،1596 اخترع هذا الرجل الذي يعمل في بلاط ملكة إنجلترا ما يعرف بعلبة المياه التي يشار إليها اختصاراً اليوم w-c، وتعتبر رمزاً للمكان الذي يقضي فيه الانسان حاجته، والواقع أن هذا اختراع أخفق في البداية حيث لم تظهر منه سوى علبتين للمياه فقط حيث كان على المرء أن يملأ العلبة بالماء ثم يسحبها بشريط حديدي لتفرغ ما فيها من الماء، وفي العام 1887 وبعد وصول الماء الجاري الى لندن، أطلق الانجليزي جوزيف برما أول سيفون حقيقي بشكله بشكله المعروف الآن، ولم يزل مجلس اللوردات في لندن يستخدم هذا السيفون بنموذجه القديم، ولم ينتشر السيفون الانجليزي في أوروبا إلا مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما فكر البارون الفرنسي هوسمان بتجهيز المباني الباريسية بالمياه الموصلة عبر الأنابيب، وربطها بمجاري الصرف الصحي، إلا أن انتشار مبدأ السيفون لم يتوسع عبر العالم إلا منذ العام ،1930 لكن في العام 1980 أصبحت كل المنازل في العالم المتقدم اليوم مجهزة به على وجه التقريب.

ونبقى في اطار الحمام أو مستلزماته لنصل إلى قمة الأناقة في هذا المجال، والتي تمثلت في ظهور مناديل الحمام في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان الناس يكتفون باستخدام أوراق الجرائد والأعشاب للاستبراء من القاذورات الباقية بعد قضاء الحاجة، وفي العام 1857 اخترع الأمريكي أوراقاً خاصة لهذا الغرض، بعد أن راقب المقطورة الخلفية لاحدى السيدات الثريات حيث كانت تضع علبة مليئة بأوراق مستطيلة للتنظيف، ومن هنا فكر جوزيف كايتي باختراع اللفافة الورقية بعد أن اقتصر استخدام أوراق الحمام على الأثرياء والبرجوازيين لسنوات طويلة، ومنذ العام 1960 انتشرت اللفافات الورقية في جميع أنحاء العالم ليعمم استخدامها على الغني والفقير معا.

مزيل الرائحة

أول مزيل للرائحة أطلق عليه موم وذلك في ولاية فيلادلفيا بالولايات المتحدة عام 1888 حيث كان هذا المزيل مكونا من عجينة بسيطة تسمح بها الأماكن المخفية تحت الإبط مثلا وحتى الآن تستخدم المادة الداخلة في تركيب العجينة حتى اللحظة ألا وهي الكحول، ويعد المادة القاتلة الفعلية للميكروبات التي تعتبر بدورها المسؤولة عن الروائح المنفرة التي تفوح من الجسد بعد التعرق.

ومن محاسن الصدف أن يضاف البخاخ لمزيل الرائحة في العام ،1952 على طريقة كرية قلم الحبر التي توضع في رأسه.

وإذا كان عدد كبير من الناس يستخدمون مزيل الرائحة في أيامنا هذه فليس ذلك سوى دليل على تطور مفهوم النظافة لديهم، إذ لم يعد الأمر يقتصر على التنظيف بل غدا يركز على اظهار النظافة بمفهومها الأوسع بالتخلص من رائحة التعرق مثلاً.

وفي نفس اطار تطييب رائحة الجسد، لابد لنا من الحديث عن العطر الذي كان الفراعنة يستخدمونه على شكل بخور، وزيوت عطرية، وتكفي مجرد قطرات منه لتحويل الجو إلى مكان وردي، فلم يظهر إلا منذ القرن الرابع عشر، ففي هذه الفترة كانت طرق استخدام العطر تسهم في انتاج الكحول النقي الذي يعمل على تثبيت رائحة الورد، ومع تطور طرق استخراج خلاصة العطور، ظلت القارورات العطرية تقتصر على الأثرياء والميسورين لكن اكتشاف تصنيع العطور بطرق كيميائية، أسهم الى حد بعيد في انتشارها وخفص اسعارها، ولذا تم انتاج أول عطر على مستوى العامة في العام ،1889 على يد جيرلان الذي طرح في الأسواق عطراً يسمى (jicky).

موسى الحلاقة

في العام 1901 غير كينج كامب جيليت وجه البشرية، حين اخترع أول موسى للحلاقة بشفرات قابلة للتغيير، قبل ذلك كان الانسان يحلق ذقنه باستخدام القواقع، كما كان يفعل سكان بولينيزيا، أو دأب الفراعنة حين كانوا يستحدمون شفرات برونزية أو ذهبية، وأول موسى للحلاقة صنع في القرن السابع عشر في انجلترا كان من الفولاذ، حيث كان يسمى القاطع أو (السيف الصغير)، نظراً لأنه كان طويلاً وخطيراً في استخدامه مثل الخنجر تماماً، بيد أن جيليت أخذ نفس الفكرة لكنه اخترع لنا سيفاً صغيراً آمن الاستخدام على هيئة شفرة، توضع داخل شبكة، تميزت شفرة جيليت بالرخص وسهولة الاستخدام إلى أن لاقت قبولاً واسعاً من قبل الناس في جميع أنحاء العالم.

فرشاة الأسنان

الواقع أن الخوف من خلع الاسنان كان سبباً وجيهاً يدفع للاهتمام بصحة الأسنان، علماً بأن مسألة التنظيف ترجع إلى العصور القديمة، حين كان الانسان ينظفها بقطع من فروع الاشجار بعد تنسيلها من أطرافها، لتفرك بها وهو ما يعرف بالسواك.

وأول ظهور لفرشاة الأسنان يعود إلى الصين، وذلك في القرن الخامس عشر حيث كانت هذه الفرشاة مصنوعة في البداية من زغب الخنزير الصلب، ولم تصل الفرشاة إلى أوروبا إلا بعد قرنين من الزمن، أما انتشارها في العالم بأسره، فكان بعد الحرب العالمية الثانية حين احضر الجنود الأمريكيون معهم إلى أوروبا فرشاة أسنان غريبة يطلق عليها فرشاة الدكتور ويست، مصنوعة من زغب النيلون وكانت سهلة الاستخدام على المستوى العام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"