بحر الصين الجنوبي واستراتيجية حافة الهاوية

04:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
أ.د. محمد سعد أبو عامود*

شهد بحر الصين الجنوبي في مطلع أكتوبر 2018، مواجهة خطرة بين سفينة صينية ومدمرة أمريكية أبحرت بالقرب من جزر تطالب الصين بالسيادة عليها، في بحر الصين الجنوبي، وهي خطوة تأتي في سياق محاولة واشنطن المستمرة للتصدي لما تصفه بمساعي بكين للحد من حرية الملاحة في المياه الدولية
تتداخل المطالب الصينية بالسيادة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، الذي تمر منه تجارة حجمها خمسة تريليونات دولار سنوياً، مع مطالبات لبروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام. وقد ذكر مسؤول أمريكي أن قوات البحرية الأمريكية تقوم بعمليات حرية الملاحة على نحو روتيني ومنتظم في الماضي، وستظل تفعل ذلك في المستقبل، ولكن رد الفعل الصيني جاء مفاجئاً للأمريكيين، حيث اقتربت سفينة حربية صينية من المدمرة الأمريكية في مناورة عدائية اضطرت معها المدمرة الأمريكية لتغيير مسارها لتفادي الاصطدام بالسفينة الصينية.
ووفقاً لوزارة الدفاع الصينية، فإنها أرسلت سفينة لتحذير السفينة الأمريكية لمغادرة المنطقة. وأضاف المتحدث أن الجانب الأمريكي يرسل بشكل متكرر سفناً عسكرية دون إذن، إلى مياه قريبة من جزر بحر الصين الجنوبي، وهو ما يهدد على نحو خطير سيادة وأمن الصين، ويقوض العلاقات العسكرية الصينية الأمريكية، ويضر بشكل خطير بالسلم والاستقرار في المنطقة. وشدد على أن الصين تتمتع بسيادة لا تقبل الجدل على الجزر والمياه المجاورة في بحر الصين الجنوبي، وأشار إلى أنه بينما تحترم الصين حرية الملاحة، فإنها تعارض بشدة أي دولة تقوم باستفزازات بحجة حرية الملاحة، وأن الصين ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للدفاع عن سيادتها. وحثت الخارجية الصينية في بيان منفصل، الولايات المتحدة بقوة على التوقف عن تلك الأفعال الاستفزازية.
والملاحظ أن الموقف الصيني كان أكثر حزماً من المرات السابقة التي كانت تمارس فيها السفن الحربية الأمريكية ما تسميه حرية الملاحة الدولية في مياه بحر الصين الجنوبي، ويؤكد هذا أن الجهة الصينية الرسمية التي اضطلعت بالتعقيب على ما جرى وهي وزارة الدفاع الصينية، كما أن محتوى البيان الصادر جاء قوياً ومحدداً ومعبراً عن الموقف الصيني، فالرسالة الصينية جاءت واضحة للطرف الأمريكي بالرفض القاطع لمثل هذه التصرفات، وباقتراب الصبر الصيني من النفاد، ومن ثم فالرد الصيني كان الأقرب إلى استراتيجية حافة الهاوية. ويرجع ذلك إلى التوتر المتصاعد في العلاقات الأمريكية الصينية، بسبب الحرب التجارية التي يشنّها الرئيس الأمريكي على بكين، وموافقته على بيع أسلحة بقيمة 1,3 مليار دولار لتايوان، فضلاً عن الاتهامات التي يوجهها أركان الإدارة الأمريكية للصين في ملفات عديدة أخرى.
ويمكن القول إن حادثة بحر الصين الجنوبي الأخيرة، دفعت الإدارة الأمريكية إلى تصعيد التوتر في هذه العلاقات في محاولة للضغط على الصين للتخفيف مما تراه من تشدد صيني، خاصة فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، وثمة مجموعة من المؤشرات التي تدل ذلك:
1 إلغاء لقاء بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره الصيني، وذلك بعد امتناع بكين عن تحديد موعد لهذه الزيارة، وكانت وزارة الدفاع الأمريكية تعمل على زيارة لماتيس إلى بكين في وقت لاحق للقاء الجنرال «فينجي»، بهدف إجراء مباحثات أمنية، لكن الصين رفضت في نهاية المطاف إعطاء أي موعد.
2 مهاجمة نائب الرئيس الأمريكي الصين متهماً إياها بممارسة العدوان في مجالات عديدة، منها الأمن والتجارة والسعي للتأثير على الرأي العام الأمريكي، قبل انتخابات منتصف الولاية المهمة في السادس من نوفمبر 2018، مكرراً نفس الاتهامات التي وجهها ترامب للصين في خطابه بالأمم المتحدة.
وتناول ما جرى في بحر الصين الجنوبي، مؤكداً أن المدمرة الأمريكية كانت تمارس حرية الملاحة في هذا البحر، وأن البحرية الأمريكية ستواصل التحليق والإبحار والعمل أينما يسمح القانون الدولي بذلك، و«بحسب ما تتطلب مصالحنا القومية، ولن نرضخ للترهيب ولن نتراجع».
3 رفض الصين الحادِّ، لاتهامات نائب الرئيس الأمريكي، بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، واصفة إياها بأنها غير مبررة وسخيفة. ودعا بيان الخارجية الصينية، الولايات المتحدة إلى تصحيح الخطأ الذي ارتكبته، وإلى التوقّف عن اتهام الصين بلا أساس وتشويه سمعتها والإضرار بمصالح الصين وبالعلاقات الصينية الأمريكية.
4 تعهد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بتشديد نهج إدارة ترامب الصارم تجاه الصين، قائلاً: إن سلوك بكين يحتاج إلى تعديل في مجال التجارة وفي المجالات الدولية والعسكرية والسياسية، وإن نهج ترامب المتشدد تجاه الصين، الذي يعتبرها القضية الرئيسية في هذا القرن، جعل بكين مرتبكة. وأضاف أنه ربما سنرى في اجتماع مجموعة العشرين في الأرجنتين الشهر المقبل، شي جين بينج، على استعداد للحديث بصراحة في بعض هذه القضايا. ووصف بولتون سلوك الصين في بحر الصين الجنوبي بالخطير، مؤكداً العزم على إبقاء الممرات البحرية الدولية مفتوحة.
5 تصريح وزير الخزانة الأمريكي، الذي قال إن ترامب سيمضي في خطة مقابلة الرئيس الصيني في قمة مجموعة العشرين إذا بدا من الممكن رسم اتجاه إيجابي، علماً بأن إعادة إطلاق محادثات التجارة مع الصين، تتطلب من بكين الالتزام باتخاذ إجراءات بشأن الإصلاحات الهيكلية لاقتصادها.
6 بيان وزارة الطاقة الأمريكية حول اعتزام الولايات المتحدة تقليص عمليات نقل التكنولوجيا النووية المدنية إلى الصين، لتجنب تحويلها غير المشروع إلى أغراض عسكرية، أو غير مصرح بها، وذلك لأن الولايات المتحدة لم يعد بإمكانها تجاهل التداعيات الصينية على الأمن القومي، وتعد هذه أحدث خطوة في الضغوط الأمريكية المتسعة على الصين. يبقى أن نشير إلى أن الرد الصيني على هذه الإجراءات جاء هادئاً، حيث ركز الخطاب السياسي الصيني على الحاجة إلى توجه استراتيجي جديد للعلاقات الصينية الأمريكية، وأن مواجهة الصين على كل الجبهات ليست أمراً واقعياً فحسب؛ بل تضر بمصالح الولايات المتحدة نفسها والعالم أجمع، وأن التاريخ أوضح أن التعاون هو الخيار السليم الوحيد للقوتين الكبريين.
وأكدت التزام بكين بتطوير علاقات مستقرة وصحية وطويلة الأجل مع الولايات المتحدة، لا تقوم على الصراع أو المواجهة، بل تجسد الاحترام المتبادل والتعاون المربح، فوفقاً للرئيس الصيني شي جين بينج، فإن هناك ألف سبب يجعل العلاقات الصينية الأمريكية مفيدة، ولا سبب واحداً لتخريبها.

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"