براءة بعد إدانة

أوراق قضائية
01:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: محمود محسن

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
جرت افتراءات ولي أمر طالب مشاغب اعتاد ابنه التمادي في الخطأ بلا رقيبٍ أو حسيب سيدة عربية أحبت عملها واهتمت بإتقانه إلى ساحات القضاء، وذلك لأنها نفذت مهامها الوظيفية كمشرفة إدارية، بما يتوافق مع اللوائح والقوانين المعمول بها داخل المدرسة.
محكمة الشارقة الابتدائية دانت المشرفة بتعريض حياة طالب للخطر حيث جرّدته من حذائه، وتركته يمشي حافي القدمين وقت الظهيرة رغم كونها مُكلفة بحفظه ورعايته، وقضت بتغريمها عشرة آلاف درهم، وألزمتها بالرسوم مع إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة.
الواقعة في حقيقتها تكمن في إصرار الطالب المشاغب وصديقه على القدوم إلى المدرسة مرتديين حذاءين مخالفين لأنظمة المدرسة ولوائحها لأن في أسفل كل من الحذاءين مناطق حادة مدببة قد تعرض سلامة زملائهم للخطر، وذلك رغم تشديد المشرفة عليهما سابقاً بالالتزام بعدم ارتداء هذا النوع من الأحذية، إلا أن الاستهتار تصدر سلوكيات الطالبين، وقد دفع اندهاش المشرفة من تصرف الطالبين للتوجه إليهما ومطالبتهما بالحضور إلى مكتبها، وبحضورهما أنذرت الطالب الأول للمرة الأخيرة بعدم تكرار ارتداء الحذاء مجدداً، فانصاع لها ووعدها بذلك، إلا أن الطالب الثاني محل الدعوى كان له رأي آخر، إذ لم يستجب لإنذار المشرفة كصديقه، بل بادلها بردّة فعل غاضبة حيث خلع حذاءه ملقياً به تجاهها، تاركاً غرفتها متوجهاً إلى فصله الدراسي، ورغم تصرفه الطائش لم يشغل بال المشرفة سوى سير الطالب في المدرسة بلا حذاء، ما قد يعرضه للأذى، فحملت الحذاء وتوجهت نحو فصل الطالب لتعيد حذاءه إليه، فلم تجده وبسؤالها عنه أخبرها زملاؤه بأنه توجه إلى الساحة، وعندما وصلت إلى مكان وجود الطالب رأته يقف مرتدياً جواربه الرياضية، فسلمت الحذاء لأحد المشرفين الذي بدوره ألزمه بارتدائه فصعد الطالب الحافلة مرتدياً إياه.
ولي أمر الطالب لم يمنح نفسه الفرصة للتثبت من أقوال ابنه، بل اندفع لتقديم بلاغ يفيد بتعرض ابنه للإساءة من المشرفة، مؤكداً أنها أجبرت ابنه الطالب على خلع حذائه وحضور الحصة الأخيرة حافياً والمشي وقت الظهيرة بلا حذاء، وأضاف أن ابنه توجه إلى المشرفة بعد انتهاء الحصة ليأخذ حذاءه، إلا أنها طردته ليتوجه بعدها مستقلاً الحافلة بلا حذاء، ومن هنا كان الحكم الواقع على المشرفة بالغرامة المالية.
وقدمت المشرفة دفاعها عبر موكلها الذي أكد تمسك المشرفة بإنكار ما نسب إليها من تهم، وطلب من عدالة المحكمة التحقق من أقوال باقي الشهود، حيث تم إصدار الحكم بناء على أقوال شاهد وحيد لم يشهد أياً من تفاصيل الواقعة، فضلاً عن أنه تقدم ببلاغه بعد الحادثة بأكثر من شهرين، إلى جانب حضور شهود لم يشهدوا الواقعة وبينهم وبين المدرسة عداوة.
كذلك أثبت المحامي في دفاعه أن جميع الممرات والساحة الخارجية لدى حرم المدرسة، والباب المؤدي مباشرة إلى ساحة الباصات جميعها مظللة ومحمية من أشعة الشمس ومغطاة بفرش بلاستيكي عازل للحرارة وبالعشب الاصطناعي، وأن الطالب موضوع القضية كان طوال الوقت بعد خلعه حذاءه مرتدياً جوربه الرياضي الثقيل، ولم يخرج مطلقاً من حرم المدرسة ظهراً ولا التفّ من خارجها تحت أشعة الشمس الحارقة ليطوف حولها على الرمال والحصى حافي القدمين حتى الساعة الثالثة عصراً كما صور ذلك والده في شكواه، وطالب محامي المشرفة المحكمة بمعاينة الساحات والممرات داخل المدرسة للتأكد من كل ما أتى به من حقائق، كما لفت إلى أن القضية خلت تماماً من أي تقرير طبي، وأن ولي الأمر اشتكى على المشرفة بعد شهرين من وقوع حادثة خلع الحذاء، وتحديداً عقب رفض إدارة المدرسة إعادة تسجيل ابنه بسبب المتأخرات المالية المستحقة عليه، كما استشهد في مذكرته بأقوال مشرف الحافلة الذي رافق الطالب إلى الحافلة بعدما ألزمه بارتداء حذائه ولم يكن يشتكي من أي شيء مطلقاً.
أمام تلك الحقائق وتثبّت المحكمة منها بعد أن استقر في وجدانها خلو القضية من دليل كافٍ ومقنع تطمئن إليه في إدانة المشتكى بحقها، برّأت محكمة استئناف الشارقة الاتحادية، المشرفة من تهمة إجبار طالب على خلع حذائه وتركه حافي القدمين في المدرسة خلال فترة الظهيرة ما نتج عنه تعرض قدميه للأذى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"