بريطانيا تواجه مأزق «بريكست»

04:09 صباحا
قراءة 5 دقائق
بهاء محمود

ما يجمع الأحزاب البريطانية سواء التحالف الحاكم أو المعارضة، هو الانقسام الحزبي وغموض الرؤية المستقبلية المتكاملة تجاه «بريكست» وما بعده، للدرجة التي دفعت بالتفكير في إنشاء حزب ثالث، غير العمال والمحافظين، والسبب عدم الثقة في قدرات الاثنين لقيادة البلاد للخروج من مأزق «بريكست».
البداية من حزب المحافظين الحاكم، بطل الأزمة منذ 2013 ومغامرة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق، التي واقعياً يعانيها الحزب حتى الآن، فبدلاً من مواجهة التيار الشعبوي، دفع الحزب بأكمله والبلاد نتيجة فشل كاميرون في إدارة المشهد السياسي الداخلي، لتأتي بعده تيريزا ماي دون انتخابات حقيقية ورؤية واضحة، لكيفية الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتشكل حكومة غير متجانسة بين مؤيدي «بريكست» ومؤيدي الاتحاد الأوروبي، وطوال عامين تسير حكومة المحافظين في تخبط بطله الانقسام الداخلي، حتى استقال زعيم «بريكست» بوريس جونسون من وزارة الخارجية، في خطوة بدت لتخفيف الضغط عن كاهل تيريزا ماي، لتُوحَّد بعدها الصفوف الداخلية تحت «خطة تشكيز»، التي سرعان ما لاقت الرفض المحلي والرفض الأوروبي، لتبدأ الرحلة من جديد والبحث عن خيارات أخرى، في مقدمتها تقديم تنازلات تُرضي الاتحاد الأوروبي وتتوافق مع المحافظين، وهو ما تعجز عنه ماي حالياً، في ظل رفضها المعلن عن عقد استفتاء جديد حول «بريكست»، وادعائها برفض إجراء انتخابات مبكرة أيضاً في نوفمبر القادم.
تكمن معضلة المحافظين الحقيقية في تناقضهم، فهم يقفون مع حرية التجارة لكن يعارضون أيضاً حرية حركة الأشخاص بين دول الاتحاد الأوروبي؛ كما يُدينون السياسات الشعبوية رغم تواجد تيار بها تزعمه جونسون القريب فكرياً من نايل فراج، الزعيم الذي قاد مع جونسون حملة الخروج، وليس هذا فقط؛ بل تعدى الأمر التناقض ووصل حد التضليل؛ إذ يرى جزء من حزب المحافظين أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيسمح لبريطانيا بأن تزدهر، رغم كل الدراسات التي تنذر بالخسائر المحتملة لو خرجت بريطانيا دون اتفاق، وهذا النهج المضلل بلغ قمته في خطاب بوريس جونسون الذي لطالما ادعى أن بريطانيا تدفع 350 مليون إسترليني أسبوعياً للاتحاد الأوروبي، وهو الآن يطالب بشراكة مع أوروبا على غرار الشراكة الكندية.
الخيارات أمام تيريزا ماي، ليست كثيرة، للتغلب على الانقسام الداخلي لحزبها، فهي تعلم جيداً تراجع الدعم الحزبي لبوريس جونسون منافسها الحالي على زعامة المحافظين، لكنها أيضاً غير واثقة تماماً من نتيجة إجراء انتخابات مبكرة، فربما تخسر الزعامة بخسارة الحزب للانتخابات، لذلك فقد يكون عدم توضيح موقفها من عقد انتخابات مبرراً، لكن الوقت يمر، وإذا لم تتوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يوافق عليه البرلمان البريطاني حكومة ومعارضة، فإن مصيرها الاستقالة أو الانتخابات أيضاً.
من ناحية حزب العمال البريطاني المعارض يبدو أكثر تماسكاً، فالحزب يعيش حالة توافق حزبي، طارحاً على لسان زعيمه جيرمي كوربن، أنّ ما توافق عليه الأغلبية سيلتزم به، سواء الدعوة لعقد استفتاء جديد أو انتخابات مبكرة، ويقدم كوربن نفسه بصفته الرجل المناسب لقيادة البلاد خلال مفاوضات «بريكست»، معرباً عن قناعته بأن البلاد مهيأة لانتخابات تشريعية عامة قبل موعدها في 2022، خاصة أن خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي، تواجه معارضة في بروكسل وفي حزب المحافظين، وطبقاً لتبني مجلس اللوردات تعديلاً لمشروع قانون الانسحاب الحكومي، فإن من حق البرلمان البريطاني التصويت على اتفاقية الانسحاب قبل تصديق البرلمان الأوروبي عليها، وبالتالي فلدى حزب العمال والأحزاب الأخرى، رفض أي خطة لتيريزا ماي لا تتوافق مع أجندتهم السياسية ورؤيتهم لشكل العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
باعتباره ثالث أكبر حزب في ويستمنستر، يمكن أن يلعب نواب الحزب القومي الإسكتلندي دوراً مهماً، حيث يبلغ عددهم 35 نائباً، ومن ثم يكون لهم تصويت فعال في صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو في استفتاء ثانٍ للخروج، لاسيما أن الحزب القومي يريد تطمينات واضحة بأنه إذا اختارت غالبية الناخبين الإسكتلنديين البقاء مرة أخرى في الاتحاد الأوروبي، تكون هناك قدرة إسكتلندا على إجراء تصويت آخر على الاستقلال.
وفي سياق مكمل طرح مساعدو رئيسة وزراء إسكتلندا، نيكولا ستورجيون، خياراً آخر يتضمن إجراء استفتاء ثانٍ على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمكن جميع الدول الأربع في المملكة المتحدة التصويت بنفس الطريقة حتى تكون النتيجة صحيحة، وهذا الخيار في حد ذاته يعبّر عن عدة إشكاليات لدى حكومة إسكتلندا المحلية، أولها الرغبة الأكيدة في البقاء عضواً في الاتحاد الأوروبي، أو بالأحرى جزءاً منه، وثانيها الضغوط التي يمارسها نشطاء الاستقلال لعقد استفتاء جديد للاستقلال عن المملكة المتحدة، مثلما حدث في 2014، وثالثها حيرة نيكولا ستورجيون، التي تبدو غير قادرة على اتخاذ قرار نهائي بشأن الدعوة إلى إجراء استفتاء جديد، فهي تواجه معضلة صعبة من حيث الاختيار بين إحباط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتداعيات المطالبة بالاستقلال وموافقة الأحزاب الأخرى.
في المقابل ينشط زعيم حزب الاستقلال السابق نايل فراج، للدعوة لعقد استفتاء على «بريكست» مرة أخرى، وقوة دعوة فراج مرهونة باستجابة الرأي العام من جانب، ومدى توافق دعوته مع الآخرين داخل البرلمان. عملياً موقف فراج ضعيف، فحزبه لا يمتلك نواباً في البرلمان وبالتالي دعوته غير مؤثرة، لطالما تظل استطلاعات الرأي تؤكد زيادة نسب المطالبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، رافضين دعوات تيار الشعبويين الذين ثبت تضليلهم للناخبين في حملة «بريكست». ونتيجة لذلك، لم يلق الحزب أي دعم حقيقي يمكنه من دخول البرلمان البريطاني.
أما عن الليبراليين الديمقراطيين، فيأتون في المرتبة الرابعة، حيث يمتلكون فقط 10 نواب، وهم بذلك أبعد ما يكون عن كتلة مؤثرة في سير الأحداث، وبدت دعوتهم لتكوين حزب سياسي جديد غير مرحب بها، كون الحزب الجديد سيلاقي نفس أزمات الأحزاب الحالية، ومن جانب آخر فشل الليبراليون في إقناع المعارضين لقيادة ماي ورؤى جيرمي كوربن، ولذلك يبقى الخلاف الرئيسي بين الأحزاب في التنافس بين بقاء تيريزا ماي، أو بديل لها، وقدرة جيرمي كوربن على توحيد العمال على أجندة سياسية تؤهلهم للفوز بالانتخابات إذا عقدت.
وبصفة عامة، ثمة شروط لإقامة انتخابات مبكرة، أولاً: تمرير اقتراح حجب الثقة عن حكومة تيريزا ماي بأغلبية بسيطة، وكذلك مرور 14 يوماً دون أن يقوم مجلس النواب باقتراح الثقة في أي حكومة جديدة، وثانياً: الاتفاق على اقتراح للانتخابات العامة من قبل ثلثي العدد الإجمالي للمقاعد في مجلس العموم، بما في ذلك المقاعد الشاغرة.
وفي كل الأحوال لن يكون الاتحاد الأوروبي خاسراً، فمستقبل تيريزا ماي مرهون بتقديم تنازلات للاتحاد يرضى عنها الجميع، وبالطبع أولهم دول الاتحاد عموماً. وفي حالة تمكن حزب العمال من قيادة مفاوضات بريكست، فثمة انفراجات أكبر في شكل العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، منها خيار بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"