بوليفيا.. إلى اليمين دُر

03:10 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

في الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن الرئيس «إيفو موراليس»، الذي يحكم بوليفيا منذ عام 2006، الاستقالة من منصبه؛ استجابة لأوامر من قيادة الجيش، وأعقب ذلك إعلان النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ «جانين آنيز» تنصيب نفسها رئيسة انتقالية للبلاد؛ وذلك عقب استقالة كافة الشخصيات التي كانت مخولة بتولي منصب رئاسة بوليفيا.
من المقرر، وفقاً لدستور بوليفيا، أن يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون تسعين يوماً من تولي آنيز الرئاسة المؤقتة للبلاد. وتطرح هذه التطورات المتلاحقة التي تشهدها بوليفيا، العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الأوضاع في البلاد، وتداعيات تلك التطورات على الداخل البوليفي من جهة وعلاقاتها الدولية من جهة أخرى.

* أولاً: أسباب استقالة موراليس

أدى تخلي الرئيس إيفو موراليس عن منصبه، إلى إثارة حالة من الجدل الشديد حول أسباب ذلك، وتعددت الرؤى المطروحة لتفسير الاستقالة؛ وذلك على النحو التالي:
1- تزوير الانتخابات الرئاسية: رأت المعارضة أن استقالة موراليس جاءت نتيجة الضغوط الشعبية عليه، والتي برزت بشكل كبير في سلسلة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في بوليفيا في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وشككت المعارضة إلى جانب بعض المراقبين الدوليين في نزاهة الانتخابات، وتحدثت عن حدوث تزوير ومخالفات في العملية الانتخابية، وطالبت بإلغاء نتيجة الانتخابات، التي كشفت عن تقدم موراليس بفارق 10 في المئة عما يتطلبه فوزه من الجولة الأولى من السباق الانتخابي.
2- انقلاب مدعوم من الجيش: وفقاً لقراءة أنصار الرئيس موراليس، فإن الاستقالة جاءت تحت ضغط الجيش، في ظل إعلان عناصر من الشرطة والجيش تمردها وانضمامها إلى صفوف المتظاهرين، إضافة إلى حث قائد الجيش البوليفي، موراليس على الاستقالة «للسماح بالتهدئة والمحافظة على الاستقرار». ومن المبررات التي يسوقها أنصار موراليس؛ لتأكيد أن استقالة موراليس كانت انقلاباً يمينياً مدعوماً من الجيش، رفض المعارضة كافة دعوات الحوار التي أطلقها الرئيس المستقيل، إضافة إلى معارضتها الشديدة لاقتراحه الخاص بإجراء انتخابات رئاسية جديدة. إضافة إلى وجود بعض المخالفات التي شابت تنصيب آنيز الرئاسة المؤقتة لبوليفيا، خاصة عدم اكتمال النصاب القانوني داخل الكونجرس؛ بسبب غياب نواب من الحزب الاشتراكي الحاكم، الذي يسيطر على ثلثي مقاعد البرلمان.

* ثانياً: التداعيات المحتملة

من المتوقع أن تكون لاستقالة موراليس وتولي آنيز الرئاسة المؤقتة تداعيات مهمة على الأوضاع الداخلية، وكذلك على علاقات بوليفيا بالقوى الإقليمية والدولية:
1- التداعيات على الأوضاع الداخلية:
أ- الاستقرار السياسي: لم ينجح رحيل موراليس في إنهاء حالة الاستقطاب الحادة التي شهدتها بوليفيا على مدار الأسابيع الماضية، فلا تزال المواجهات مستمرة بين أنصار موراليس ومعارضيه، وكذلك بين أنصار موراليس وعناصر الشرطة، وتتصاعد حدة المواجهات مع استمرار الإجراءات التصعيدية التي تقوم بها الحكومة الجديدة بحق أنصار وحلفاء موراليس، الذين يتعرضون للتهديد، وتتعرض منازلهم لإشعال النيران. وقد بلغ عدد ضحايا المواجهات أكثر من عشرة أشخاص. وتتوقف فرص استعادة حالة الاستقرار في بوليفيا على قدرة الأطراف المتخاصمة على إجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً للجدول الزمني الذي حدده الدستور، كما أنها تتوقف على نجاح الرئيسة المؤقتة في تحقيق الوحدة بين أبناء الشعب البوليفي.
ب- اقتصاد بوليفيا: خلال فترة وجود موراليس في منصبه، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 4.9 في المئة. وانخفض معدل الفقر، وزاد متوسط نصيب الفرد من الدخل. غير أنه في الوقت الراهن، هناك مخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد البوليفي، في ظل الاضطرابات السياسية التي تعانيها البلاد من جهة، وانتهاء طفرة الارتفاع في أسعار السلع التي ساعدت بوليفيا على تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع من جهة أخرى، وهو الأمر الذي تسبب في ارتفاع العجز التجاري والمالي.
ومن المتوقع أن تزيد حالة عدم الاستقرار من تفاقم المشكلات الاقتصادية، وفي حال تولي رئيس له ميول يمينية، من المؤكد أن النموذج الاقتصادي الحالي، والقائم على الإنفاق والدعم الحكومي الضخم، وتأميم ثروات البلاد الطبيعية، سوف يتغير.
2- التداعيات على العلاقات الدولية لبوليفيا:
أ- العلاقة مع القوى الكبرى: ارتبطت بوليفيا في عهد موراليس بعلاقات قوية مع روسيا، وفي الوقت نفسه شاب التوتر الشديد علاقاتها بالولايات المتحدة؛ بسبب مواقفه المعارضة للتدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية لبلدان أمريكا اللاتينية. ومن المتوقع أن يؤدي رحيل موراليس وتولي آنيز رئاسة البلاد، إلى حدوث تغير في العلاقات الأمريكية البوليفية نحو مزيد من التقارب؛ حيث سارعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى الترحيب برحيل موراليس، كما اعترفت الولايات المتحدة بآنيز رئيسة مؤقتة للبلاد.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، فربما تشهد قدراً من التوتر، في ظل إصرار موسكو، بالرغم من اعترافها بآنيز رئيسة مؤقتة لبوليفيا بحكم الأمر الواقع، على أن ما جرى في بوليفيا يُعد انقلاباً، وتأكيدها أن الاعتراف بآنيز لا يعني إقرارها بأن ما حدث في بوليفيا «عملية شرعية». ويمكن تفسير موقف روسيا بالنظر إلى مصالحها التجارية في بوليفيا؛ حيث تفاوضت مع الحكومة على تطوير احتياطات معدن الليثيوم الضخمة في بوليفيا، إضافة إلى قيام وكالة الطاقة الذرية الحكومية الروسية ببناء مركز نووي هناك.
ب- العلاقة مع القوى الإقليمية: تنقسم دول أمريكا اللاتينية فيما بينها فيما يتعلق بالموقف من استقالة موراليس؛ فالدول التي تتولى السلطة فيها حكومات يسارية وفي مقدمتها فنزويلا، المكسيك، الأرجنتين، وكوبا، سرعان ما أعربت عن دعمها لموراليس ورفضها لما اعتبرته انقلاباً ضده، كما منحت المكسيك حق اللجوء السياسي لموراليس. أما الدول اللاتينية التي يحكمها تيار اليمين وفي مقدمتها البرازيل، فقد اعترفت بآنيز رئيسة مؤقتة لبوليفيا، ورحبت باستقالة موراليس من منصبه.

تداعيات مهمة

ومن المرجح أن يكون لتلك الاستقالة تداعيات مهمة على خريطة العلاقات الدولية لبوليفيا، وقد برزت أول ملامح تلك التداعيات، في التغير الحادث في العلاقات مع فنزويلا، خاصة مع إعلان آنيز انسحاب بوليفيا من تحالف البديل البوليفاري الذي أسسه الرئيس الفنزويلي الراحل «هوجو شافيز» عام 2004، وانضمت إليه بوليفيا عام 2006.
إضافة إلى اعتراف حكومة بوليفيا الجديدة بزعيم المعارضة «خوان جوايدو» رئيساً انتقالياً لفنزويلا بدلًا من الرئيس «نيكولاس مادورو»، وكذلك قطعها العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا وطرد جميع أعضاء السفارة الفنزويلية في بوليفيا. وفي ذات الوقت، أكدت وزيرة الخارجية في الحكومة الجديدة التي شكلتها آنيز، أن بلادها تُعيد النظر في علاقاتها مع كوبا.
على الجانب الآخر، من المتوقع حدوث تقارب بين حكومة بوليفيا الجديدة وغيرها من البلدان التي تسيطر عليها حكومات يمينية في أمريكا اللاتينية. إضافة إلى ذلك، فإن رحيل موراليس من السلطة، سوف يفرض ضغوطاً إضافية على الحكومات الاشتراكية خاصة في فنزويلا ونيكاراجوا.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"