تونس.. صراع مفتوح بين «النداء» و«النهضة»

03:19 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عزالعرب*

تواجه تونس أزمة دستورية وسياسية، كاشفة عمق خلافات قمة الحكم بعد رفض رئيس الجمهورية قائد السبسي، التعديل الوزاري الجديد الذي أعلنه رئيس الوزراء يوسف الشاهد، في 5 نوفمبر الجاري، وهو ما عبرت عنه المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش، «إن الرئيس السبسي غير موافق على المسار الذي انتهجه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بخصوص التعديل الوزاري، لما اتسم به من تسرع وسياسة أمر واقع».
يعد هذا التعديل الوزاري الثالث من نوعه على الحكومة منذ تعيين الشاهد في العام 2016. ورغم أن حزبه (نداء تونس) يستأثر فيها بأغلبية الحقائب، إلا أن خصومه بالحزب وعلى رأسهم نجل الرئيس حافظ قايد السبسي دعوا وزراء حزبهم للانسحاب فوراً من الحكومة أو الاستقالة من الحزب، على نحو يعكس الانقسام داخل نداء تونس، وهو ما يفسر معارضة جناح داخل هذا الحزب للتعديل الأخير بدعوى أنه انقلاب على نتائج الانتخابات التي فاز فيها في العام 2014، وعين آنذاك الحزب الحبيب الصيد رئيساً للحكومة، قبل أن يقال، ويتولى الشاهد رئاسة الحكومة قبل محاولة السبسي إقالته لولا تمسك حركة النهضة ببقائه.
وقد شمل التعديل 13 وزارة منها (العدل، الصحة، الرياضة، البيئة، السياحة، النقل، الوظيفة العمومية، التونسيين بالخارج، التشغيل، أملاك الدولة، حقوق الإنسان، الشؤون الاجتماعية)، و5 كتاب دولة (نائب وزير)، مع نقل بعض الأسماء من وزارات إلى أخرى. ووفقاً لرؤية الشاهد فإن التعديل يمثل ائتلافاً جديداً يجمع بين حركة النهضة وحركة مشروع تونس وحزب المبادرة، والائتلاف الوطني، بالإضافة إلى عدد من وزراء «نداء تونس» الذين لم يتبين موقفهم من حزبهم الرافض لحكومة الشاهد، وعدد من المستقلين. وبرر الشاهد هذا التعديل بأنه من أجل تكوين فريق حكومي متضامن ومتكامل لتحقيق الاستقرار في البلاد وتسوية الملفات الشائكة، وخاصة المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
هناك مجموعة من الخصائص التي تميز التعديل الوزاري الأخير في تونس، على النحو التالي:
1- تشكل ائتلاف حكومي هجين، إذ يتكون من أحزاب «النهضة» (68 مقعداً في البرلمان) و«مشروع تونس» (14 مقعداً) و«المبادرة» (برئاسة كمال مرجان وهو غير ممثل في البرلمان الحالي، وكان له أربعة مقاعد بعد انتخابات 2011)، والائتلاف الوطني (35 مقعداً)، وهو ما يعطي لرئيس الحكومة «الشاهد» الثقة اللازمة للبقاء في منصبه بعد فقدان حزب «النداء» صفة الأغلبية في البرلمان لصالح «حركة النهضة». لذا، يرى البعض أن هذه الحكومة تعد حكومة حركة النهضة التي عينت الشاهد رئيساً لها.
2- بقاء شاغلي الوزارات السيادية في مواقعهم، حيث حافظ وزير الخارجية خميس الجهيناوي، ووزير الداخلية هشام الفوراتي، والدفاع عبدالكريم الزبيدي، والمالية رضا شلغوم على مناصبهم في التشكيل الجديد. ولعل ذلك يعكس إدراك الشاهد عدم المساس «الجزئي» بأحقية الرئيس السبسي في استشارته في حال تغيير وزيري الخارجية (باعتبار أن رئيس الجمهورية هو المسؤول الأول عن السياسة الخارجية) والدفاع باعتبار أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
3- إدخال شخصية يهودية في التشكيل الوزاري، وهو رجل الأعمال التونسي «روني الطرابلسي»، بحيث يتولى وزارة السياحة، التي تحتاج لشخصية ورؤية مغايرة في ظل أزمات اقتصادية وأمنية تواجهها البلاد بعد ثورة الياسمين في نهاية العام 2010. وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الجديد هو ابن «بيريز الطرابلسي» رئيس «معبد الغريبة»، وهي المرة الثانية التي يتم فيها تعيين أحد المنتمين إلى الديانة اليهودية في منصب عام بالدولة، إذ سبقه قيام الرئيس «الحبيب بورقيبة» بتعيين «أندري باروخ» وزيراً للأشغال العامة والإسكان في أول حكومة بعد الاستقلال عام 1956.
4- عودة بعض رموز النظام التونسي السابق، وتحديداً «كمال مرجان» الذي عين وزيراً للوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، حيث كان وزير الدولة للشؤون الخارجية في عهد الرئيس الأسبق «زين العابدين بن علي» خلال الفترة (يناير 2010 - 27 يناير 2011)، وهو ما يشير إلى أن الانتماء للعهد السابق لم يعد مانعاً لدخول بعض الشخصيات الحزبية أو التكنوقراط في دائرة النخبة الوزارية والبرلمانية مرة ثانية، بل صار وجودهم ضرورياً، من وجهة نظر البعض، لموازنة نفوذ حركة النهضة.
إن ما كشفته أزمة التعديل الوزاري الأخير في تونس أن ثمة مأزقاً دستورياً قد يؤدي إلى تعطل مؤسساتي في لحظة ما. فالخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يمكن أن يحال إلى المحكمة الدستورية، غير أن الأخيرة ليست قائمة في المرحلة الحالية، إذ لم تكن مدرجة على جدول أعمال مجلس نواب الشعب في دورته الحالية التي انطلقت في مطلع أكتوبر الماضي. فقد عجز البرلمان التونسي في دورات متتالية عن انتخاب أربعة قضاة يختارهم البرلمان، حتى يتسنى للرئيس السبسي، والمجلس الأعلى للقضاء تعيين بقية الأعضاء (أربعة يعينهم الرئيس والأربعة يعينهم المجلس الأعلى للقضاء).
ومنذ تولي الرئيس السبسي حكم البلاد في العام 2014، ساد العرف أن التعديل الوزاري يتم بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية قبل العرض على جلسة البرلمان للموافقة على منح الثقة، وهو ما حدث مع الحبيب الصيد ويوسف الشاهد ذاته (في تعديلين سابقين)، إلا أن الأخير تجاوز هذا الأمر، وقام بالتعديل بمفرده. غير أنه برز اتجاه يرى أنه لا مانع من توجه الشاهد مباشرة إلى البرلمان طلباً للثقة لوزرائه الجدد، وفقاً للفصل «92» من الدستور، الذي يعطي له الحق في تعيين الوزراء وحذف الحقائب الوزارية أو استحداث وزارات جديدة، إذ يوجد قيد دستوري يتمثل في الفصل «89» باستشارة رئيس البلاد لتعيين وزيري الخارجية والدفاع. ولم يغير الشاهد الوزارتين، على نحو يجعل التعديل الوزاري سليم.
وعلى الرغم من أنه يمكن تجاوز تحدي كسب ثقة 109 من نواب البرلمان لتمرير التعديل، إلا أنه قد يكون هناك إمكانية تعطيل المرحلة الأخيرة من عمر التعديل الوزاري، وهي أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد أمام الرئيس، وإصدار الأمر الرئاسي لتسميتهم بشكل رسمي ونشر قرار تعيينهم بالرائد الرسمي (أي الجريدة الرسمية).
خلاصة القول إن التعديل الوزاري الأخير في تونس لا يبدو أنه يؤدي إلى إدخال إصلاحات قد تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أو تواجه التهديدات الأمنية، بسبب الخلاف داخل السلطة التنفيذية حول التشكيلة ودوافع تمريرها، فضلاً عن مناوءة القوى السياسية والمجتمعية لها مثل الاتحاد التونسي للشغل، بل قد يقود إلى بدء مرحلة أزمة سياسية عميقة قبل عام من الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، حتى في حال تجاوزها عبر مسكنات وقتية. بعبارة أخرى، إن الخلاف حول التعديل يبدو في ظاهره دستورياً لكنه في عمقه سياسي.

*رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"