جهاد الخازن: الإعلام العربي يسير بسرعة السلحفاة

يرى أن محاولات تقييد حريات الفضائيات لن تنجح
13:50 مساء
قراءة 5 دقائق

منذ 30 عاما، والكاتب الصحافي اللبناني جهاد الخازن يقيم في العاصمة البريطانية لندن، وهي الإقامة التي أكسبته العديد من مفردات زاويته التي يطل بها يوميا عبر قراء جريدة الحياة التي سبق أن ترأس تحريرها، ويعمل حاليا مستشارا لها.

وفي حوار مع الخليج يتحدث الخازن حول طبيعة المعايير الإعلامية المتبعة في بريطانيا المساعدة في فهم المبررات التي تم إطلاقها من وزراء الإعلام العرب عند إقرارهم لوثيقة الفضائيات، مؤكدين أن دول العالم المتقدم تتبع مثل هذه المبادئ. ويتطرق الخازن إلى دور الصحافيين في انتزاع حرياتهم في الإعلام المرئي، وهي الحريات التي شجعت الصحافة المقروءة والمدونات حتى أصبحت الحكومات عاجزة عن تطويقها بشكل كامل، وتالياً تفاصيل ما دار:

من خلال إقامتك في بريطانيا لأكثر من 30 عاما، ما الضوابط التي لاحظتها على أداء أجهزة الإعلام، خاصة أن واضعي وثيقة الفضائيات العربية استندوا إليها؟

هناك ضوابط في العالم كله، وليس في بريطانيا وحدها، ولكن هذه الضوابط تتنوع بين اجتماعية وأخرى قانونية ومن خلال إقامتي في لندن منذ 30 سنة، لاحظت أنه يمنع بث الأفلام الإباحية، أو الحديث بالألفاظ البذيئة وذلك قبل التاسعة مساء، ونحن في العالم العربي لسنا بحاجة إلى مثل هذه المواثيق والأعراف ولكننا بحاجة إلى قانون لحماية أنفسنا، وفوق ذلك أن يلتزم الجميع بالقانون.

هناك إشكالية تواجه الإعلام في العالم العربي تتمثل في عدم إبراز ما له من حقوق وما عليه من واجبات؟

نعم كثيرا ما يتم الحديث عن واجبات الإعلام دون أن نحدد ما له من حقوق ينبغي أن تتوفر له، فقد أوردت الوثيقة بندا عن ضرورة حماية الرموز وعدم المساس بها وأتصور أنه لو كان هناك قانون حقيقي في العالم العربي يسمح بحرية الصحافة، ويوفر ما عليها من واجبات، لما لجأ منظمو الوثيقة إلى مثل هذا البند السابق وأعتقد أن الغرامات المشددة تعد من العقوبات الكافية لمحاسبة كل من يتجاوز من الإعلاميين بشرط أن تتوفر المعلومات الصحيحة لتكون هناك سترة كافية للإعلاميين.

هل غياب المعلومة الصحيحة عن الصحافيين سببا في الخلط بين الخبر والرأي؟

الأمر يبدو كذلك وهذه مشكلة كبيرة، فالرأي ينبغي أن يختلف عن الخبر، ولا يتم الخلط بينهما وربما يكون غياب المعلومات أيضا هو السبب وراء هذا الخلط؟

والرأي عادة يتمتع بالحرية المطلقة أو ينبغي أن يكون هكذا، ولكن الخبر ينبغي أن يكون قائما على المعلومة والتي من المهم أن تكون صادقة، ولكن إبداء الرأي على معلومة خاطئة، تكون هذه إشكالية كبيرة يمكن أن تثير بلبلة واسعة داخل المجتمعات، خاصة إذا ارتبطت بالقضايا الكبرى في مثل هذه المجتمعات، ومن هنا فإن القانون إذا تم تطبيقه فإنه يحمي الجميع سواء الحكومات نفسها، أو الإعلاميين، فالقانون للجميع، ودائما أستشهد بمثال إذا ذهبت إلى ساحة المحكمة البريطانية ووقفت ضد رئيس الوزراء البريطاني فإنني في داخل المحكمة أقوى منه لأنه يملك قوة متمثلة في موظفيه ومنصبه ومحلفين ومن هنا فإنني بشخصي عند المحكمة أقوى منه.

وإذا عكسنا هذه الحالة على العالم العربي فإنه لن يحدث في أعمارنا أو أعمار غيرنا أن يصبح المواطن العربي أقوى من الحكومات والمسؤولين ما يتطلب ضرورة تسييد لغة القانون.

وما تعليقك على قول معدي الوثيقة بأن بنودها هي بنود عامة يمكن أن يضاف إليها؟

سبق أن تحدثت عن وجود بعض الايجابيات في عدد من بنود الوثيقة، ولكن بشكل عام فإن وزراء الإعلام العرب يعاملون المواطنين العرب على أنهم قصر بحاجة إلى رشد وإلى من يدلهم على الطريق، ومن هنا تكمن مشكلتي مع الوثيقة في أنها تجعل من الصحافيين من هم دون سن الرشد، ويحتاجون إلى من يدلهم على الطريق أو يضع لهم المبادئ لكي يسيروا عليها فهذه مشكلة كبرى للغاية، بالإضافة إلى ملاحظتي الأخرى عليها في حديثها عن ضوابط لعدم المساس بالرموز وكأن المواطن أو الصحافي العربي لا يقدر قضاياه الكبرى، ويحتاج أيضا إلى من يصحح له هذه الأمور.

وهل كان صدور الوثيقة بمثابة مفاجأة لك؟

إطلاقا لم أفاجأ بها لأنها صدرت من وزراء الإعلام العرب، ولذلك لم يكن مستغربا أن يصدر الوزراء مثل هذه الوثيقة التي تعاملوا معها بحكم الوظيفة الرسمية.

ولكن ألا ترى أن هناك أكثر من طريقة لإحكام قبضة الحكومات على وسائل وأجهزة الإعلام تفوق ما تم إقراره من وثيقة مبادئ؟

هناك بالفعل العديد من أشكال الطرق الحكومية التي تفرض سطوتها على أجهزة ووسائل الإعلام، ويوفرون لهذه القبضة ما يقرب من ألف طريقة وأخرى لإحكام هذه السيطرة، لكن هذه السيطرة لم تجعل من الإعلام العربي إعلاما حرا، ولكن في المقابل فهناك حد أدنى من هذه الحرية في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان وفي بعض دول الخليج أيضا.

لكن الحكومات نفسها تخشى أن تترك الحبل للإعلاميين لكي ينظموا حرياتهم بأنفسهم حتى لا يأتي ذلك على حساب مصالحها؟

حقيقة أنا من أشد المدافعين عن الفضائيات لأنها رفعت سقف الحريات للجميع، وأذكر أنه قبل بث الفضائيات تم منع توزيع جريدة الحياة اللندنية في إحدى الدول العربية بسبب صورة لكلوديا شيفر، إلا أن الفضائيات حفرت لنفسها خطا في مجال الحريات بشكل يفوق ما كان للصحف قبل ظهور الفضائيات، حيث لا تزال الحكومات عاجزة عن تطويق هذه الحريات بحكم اعتبارات كثيرة، ومن هنا فإن الفضائيات وفرت خدمة كبيرة للمواطنين العرب، حيث رفعت سقف الحريات، وعلى الرغم من كافة المحاولات التي يقوم بها مسؤولون لتقييد حرياتهم إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك.

وهل تعتقد أن الصحافة المكتوبة استفادت من حريات هذه الفضائيات؟

نعم الصحافة المكتوبة استفادت بشكل كبير من حريات هذه الفضائيات، ولم يتوقف ذلك عند الصحافة المكتوبة وفقط، ولكن امتدت إلى المدونات حتى وقف وزراء الإعلام عاجزين عن ملاحقتها، وقد سبق أن أجريت دراسة في الصيف الماضي عن أعداد المدونات في العالم فوجدت أن هناك 70 مليون مدونة، تزيد يوميا بنحو 120 ألف مدونة، رغم طبيعة الضغوط التي تمارس ضد أصحابها حيث تعرضوا للاعتقال والاضطهاد بشكل كبير.

هل هذا يفسر أن الفضائيات العربية نجحت في انتزاع حرياتها مقابل تطلع الصحافيين بالصحف المكتوبة إليها؟

بالفعل فمن خلال التكنولوجيا نجحت الفضائيات في انتزاع حرياتها لأن الدولة أو القمر اللذين ينجحان في محاصرة فضائية معينة غير مؤثرين لأنه يمكنها البث من قمر آخر أو من دولة أخرى، لكن من السهل على الحكومات مصادرة صحيفة معينة من التوزيع في داخلها، وهذا الانتزاع من جانب الفضائيات لا يرجع أبدا من جانب الحكومات تجاه هذه الفضائيات، ولكن بحكم التكنولوجيا التي وقفت الحكومات عاجزة عن محاصرتها.

وهل هذا يعني نجاح الحكومات في تقييد الصحافة المكتوبة وانها لجأت إلى الوثيقة موضع الجدل لتحد من الفضائيات؟

نعم فبعدما أفلت منها زمام الرقابة على الفضائيات لجأت إلى تقييدها بمثل هذه الوثيقة، في الوقت الذي نجحت فيه أيضا في تقييد حريات الصحف المكتوبة.

ولا شك أن ذلك كله انعكس سلبا على مستوى الإعلام العربي أليس كذلك؟

أريد أن أكون منصفا، فهناك تقدم بطيء للإعلام العربي، ولكنه يسير بسرعة السلحفاة ودائما أقول إنهم في العالم العربي متأخرون في الإصلاح بنحو 20 سنة، فنحن وراء العالم المتقدم ونسير خلف الركب.

في تقديرك، ما أفق تطوير الإعلام العربي ليصل إلى المستوى المطلوب؟

لابد أن تكون هناك مجالات للتطوير والتحدي، وجودة الصحافي في ألا يكتب مادة صحافية ثم يتم منعها من النشر ولكن التجويد وشطارة الصحافي تكمن في التحايل على الرقابة بشرط أن يكون لما يكتبه طعم ولون، وأدعو الصحافيين العرب إلى تبني روح المغامرة، والتخلي عن الانتحار المهني وتخطي العمليات الانتحارية في الكتابة والتي يمكن أن تؤدي إلى هلاك الصحافي وجريدته والوقوع في حفرة الهاوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"