حصن بابليون.. قلعة رومانية في قلب القاهرة

صمد في مواجهة جيش الفتح 7 شهور
01:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعد الحصن واحداً من أقدم الحصون القديمة في مصر، إذ يرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي وإن كان بعض المؤرخين يقولون إن صورته المعمارية اكتملت على نحو نهائي في بدايات القرن الرابع للميلاد، حيث كان الحصن مقراً للحاكم الروماني، ومن خلاله تحكم الرومان في طرق المواصلات التي كانت تربط بين الوجهين البحري والقبلي، قبل الفتح الإسلامي لمصر.
كان الحصن يعرف حتى قبل الفتح الإسلامي لمصر، باسم «قصر الشمع»، إذ كانت الشموع تستخدم في إضاءته ليلاً، فيبدو ذا منظر مهيب للسالك في النيل في ذلك الزمان، فيما كانت أسوار الحصن تلتف حول قصر الحاكم وبيوت جنود الحامية الرومانية في منظر بديع، وقد كان موقع الحصن يضم في الماضي آثاراً لا يزال بعضها باقياً حتى الآن، من أهمها رصيف الميناء النيلي الموجود تحت بوابة عمرو بن العاص، أو باب مصر في داخل هذا الحصن، حيث كان النيل يجري أسفله.
ويذكر المؤرخون القدماء أن الحصن كان يضم بداخله قصراً يعرف بقصر «محظية أبي الهول»، وموقعه الآن معبد ابن عذرا الموجود حالياً داخل الحصن، الذي كان يوجد به تمثال آخر لأبي الهول، يقع على محور واحد مع تمثال أبي الهول في الجيزة.
ومنذ اكتشف المصريون الحصن والأساطير تحكي عنه، ومن بينها أسطورة تقول إن بداخل الحصن كهفا لجأت إليه العائلة المقدسة أثناء رحلة العودة من دير المحرق بأسيوط إلى القدس، وقد ظل حصن بابليون يمثل رمزاً للاضطهاد الروماني للمصريين، الذين اعتنقوا المسيحية في غابر الزمان، وهو الاضطهاد الذي ازداد في العصر البيزنطي، حينما بدأ الخلاف بين البيزنطيين والمصريين، لاختلاف مذاهبهم الدينية، ومن أجل ذلك كانت مساعدة قبط مصر لعمرو بن العاصي لتخليصهم من اضطهاد البيزنطيين، بعدما علموا بوصية للرسول صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة القبط في مصر. وسمحت نصوص العهد العمري الذي وقع بين عمرو بن العاص وقبط مصر في أثناء الفتح الإسلامي، للأقباط ببناء الكنائس والأديرة، ليعيش المسلمون والأقباط في أول حاضرة للإسلام في مصر، وهي الفسطاط.
ويطل الحصن الآن على القاهرة مثل شبح قديم، إذ لم يتبق منه الآن سوى أجزاء من الأسوار وبقايا ثلاثة أبراج رئيسية، أقيمت عليها الكنيسة المعلقة، بالإضافة إلى باب مصر أو الباب الرئيسي للحصن، وباب جانبي يسلكه الزوار وهو مطل على شارع مار جرجس، وبداخل الحصن مجموعة من الكنائس القديمة، أهمها كنيسة أبي سرجة، التي تضم الكهف الذي أوت إليه العائلة المقدسة، كما ذكرت الأسطورة، وكنيسة السيدة العذراء، المعروفة بقصرية الريحان، بالإضافة إلى معبد ابن عذرا.
وتروي العديد من كتب الأثر، قصة سقوط هذا الحصن المنيع أمام جيش الفتح الإسلامي لمصر، حيث كان الروم قد أنشأوا خندقاً حول الحصن، وجعلوا للخندق أبواباً لخروجهم ودخولهم، فقد كان للحصن باب في الجدار الشمالي أمام الجهة التي أقيم بها بعد ذلك جامع عمرو بن العاص، وباب في المدخل الجنوبي الذي نشأ أمامه بعد ذلك السوق الكبير، وفي ذلك المكان كان النيل يصل إلى جدار الحصن، كما كان هناك باب في الجدار الشرقي الذي كان ينفذ منه درب الحجر.
وتشير العديد من الروايات إلى أن الحصن صمد طويلاً أمام محاولات اقتحامه، حتى قال الزبير بن العوام: «إني أهب نفسي لله، فأرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين». ووضع سُلَّماً من الخشب إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام، وأمر المسلمين إذا سمعوا تكبيره، أن يجيبوه جميعاً، وقد كان الزبير فدائياً شجاعاً لا يدري ما سوف يلقى فوق السور من قوات الروم، وكان في نحو الخمسين من عمره، وقد صعد مع الزبير إلى أعلى الحصن، محمد بن مسلمة الأنصاري، ومالك بن أبي سلسلة، ورجال من بني حرام، وكان ذلك حسبما تذهب العديد من الروايات يوم الجمعة الموافق 29 من ذي الحجة، في العام 20 هجرية.
وتقول المرويات إن الزبير، انحدر ومن معه إلى داخل الحصن، والأرجح أنهم نزلوا على سلالم البرج، فأصاب الرعب أهل الحصن، فهربوا من أمامهم، وعمد الزبير إلى باب الحصن المغلق من الداخل ففتحه، ليقتحمه المسلمون بعد فترة حصار دامت نحو سبعة أشهر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"