حضور بارز للرواية

03:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
محمد ولد محمد سالم
يفسح معرض الشارقة للكتاب للرواية العربية مكاناً بارزاً في أنشطته وفعالياته المتعددة، حيث تحفل منابره المتنوعة بموضوعات تتعلق بالرواية وتأتي على شكل محاضرات وندوات، وشهادات أدبية ولقاءات مع كتّاب للرواية، وقد أخذ هذا الاهتمام مؤخراً شكل تكريم ضمن جوائز المعرض الكثيرة التي دأب عليها منذ انطلاقه في عام 1984 وحتى اليوم، والتي تتنوع بين جوائز الإنجاز الثقافي وجوائز التأليف المحلي والعربي والأجنبي، وجوائز النشر، فمنذ عام 2012 أصبحت جائزة «أفضل كتاب عربي» مخصصة للرواية، وذلك تجاوباً مع الجو الثقافي العربي العام الذي ارتفعت فيه أسهم الرواية، وأصبحت إصداراتها الأكثر جذباً للقرّاء، فسعى المعرض إلى تعزيز هذا التوجه بتشجيع الكتب ذات القيمة الأدبية العالية، وهكذا حصلت على هذه الجائزة حتى الآن أربع روايات، هي: «علي الأميركاني» للكاتبة اللبنانية هالة كوثراني، دورة 2012، و«6000 ميل» لمحمد مهيب جبر، دورة 2013، و«جبل الزمرد» لمنصورة عزالدين دورة 2014، و«نزلاء العتمة» لزياد محافظة، دورة 2015.
تحكي رواية علي الأميركاني لهالة كوثراني قصة التلاقي بين بطلي الرواية، عليّ الشابّ العائد من أمريكا ليكون جنب والدته المريضة على فراش الموت، وشيرين الشابة التي تركها صغيرة عندما غادر القرية منذ عشرين عاماً، تصاب شيرين بالصدمة في أول لقاء بينهما، عندما لا يفلح في تذكرها، وتكتشف أنه بعيد جداً عنها، وينتمي إلى عالم ليس لها فيه أي وجود، في حين أنها تتذكر ذلك الفتى المراهق الذي بدأ يكتسب صفات الرجال، بشكل جسمه وحركته وبسمته وكلماته، كأنها كانت تنظر إليه بالأمس، ولا تزال تتعلق به إلى أقصى درجة، ويدفعها ذلك الواقع إلى محاولة البحث عن وسيلة لتذكيره، فتبدأ في كتابة رواية تجعله بطلها، وتخترع له أحداثاً ماضية تحاول إقناعه بأنه قام بها، وتعطيه صفات بطل أحلامها الذي كانت تبحث عنه، الذي هو رمز لكل شيء نبيل، والذي يبث الحياة في كل شيء يمر به، وبعودته ستعود الروح في كل شيء، حتى هي شيرين البطلة ستعود إليها روحها بعودة ذلك الحب الذي فقدته كل تلك السنين.
تجد البطلة أن الكتابة هي التي ستنقذها من إحباطها، وبؤس حياتها، فعندما تحقق طموحها في تصوير حياة بطلها تكون هي نفسها قد تحررت من مخاوفها، وأوهامها، ولذلك تسعى لإقناع علي بأنها ستجعله بطل روايتها، وأن عليه أن يتحدث إليها عن حياته، وحين يتحدث، يبدو محبطاً يائساً من حياته، ومن واقع مجتمعه الذي عاد إليه، ليجده على الوضع نفسه الذي تركه فيه قبل عشرين عاماً، لم يتغير شيء، فالحقد والصراع والحرب ما زالت تعشش في المجتمع، ويؤدي به ذلك إلى قناعة بأن الهوية التي عاد إلى وطنه بحثاً عنها، ليست شيئاً ثابتاً إنما تُبنى وتتغير كما كل شيء في الحياة، بيد أن شيرين تجد سعادتها في إرغام علي على البوح، والكتابة عن حياته، ما يجعلها في الوقت نفسه تساعده على ترميم هويتها، وتساعد نفسها على التخفف من عبء الذاكرة الطاغي عليها، وتضع أحمال الوهم التي كانت تحملها في الورق.
أما رواية «6000 ميل» للمرحوم محمد مهيب جبر فتحكي أحداث زيارة استكشاف يقوم بها «بيت مارتينيك»، الفلسطيني الأصل الهايتي الجنسية الذي ولد في هايتي، وعاش فيها 60 عاماً، ظلت فيها ذكرى ذلك الوطني الأصلي وحكاياته حية في ذاكرته، ولم تمحها السنين، رغم أنه لم ير فلسطين، ولم يزرها، لكنه تعرف إليها وأحبها من خلال حكايات المهاجر عنها، ذلك الوالد الذي القادم من يافا محملاً بكل حكايات الزيتون والفل والياسمين، وكل التفاصيل الصغيرة لأرض لم يعد يستطيع العودة إليها بعد أن سطا عليها عدو قاتل.
يذهب بيت بحثاً عن جذوره، ولتجنب المخاطر يختار لقب عائلة أمه الكاريبية «مارتينيك»، ويحمل الجواز الأجنبي، ورغم ذلك يلقى الكثير من المشكلات عند الدخول، ويدخل ليتجول في فلسطين، مستكشفاً التاريخ والأصالة والأمكنة التي شكلت تفاصيل حياة وحضارة فلسطين العربية، وفي المقابل يكتشف بيت فدح الجرم الذي قامت به «إسرائيل» بسعيها الدؤوب إلى طمس تلك المعالم، وتحويلها إلى معالم «إسرائيلية»، بدءاً بتغيير أسماء الأماكن والبلدات والآثار العمرانية، إلى تهويد دور العبادة، وتشويه التاريخ، لاختلاق هوية جديدة، وبالمقابل طرد وتهجير وحصار مئات الآلاف ممن يعيشون في مخيّمات معزولة عن العالم، في بقعة قطّعت الحواجز اللعينة أواصرها.
يتعرف بيت إلى ذاته وهويته وقومه في كل التفاصيل الكبيرة والصغيرة التي مازالت شاخصة على أرض فلسطين، ويشعر بعظمة اكتشافه، وعظمة شعبه في نهاية رحلته.
في رواية «جبل الزمرد» تقدم منصورة عزالدين محاورة فنية وفكرية لكتاب ألف ليلة وليلة، وتمد خيط التناص لأقصاه سعياً لاختراع تقنيات فنية جديدة تمزج بين الغرائبي والواقعي، وتستعير من ذلك النص التاريخي الخالد بعض أدواته من دون أن تسقط في تقليده، لتخرج لنا بخلاصة ضمنية تقول بأن الحَكْي (القص) حياةً وتحقّق لذات الفرد بما هي جوهره الإنساني، فلا معنى لوجود الإنسان من دون الحكاية، التي هي في التأويل النهائي العلم والمعرفة.
تتأسس الرواية على بحث امرأة تسمى «بستان البحر» عن الصيغة الصحيحة لحكاية «زمردة» أميرةِ جبل قاف وابنةِ ملكه، التي عاشت فيه منذ آلاف السنين، وتسببت في إصابته بالزلزلة وبتهدمه وتشتت من نجا من سكانه، وتعود أصول «بستان البحر» إلى أحد كهنة جبل قاف، وقد حرص والد بستان البحر، وهو آخر العارفين بقصة جبل قاف، على تعليمها أسرار قومه، ونقل إليها معارفه ومهاراته في السحر، وحثها على البحث عن الصيغة الحقيقية لحكاية زمردة التي شوهها الرواة عبر العصور، وأسقطوها من حكايات ألف ليلة وليلة، التي كانت تروى ضمنها.
يستولي على بستان البحر اعتقاد بأنها منذورة لترميم تلك الحكاية وإرجاعها إلى كتاب ألف ليلة وليلة، وتجد في نبوءات الكهنة المكتوبة في آثارهم أن وسيطها إلى استعادة الحكاية الحقيقية سيكون فتاة مصرية تدعى هدير، وعندما تعثر عليها، وعن طريق معارفها السحرية تجعل هدير ترتقي عبر الحلم إلى حياة «جبل قاف»، وترى كيف أن فتاة اسمها «مروج» لما رأت زمردة تقتل الحية التي كانت تحرس الجبل، أيقنت أنه ينبغي التخلص من زمردة قبل أن تحيق بأهل الجبل الزلزلة، فسلمت الأوراق التي فيها حياة زمردة إلى الكهنة، ولما اطلعوا على ما فيها من كلام فاضح عن زمردة وعلاقتها بلوقيا، هموا بقتل مروج قناعة منهم بأن ذلك افتراء عظيم على أميرتهم الجميلة المقدسة، وأثناء محاكمتها بدأت علائم الزلزلة تظهر، فاستخدمت مروج أسرارها وأحرقت الأميرة، لعل ذلك يوقف الزلزلة، لكنّ الندم أصابها فقتلت نفسها، وبدأ الجبل يتساقط.
تدور رواية «نزلاء العتمة» لزياد محافظة، حول الحياة البرزخية لمصطفى المعتقل السياسي السابق الذي كان قد تلقى من التنكيل والتعذيب ما أودى به إلى الموت، تاركاً وراءه عالم الحياة المر، وغصة بسبب فراق زوجته الحامل التي كان يحلم بأن يقضي معها حياة هانئة، وفي عالم البرزخ، نكون أمام حياة أخرى جديدة وغريبة، موازية لحياة البشر وتشبهها في أوجه كثيرة، وهناك يتعرف مصطفى إلى «الفضيل» مقدم الأموات وقائدهم الذي يأتمرون بأمره، ويعمل الفضيل على طمأنة مصطفى، وإزالة الرعب من حياة القبر من نفسه.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"