حكومة نتنياهو ..سقوط مؤجل

03:50 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

أفلح رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في منع انهيار ائتلافه الحكومي إثر استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، جراء الخلافات حول سبل التعامل مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. وحقق نتنياهو إنجازاً آخر بأن أدار اللعبة السياسية الداخلية مع خصمه اليميني، نفتالي بينت، الذي طالب بتولي وزارة الحرب، بطريقة أضعفت الأخير وأظهرته بمظهر انتهازي. واستغل نتنياهو في إدارته للأزمة التبريرات الأمنية التي أوصلها إلى درجة الخطورة العالية، بأن منح نفسه وزارة الحرب وأشاع بأنه في ظروف كهذه لا مبرر للذهاب إلى انتخابات مبكرة.
كبار المعلقين السياسيين في «إسرائيل» يرون أن نتنياهو غير معني بخوض انتخابات مبكرة في ظل تراجع شعبيته، بسبب الإخفاقات في التعامل مع قطاع غزة وتوتير الأوضاع في الجبهة الشمالية.
وبدا للوهلة الأولى أن الأمور تسير باتجاه استقرار ائتلاف نتنياهو الذي بات يستند إلى تحالف الليكود مع كل من شاس والحريديم وحزبي «كلنا» برئاسة موشي كحلون و«البيت اليهودي» برئاسة نفتالي بينت. غير أن كل الدلائل تشهد بأن الأمور ليست تماماً على هذا النحو. فمن ناحية لا يرتاح كثيرون لاستمرار نتنياهو في محاولة التوصل إلى تهدئة مع القطاع بوساطة مصرية، وآخرون لا يرتاحون للاندفاع نحو حرب لا تحقق أي أهداف جوهرية. وهكذا ينشأ توجّه يرفض استمرار الوضع الراهن الذي يكرّسه نتنياهو وسياسته التي تمنع التوصل إلى تسوية سياسية وترفض الحسم العسكري خشية عواقبه.
كما لا يرتاح كثيرون في «إسرائيل» للشجرة التي صعدت إليها سياسة نتنياهو في الجبهة الشمالية والتي كادت تقود إلى مواجهة فعلية مع روسيا في سوريا. ويحاول نتنياهو الإيحاء بأن الحرب على الأبواب في الجبهة الشمالية، بسبب الغطاء الجوي الروسي وأنه يحاول جهد استطاعته منع خروج الاحتلال منها خاسراً. ومن الجلي أن نتنياهو على صعيد المعسكر اليميني حقق أهدافه بأن حال دون أثر الدومينو ومنع خروج «البيت اليهودي» من الحكومة.
غير أن هذه النتيجة أبقته عملياً مع ائتلاف يستند إلى أغلبية صوت واحد مع 61 نائباً في الكنيست. فمع ائتلاف كهذا يقاس استقرار الحكومة كل ساعة، ولا يمضي أسبوع من دون توترات وإثارة بشأن هذا الموقف أو ذاك، خصوصاً أن الائتلاف يحوي قوى معروفة بميولها الابتزازية. وتدل تجارب الماضي على صعوبة استقرار ائتلاف من هذا النوع، خصوصاً إذا كانت هناك مصالح متضاربة لمكونات هذا الائتلاف. ونظراً لأن الصراع الجوهري في «إسرائيل» كان ولا يزال بين العلمانيين والحريديم، أو بين الدين والدولة، فإن الكثير من مشاريع القوانين تشكل أرضية لتفجير الائتلاف. وكان واضحاً الصراع بين التيارين داخل الائتلاف الحكومي حول مشروع «قانون التجنيد» والذي يمس حياة ألوف من المتدينين الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية.
ولأن الحكومة باتت تستند إلى ائتلاف من 61 نائباً عادت الأحزاب الحريدية للمطالبة بتغيير «قانون التجنيد»، لأنه يمس بقاعدتها الانتخابية. وبحسب ما نشر في صحافة «إسرائيل»، فإن نتنياهو أبلغ شركاءه الائتلافيين أنه ليس وارداً تغيير موقفه من هذا القانون، وأن «قراره بهذا الشأن نهائي». وقد أبلغ قادة الأحزاب الحريدية نتنياهو أنهم سوف يصوّتون ضد مشروع القانون في الكنيست، الأمر الذي يمثل تمرداً على الائتلاف وسبباً لانسحابهم من الحكومة. وهذا يعيد وضع مصير حكومة نتنياهو في يد «مجلس كبار التوراة» الذي عليه أن يقرر البقاء في الحكومة من عدمه.
والمسألة ليست بالأمر البسيط، خصوصاً أن للأحزاب الحريدية في الائتلاف (شاس ويهدوت هتوراه) 13 صوتاً، كفيلة بقلب حال الحكومة رأساً على عقب. ورغم أنه ليس ليهدوت هتوراه وزراء في الحكومة، إلا أن لديهم نائبي وزير، كل منهما بصلاحيات وزير كاملة إلى جانب وزراء شاس. وبديهي أن هذا الوضع قاد ليس فقط المعلّقين السياسيين، وإنما أيضاً قادة أحزاب في الائتلاف لاعتباره أمراً لا يطاق. وقال زعيم «كلنا»، موشي كحلون: إنه يستحيل إدارة حكومة واقتصاد بائتلاف يعتمد على أغلبية صوت واحد. وأشار إلى الإخفاق الذي منيت به الحكومة عند أول تصويت على مشروع قانون تؤيده.
ويرى كحلون أن الاقتصاد «الإسرائيلي» لا يحتمل استمرار حالة عدم استقرار ائتلافي لفترة طويلة، لذلك فإنه لا خيار أمام الحكومة سوى انتخابات مبكرة. وتشهد استطلاعات الرأي على أن أغلب أحزاب الائتلاف الحالي لا تستفيد من الانتخابات المبكرة بل تخسر فيها جزءاً من قوتها. صحيح أن الليكود لا يزال القوة الكبرى في المعسكر اليميني وفي الخريطة السياسية اليهودية، إلا أن الأمور قابلة للتغير ولو البسيط في غير صالحه. وكل هذا يعتمد على الأرضية التي سوف تستند إليها الانتخابات. فإن كانت ستجري على أرضية المواجهات مع غزة، فإن خسارة نتنياهو واليمين عموماً واضحة بسبب أداء حكومات اليمين في العقد الأخير. وإذا كانت ستجري على أرضية اقتصادية، فإن حكومات نتنياهو أسهمت ليس في استقرار الاقتصاد فقط وإنما عملت على تطويره كما تظهر المعطيات، ولهذا فإن ذلك سيحافظ على نتنياهو وقوة اليمين. وإذا جرت الانتخابات على أرضية إسقاط الحريديم للحكومة بسبب قانون التجنيد، فإن الحريديم وربما اليمين بأسره سيخسر لصالح الوسط والليبراليين. وكان خبراء قد أشاروا إلى أن نتنياهو كان يود أن تجري الانتخابات إما على أرضية اقتصادية أو على أرضية الاتهامات له بالفساد والتي تحشد خلفه أوساطاً شعبية يمينية واسعة تعتقد أنه مظلوم.
ولهذا السبب ليس مستبعداً أن تكون الخلافات وتعددها سبباً في بقاء الحكومة مثلما كانت سبباً في إسقاطها. فكل طرف لا يريد سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة تكون في غير صالحه. وهذا ما دعا موشي كحلون وحزبه إلى عدم التجاوب مع مطلب إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة. وكان هذا سبب تراجع «البيت اليهودي» عن التهديد باستقالة وزرائه، لأنه لا يريد خوض انتخابات بعد إسقاط حكومة اليمين. وهو أيضاً السبب الذي قد يمنع الحريديم من إسقاط الحكومة خشية إجراء الانتخابات على أرضية العلاقة بين الدين والدولة.
وفي كل ما سبق جرى القفز عن الخلافات الداخلية في الليكود، حيث التنافس على أشده بين من يرغبون في زعامة هذه الحركة وفي خلافة رئيسها. ومعروف أن نتنياهو يخوض حرباً شعواء ضد الرجل الأقوى في الليكود الوزير السابق جدعون ساعر. كما أن وزراء الليكود الطامحين يتحينون الفرص لتولي حقائب مهمة مثل وزارتي الحرب والخارجية، ويشغلهما حالياً نتنياهو نفسه.
وفي الخلاصة أصاب المعلق السياسي في «معاريف» ران أدليست عندما كتب بوجوب إسقاط نتنياهو، إذ كتب: «دعكم من ألاعيب الانتخابات والحروب. فالسبب الأصوب ليس فقط للذهاب للانتخابات وإنما لتغيير الحكومة، هو فشلها في جبهتي الأمن الشخصي والقومي».
وفي الخلاصة لا شك أن انتخابات مبكرة ستجري، ولكن في الوقت الأنسب تقريباً لنتنياهو أكثر من غيره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"