ذاكرة الزمن

04:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فارس الفارس

منذ ظهور التصوير في منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت الصورة أهم وثيقة تسجل الأحداث. وعلى مدى أكثر من قرن ونصف القرن، التقطت الكاميرات ملايين الصور لحروب وكوارث ومناسبات سعيدة وحزينة لأفراد وجماعات ودول. ولا شك أن الصورة تعني كثيراً في توضيح أي حدث، وتشد القارئ وتجذبه وتحفزه على القراءة باستمتاع.
في هذه الصفحة، لدينا صور كل منها يتحدث عن مناسبة أو حدث معين نعود من خلالها لقراءة التاريخ برؤية معاصرة.

الوكيل الوطني.. صوت المنطقة في بريطانيا 1823- 1850

في يناير/ كانون الثاني 1823 قام جون مكلويد، الذي عُين مقيماً سياسياً في الخليج، بالاجتماع بحكام الإمارات، واقترح على حكومته إنشاء وكالة وطنية في الشارقة، لتزويد حكومة الهند بالمعلومات عن المنطقة.
وأول من تسلم مسؤولية هذه الوكالة علي رضا خان عام 1825، ولكن خان لم يستمر طويلاً، حيث خلفه في العام نفسه، الملا حسين، الذي أثبت براعة أكبر في إدارة الوكالة، وبدءاً من عام 1850 شغل المنصب الحاج يعقوب جد أسرة السركال، الذي استمر في منصبه حتى عام 1866، حيث خلفه في المنصب الحاج عبدالرحمن بن محمد، كوكيل في المنطقة، ونقل مقر إقامته إلى مدينة لنجة التي كانت تحت سيطرة القواسم في تلك الفترة.
وظل الحاج عبدالرحمن يتنقل بين لنجة والشارقة، حتى وافته المنية عام 1880، حيث خلفه أبوالقاسم، وهو من نفس العائلة. ولعب الوكلاء الوطنيون دوراً مهماً في تشكيل السياسة البريطانية تجاه الساحل، ومع نهاية القرن التاسع عشر، شهد منصب الوكيل تغيرات جذرية نتيجة تطورات الأوضاع السياسية في المنطقة، وبعد وفاة أبوالقاسم، تم تعيين عبداللطيف السركال عام 1890، وفي عهده تبلور منصب الوكيل ليصبح الأكثر أهمية على الساحل، وساعد عبداللطيف على أداء مهمته عاملان: طول مدة توليه منصبه التي استمرت زهاء 30 عاماً، والعلاقة الطيبة مع الحكام. توفي عبداللطيف عام 1919 وخلفه ابنه عيسى بن عبداللطيف، ويعتبر عهده، العصر الذهبي لمنصب الوكيل الوطني، حيث استطاع أن يؤثر على صنع القرار البريطاني، وكان على دراية تامة بالشؤون الداخلية والمنافسات المحلية. وفي عام 1935 توفي عيسى، وطلب المقيم السياسي من حسين عماد، وهو من نفس العائلة، القيام بمهام الوكيل الوطني مؤقتاً، واستمر في منصبه بين عامي 1935 - 1936 إلا أنه لم يستمر في عمله طويلاً، حيث عين في هذا المنصب سيد عبدالرزاق رزوقي، عام 1936، وهو أول شخص يتقلد المنصب من غير عائلة السركال.

إنشاء شرطة البحرين 


قبل عام 1926، كانت بلدية المنامة هي الجهة المسؤولة عن حراسة الأسواق والمدينة الصغيرة الحجم في ذلك الوقت «المنامة».
وكانت حراسة الأسواق تتركز في الفترة الليلية، لكن في عام 1926 أنشئت أول شرطة نظامية في البحرين بقيادة ضابط بريطاني معار من الجيش الهندي، يساعده ضابط هندي وبعض من الهنود القادمين من البنجاب. وفي نهاية عام 1926 تسلم الكابتن بارك وظيفة «قومندان للشرطة» ومساعد مستشار حكومة البحرين، ومكث في هذه الوظيفة حتى عام 1932. وفي 1935 أنشئت أول فرقة للهجانة تابعة للشرطة تتكون من 12 رجلاً و12 جملاً يجوبون الشواطئ حول البحرين حفاظاً على الأمن، والتأكد من عدم وجود محاولة دخول للمتسللين بصورة غير شرعية وبعد ذلك، تم تنظيم الشرطة على النحو التالي:

- الحراسات: تكونت فرقة الحراسات من 150 فرداً تم توظيفهم ليكونوا حراساً في الليل لمدينتي المنامة والمحرق، وكانوا مزودين ببنادق، ويقومون بحراسة الأسواق والطرق والأحياء السكنية.
- فرقة الهجانة: تشكلت فرقة للهجانة بقيادة أحد السودانيين ممن عملوا في قيادة فرق الهجانة على الحدود المتاخمة لمصر، وكانت تتكون من 12 جملاً، ومهمتها حراسة سواحل البحرين من المتسللين. وشكلت فرقة أخرى للهجانة لحراسة المناطق الجبلية.
وكان حاكم البحرين قد أصدر بياناً بإنشاء «بوليس الحكومة»، ونص البيان على أن يمنح الملتحق 40 روبية إضافة إلى الطعام واللباس والمسكن وفق الشروط التالية: اجتياز الفحص الطبي، التعهد بالعمل لمدة 3 سنوات. الالتزام بما هو مطلوب منه، يقدم مبلغ 100 روبية كأمانة عند الحكومة.

الرحالة ألويس موزل


من الأوروبيين القلائل الذين عشقوا الصحراء العربية، ومكثوا فيها ردحاً طويلاً من الزمن، الرحالة التشيكي ألويس موزل الذي ولد عام 1868م، ورحل إلى الشرق ودخل معهد الآداب الشرقية في بيروت، ثم أصبح مدرساً في مدرسة الكتاب المقدس في القدس. وابتداء من عام 1895 قام برحلات في البلاد العربية منقباً عن الآثار، ومحققاً لبعض المواضيع الواردة في المؤلفات القديمة في طريق الحج الساحلي من العقبة والنجف، واكتشف قصر عمرة في الشام. وعاش موزل زمناً بين قبائل الرولة حتى عرف باسم الشيخ موسى الرويلي وكان صديقاً لرئيس هذه القبيلة نوري الشعلان.
ودوّن مشاهداته وتحقيقاته في مجلدات باللغة الألمانية، ثم الإنجليزية، وله مقالات في التعريف بكثير من المؤلفات العربية، وتم تعيينه عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق.

بدأ موزل رحلاته بارتياد الجزء الذي يعرف قديماً باسم بلاد العرب الحجرية عام 1896، وانتهى منه عام 1902، ثم ارتاد بادية الشام عام 1908 - 1909 وتوغل فيها حتى تدمر، وفي عام 1910، قام برحلته الثالثة وارتاد الجزء الشمالي من الحجاز، وفي عام 1912 قام برحلته الرابعة إلى تدمر مرة أخرى وخرج منها إلى أواسط الفرات والجزء الجنوبي الشرقي من بادية العراق، وبين 1914 و 1915 قام بالرحلة الأخيرة وارتاد فيها الجزء الباقي من بادية العراق والجزء الشمالي من نجد.

صادق موزل مجموعة من رؤساء القبائل الشهيرين، إضافة إلى نوري الشعلان، كان موزل صديقاً للزعيم القبلي عودة أبو تايه، شيخ الحويطات، وهايل بن فايز، شيخ بني صخر. ولموزل مؤلفات عدة، ترجم بعضها للغة العربية، ومن مؤلفاته «الصحراء العربية» و«مملكة تدمر» و«الرولة أخلاقهم وعاداتهم» و«خصائص البدو» و«العراق وسوريا» و«الجزيرة العربية» و«شمال نجد».
وتوفي موزل عام 1944 عن 78 عاماً.

سائح كويتي على سفينة بريطانية عام 1932


في عام 1932، قرر الدبلوماسي الكويتي بدر الخالد البدر، وكان وقتها في مقتبل العمر، السفر إلى بومبي، فذهب إلى البصرة حيث توجد البواخر البريطانية التي تتجه أسبوعياً إلى بومبي. ويصف البدر رحلته بالسفينة فيقول: هذه السفن هي سفن نقل توجد بها غرف محدودة لركاب الدرجتين الأولى والثانية، والتي تكون عادة محجوزة لكبار التجار العرب، وكبار موظفي الحكومة البريطانية، أما بقية المسافرين، فيحجزون أماكنهم في الدرجة الثالثة أو كما يسمونها (السطحة)، أي سطح السفينة وهو مكان شبه مكشوف تظلله أحياناً أسقف من القماش المشمع السميك. وقد يضيق المكان بالمسافرين، لاسيما في موسم زيارة العتبات المقدسة في العراق، حيث يزورها كل عام عدد كبير من مسلمي الهند.
وكان معي كويتيون على السفينة يجيد بعضهم الطبخ، حيث قمنا بطبخ طعامنا وهو شيء مسموح به على السفن، خرجنا من شط العرب ودخلنا مياه الخليج العربي، وكانت السفرة مريحة وممتعة، حيث يجلس كل واحد منا متكئاً على فراشه المطوي وبقربه صندوق أمتعته المصنوع من التنك، وعند خروج الباخرة من مضيق هرمز، استقبلتنا أمواج الرياح الموسمية، وبدأت المعاناة من تلك الرياح تشتد، فاضطررنا إلى النزول لأسفل السفينة المخصص للبضائع، فوجدنا هناك حماية من التجار العراقيين من أهل الموصل يتعاملون بتجارة الخيول، حيث كانوا منهمكين بتهدئة خيولهم المحشورة في مرابطها، وظلت السفينة تترنح يومين بلياليهما دون أن نهنأ بطعام أو نوم حتى وصلنا إلى مدينة كراتشي، وكان هناك ضابط بريطاني بلباسه الأبيض يقف يدقق في أوراق الركاب، ونزلنا المدينة وتوجهنا إلى بيت التاجر الكويتي محمد المرزوق للزيارة، ولم نجده، ثم ذهبنا إلى مكتب عبدالرحمن شاهين الغانم الذي دعانا للغداء على الطريقة الكويتية، ثم غادرنا كراتشي متجهين إلى بومبي، حيث وصلنا إلى مينائها الضخم الذي يعج بالبواخر الكبيرة، ووجدت في انتظاري بعض الأقارب والأصدقاء الذين كانوا يقيمون هناك للتجارة أو الدراسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"