رئاسة الـ «77».. تكريس للحق الفلسطيني

05:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

تسلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئاسة مجموعة ال77 + الصين لعام 2019 في احتفال رسمي كبير في الأمم المتحدة أعلن فيه أن «تسلم رئاسة المجموعة بلا شك مسؤولية كبيرة ستتحملها دولة فلسطين بكل تواضع وإخلاص وتفان». وجاء هذا التسليم بعد قرار منح فلسطين صلاحيات قانونية إضافية اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الفائت بأغلبية 146 صوتاً وامتناع 15 عن التصويت، ومعارضة الولايات المتحدة وأستراليا و«إسرائيل».
واضح أن للقرار الأممي أهمية سياسية رمزية وفعلية خصوصاً في ظل المساعي الأمريكية - «الإسرائيلية» لوأد مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. ومعروف أن السلطة الفلسطينية تعمل منذ سنوات لرفع مكانتها في الأمم المتحدة وتكريس نفسها في المحافل الدولية عضواً كامل الحقوق والواجبات لمنع تبديد القضية على أيدي الاحتلال. وقررت مجموعة ال77 في اجتماعها في 27 سبتمبر/‏أيلول على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، انتخاب فلسطين لتولي الرئاسة الدورية للمجموعة في 2019. غير أن هذا القرار كان بحاجة لاستصدار قرار بمنح فلسطين صلاحيات قانونية إضافية لتتمكن من تولي الرئاسة فعلياً. فالسلطة كانت لا تمتلك حتى ذلك الوقت إلا صفة مراقب وهذا لا يتيح لها تولي الرئاسة. وهكذا ورغم الجهود «الإسرائيلية» والأمريكية أقرت الجمعية العمومية بأغلبية ساحقة منح فلسطين بشكل مؤقت ولمدة عام كل الحقوق الممنوحة للدول الأعضاء عدا حق التصويت. كما أن ملحق القرار يسمح للفلسطينيين ب «حق الإدلاء بتصريحات باسم (مجموعة ال77 والصين)» و«حق المشاركة في صياغة مقترحات وتعديلات» و«حق عرض مذكرات إجرائية».
وتضمن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن فلسطين سلسلة من التدابير لتسهيل «مشاركة دولة فلسطين» في مختلف الدورات والمؤتمرات السنوية التي تشارك فيها مجموعة ال 77. تجدر الإشارة إلى أن مجموعة ال77 هي أكبر وأهم المجموعات في الأمم المتحدة وتضم حاليا 134 دولة. وكانت فلسطين قد انضمت في العام 1975 إلى هذه المجموعة المكونة أساساً من دول عدم الانحياز التي تلعب المجموعة العربية فيها دوراً مميزاً.
ومما لا شك فيه أن رئاسة فلسطين لمجموعة ال77 تعزز الجهد المبذول لنيل الفلسطينيين اعترافاً دولياً بحقهم في إنشاء دولتهم لكن لا يقل أهمية عن ذلك أنها تظهرهم كطرف دولي فاعل يمكنه الحديث باسم مجموعة دولية هامة في قضايا لا تتعلق فقط بالصراع العربي «الإسرائيلي». إذ إن مجموعة ال77 في أساسها ذات اهتمام بمصالح الدول النامية الاقتصادية والاجتماعية وهي ما يشكل أكثر من ثلثي أجندة الأمم المتحدة وقراراتها.
وفي هذا السياق ثمة أهمية لما قاله مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، حول أن القوى العالمية التي تعمل على تغييب فلسطين في المنظومة الدولية ستجد نفسها معزولة، بعد أن اختارت هذه المجموعة أن تضع دولة فلسطين في المقدمة لقيادة 134 دولة تشكل أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وأضاف أن هذا التنصيب هو بمثابة انتصار لدولة فلسطين، وهو دليل على الإجماع والثقة التي تمنحها أغلبية دول العالم لفلسطين ومقدرتها على إدارة ملفات مهمة، وستعمل دولة فلسطين على القضايا التي تهم التنمية والإنسانية كالفقر والمناخ والتعليم والبيئة وغيرها.
ويعتبر هذا الكلام أوضح رد على الموقف الأمريكي المعارض للأماني الوطنية الفلسطينية والذي وصل إلى حد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ويعمل على ابتزاز الفلسطينيين ماليا وسياسيا.
وليس صدفة أن المجموعة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز تباهت بالقرار واعتبرته تأكيدا على الحق الفلسطيني في مواجهة محاولات تبديده. وبديهي أنه كان هناك معنى واضح لانتخاب فلسطين لرئاسة مجموعة ال77 أثناء تولي مصر رئاسة هذه المجموعة. وقد تسلم الرئيس عباس في الأمم المتحدة مهام رئاسة هذه المجموعة من وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وقد رحبت منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بترؤس فلسطين مجموعة ال 77، معتبرة أنه يعتبر إنجازا تاريخيا من شأنه ترسيخ مكانتها السياسية والقانونية في المحافل الدولية ويقرب نيلها حقها في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وهنأت فنزويلا باسم بلدان عدم الانحياز الرئيس الفلسطيني برئاسة مجموعة ال 77 وعبرت عن ثقتها في قدرة دولة فلسطين على القيام بهذا الدور المهم.
وعلى الصعيد الفلسطيني اعتبرت حركة «فتح» الإشادة العالمية برئاسة دولة فلسطين لمجموعة ال77، استفتاء عالميا جديدا على جدارة الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال والسيادة، وانتصارا لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية.
ولكن الأهمية التي منحتها «فتح» و«السلطة» في رام الله للخطوة الأممية اصطدمت بواقع الانقسام الفلسطيني الذي أضعف على الأقل هذا الإنجاز على الصعيد الداخلي. فقد كان التفاعل مع هذه الخطوة فاتراً في قطاع غزة وخصوصا أن جهات مقربة من «حماس» بادرت بإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تعلن فيها أن الرئيس عباس فاقد للشرعية، وهي سابقة خطيرة. وتبررها هذه الجهات بأن الرئيس عباس نفسه كان قد نقل الخلاف الداخلي الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في خطاب رسمي له. وواضح أن هذه الرسالة التي تقع ضمن حالة المناكفة السياسية القائمة بعد قرار حل المجلس التشريعي لم تترك أثراً على احتفال أعضاء المجموعة بتكريس دولة فلسطين ناطقاً باسمهم.
ومن المهم ملاحظة أن أي إنجاز لفلسطين على الصعيد الدولي يبدو باهتاً إذا لم ترافقه محاولات جدية لحل المشاكل الداخلية الفلسطينية وفي مقدمتها مشكلة الانقسام. فالانقسام لم يعد عبئاً على الداخل الفلسطيني ولا على مؤسساته الإنسانية والاجتماعية فحسب، وإنما صار يهدد صورة الفلسطيني وأهدافه الوطنية حتى في المحافل الدولية. ويبقى الأمل بأن توفر رئاسة مجموعة ال77 لفلسطين وقياداتها الفرصة لاستعادة الحكمة لإنهاء الانقسام وإعادة بناء المؤسسة السياسية الفلسطينية على أسس أكثر رشداً لتمكين هذا الشعب من الاقتراب من تحقيق أمانيه الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"