سالم الجابري: البساطة أهم سماتنا ونعتز بتراثنا

متمسك بعادات الآباء والأجداد
02:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
حوار: بكر المحاسنة

الوالد سالم سيف سالم الجابري من أهالي منطقة أحفرة التابعة لإمارة الفجيرة، نموذج للرجل المخلص المحب لوطنه وعائلته ، المحافظ على العادات والتقاليد الأصيلة في المجتمع، التي مازال متمسكاً بها وبموروث الآباء والأجداد، من تربية الإبل والعديد المهن التقليدية القديمة.
ولد الجابري في فترة خمسينيات القرن الماضي، ولم يكن في تلك الفترة أي جهة توثق تاريخ الميلاد لكن يقدر عمره بنحو 62 عاماً، يقول: «ولدت في منطقة خطم الواقعة على حدود سلطنة عمان، وبعدها انتقل الوالد للعيش في منطقة أحفرة، لأن طبيعة حياتنا كانت تعتمد على التنقل والترحال وراء الماء والعشب، مثل حال كل القبائل البدوية التي كانت تعيش في المنطقة، إذ كانوا يرتحلون وراء المعيشة والمكسب أينما وجد».
يضيف: «عشت أجمل أيام طفولتي وشبابي في أحفرة، وكانت منطقة جميلة تشتهر بواحات من الطبيعة الجذابة في أروع مما تتخيل، وتتميز بكثرة أشجار النخيل والسمر والسدر ومزارع الخضراوات والفواكه بأنواعها، وتكثر فيها الأعشاب والنباتات البرية، وإلى جانب الحيوانات البرية مثل الغزال العربي والوعل والأرانب البرية، والعديد من الطيور البرية كما تكثر فيها خلايا العسل البري».

يستذكر الجابري حياته في «أحفرة» في فترة الستينيات داخل بيوت العريش والطين والحجارة، يقول: «اعتمدنا في معيشتنا على جمع عسل النحل البري والحطب والسخام (الفحم)، وبيعه في أسواق الساحل الشرقي، كما أننا أهل بداوة وكانت معيشتنا في الماضي بسيطة، والجميع اعتمد فيها على ممارسة الحرف البدوية ومنها رعي الأغنام وتربية الإبل، إضافة إلى زراعة أشجار النخيل وتجارة محاصيل التمور والحطب والفحم والأغنام، ومنتجاتها إلى أسواق المناطق الساحلية، وكان بيعها مقابل روبيات قليلة أو مقايضتها ببعض احتياجات الأهالي من القهوة والعيش والسكر والقماش وغيرها. كما كنا نسكن في بيوت الطين والحجارة في مواسم الشتاء أما العريش فنلجأ إليه في الصيف».
كان الأهالي قديماً، يعيشون على جمع محاصيل التمور وفي بعض أوقات العام على الصيد، وتربية الإبل والماشية. يوضح قائلاً: «كانت الحياة بسيطة وجميلة على الرغم من قلة مصادر الرزق، كما كانت تتسم بقوة العادات الاجتماعية وصلة الرحم والتعاون بين جميع الأهالي، كانت حياة بسيطة وقاسية في نفس الوقت».
يتابع الجابري الحديث عن ذكرياته، قائلاً: «كنا نعيش أنا وأهلي في بيوت الحجارة والطين، حتى قيام الاتحاد بفضل القادة المؤسسين والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات في ذلك الوقت. بعد هذا الحدث الكبير الذي يعد علامة مضيئة في تاريخ العرب، تغيرت حياتنا نحو الأفضل وانتقلنا إلى العيش في منازل شعبية حديثة بناها المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، وتغيرت الحياة في أحفرة بعد قيام الاتحاد بسنة واحدة، فبات الجميع يعيشون في رغد ورفاهية وأمن وسعادة، بعد أن باتت الخدمات متوافرة من مراكز صحية ومدارس وطرق معبدة بفضل التوجيهات الحكيمة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، ومن بعده صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، بنيت المساكن الحديثة والمجهزة بالخدمات كافة التي جعلت المواطن يعيش حياة سعيدة ومريحة، ومُدت الطرق وجُمع الناس بعدما كانوا متفرقين بين المزارع والسهول الصحراوية والجبال، ورُبطت المناطق ووصلت خدمات الكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت إلى منازل الأهالي، وأصبحت المنطقة متطورة وحديثة وبنيت فيها المساكن والبيوت».
عمل الجابري في الزراعة وتربية الإبل وجمع الحطب وصناعة السخام، ثم انتسب للعمل في شرطة الفجيرة قبل قيام الاتحاد. يقول: «كان راتبي وقتها لا يتجاوز 60 درهماً، واستمررت في الشرطة لنحو 18 عاماً، كنت خلالها من حراس المغفور له بإذن الله الشيخ محمد بن حمد الشرقي حاكم إمارة الفجيرة وقتها، الذي ترك ذكرى طيبة لرجل قال ففعل، وكان الوطن والمواطن في قمة أولوياته، لتبقى أفعاله الخيرة مستمرة، ولن أنسى مواقفه النبيلة وأعماله الإنسانية، تعلمت الكثير منه ومن مبادئه وأخلاقه وقيمه وحكمته في العديد من الأمور، بعدها بفترة التحقت بالعمل في القوات المسلحة في المساندة».
يشير الوالد الجابري إلى أنه منذ القدم وهو يعمل في تربية الإبل «البوش»، ومازال مستمراً بها حتى وقتنا الحاضر، فهي تمثل رمزاً رئيسياً من رموز التراث في الدولة، وكانت ومازالت عنصراً أساسياً في حياة الإنسان البدوي العربي لقدرتها على التأقلم مع حياة الصحراء، والمميزات التي حباها بها الله لتتحمل قسوة المناخ الصحراوي.
يقول: «تعددت الوظائف التي كانت تستخدم فيها الإبل، فالجمل يستخدم في الأحمال والحرث والتجارة والتنقلات، إلى جانب الرعي والصيد. كما كانت قديماً مصدراً رئيسياً للحوم والألبان والجلود والوبر، وكان الاعتماد عليها بشكل أساسي في سد كل احتياجاتنا الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وصناعات يدوية. وكانت الإبل تعتبر في الماضي مؤشراً للمكانة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد في المجتمع البدوي».
ويضيف: «أمتلك العديد من فصائل الإبل العربية وعلاقتي بها تاريخية، فمنذ القدم وأنا أرى تسابق الآباء والأجداد على امتلاك السلالات الأصيلة منها، بهدف استخدامها كوسيلة للتنقل وحمل الأمتعة، والحصول على لبنها ولحمها، إضافة إلى مشاركتها في السباقات المختلفة (الشارات) التي كانت تقام في مختلف مناسبات الأفراح والاحتفالات كالزواج، لذلك منذ صغري ورثت حب الإبل وتربيتها من والدي وجدي والمحافظة على سلالاتها العربية الأصيلة والجيدة، وعلى الرغم من التطور والتحضر الذي حدث في وقتنا الحاضر، فإنني لم أتخلّ عن تربيتها والمحافظة عليها والعناية بها، وشغف امتلاكها يزداد يوماً بعد آخر، لأنها وفاء نابع من القلب، إلى تراث عريق أعتز به».
يختتم الوالد حديثه مؤكداً أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بنى الوطن على أساس العدل والمساواة، والشيخ محمد بن حمد الشرقي، رحمه الله، وضع اللبنة الأولى لنهضة الفجيرة وتطورها ومواكبتها للعصر، ونصح شباب الوطن بالعمل والمثابرة ورفعة الهمة والتضحية بالغالي والنفيس من أجل المضي في مسيرة إمارات الخير، وحتى تبقى راية الوطن مرفوعة خفاقة في الأعالي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"