سعيد الطنيجي.. آخر فرسان «الرزفة»

شارك في تأسيس «فرقة طنيج»
03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

خليفة بن حامد

ترجّل آخر فرسان فن الرزفة التراثي، هذا الفن الذي يرمز للشجاعة والإقدام لما يمثله عبر خطواته القائمة على حركة العصي والبنادق واستعراض المهارات لأعضاء الفرقة. و«الرزفة» تعبير لافت عن صفات الشهامة المتمثلة بملامح الفرح والفخر المرسومة على أوجه المشاركين.

رحل عن دنيانا الشاعر القدير سعيد عبيد بن خميس مسعود الطنيجي، رحمه الله، الذي ولد في مدينة الذيد، وهو لم يكن يذكر تاريخ ميلاده بل ذكر أنه عندما حصلت ما عرفت ب «سنة الجوع» كان وقت ذاك عمره نحو سبع سنوات، أي أنه من مواليد 1933 تقريباً.
يسير في أزقّة الشعر وأبيات القصيدة تسابقه، يتوقف فيرسم بريشة الفنان أعذب الألحان فتبوح الخوافي بأجمل القوافي، القصيد والشعر عنده مخزون الذاكرة للماضي والحاضر وحتى المستقبل. حين تتذوق الأجيال القادمة تلك الكلمات الآتية من الماضي تحمل معاني البر وبيوت الشعر و«حمس» القهوة على النار والكرم والشجاعة، لتسطر ملحمة شعرية كتبها شاعر مرهف الإحساس ينقل لك ماضياً غاب في أعماق التاريخ.
في غربته كان القصيد صديق دربه ورسائل تحمل عبر العقول والقلوب للطرف الآخر، تحمل السلام والتحايا وقرب الوصول، كان يهرب فيها من ضيق غربته إلى اتساع الشعر وأبياته، كانت كلماته تتناثر بين الدروب لتجتمع في دار المحبوب واحة الذيد، فمع كل رشفة من فنجان القهوة في الصباح أو المساء هنالك قصيدة جديدة يجود بها على الساحة الشعرية، فأديم الصحراء يأسره وحب الوطن والقيادة يشعله وفاءً وشعراً.
وقد شكّل الشاعر سعيد بن خميس، رحمه الله، فرقة رزيف مع الشاعر علي بن هويشل الخاطري، رحمه الله، الذي كان هو شاعر الرزيف الأول في المنطقة، وعرفت باسم «فرقة طنيج». وبعد وفاة الشاعر ابن هويشل، تسلّم الفرقة زميله ونديمه شاعرنا سعيد الطنيجي، وضمّت هذه الفرقة نخبة من الوجوه المعروفة من قبيلتي طنيج والخواطر وبعض أفراد القبائل الأخرى. كان أبرز هذه الأسماء الشاعر الشيخ محمد بن علي الخاطري والشيخ مصبح بن علي الخاطري، وسالم بن حسن الخاطري، وسالم بن سلطان المسافري، رحمهم الله، وسعيد الشاوي، ومصبح بن جاسم الطنيجي والشيخ سلطان بن علي الخاطري، وغيرهم من أهالي وأبناء الذيد، ومن القبائل الأخرى من المنطقة، أمثال «بني قتب» و«المسافرة»، و«هل علي»، والمزاريع، وآخرين.
ويحسب للشاعر سعيد بن خميس، رحمه الله، التزامه بالمحافظة على هذا الفن التراثي الأصيل بلحنه وسجعه المعروف، وعدم الحياد عنه. كما يعد شاعرنا سعيد بن عبيد، رحمه الله، الراوي لأشعار ورزفات العديد من الشعراء الإماراتيين المميزين. وفاز لحنه الذي أدّته فرقته طنيج بجائزة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن القصيدة التي قالها بمناسبة عودة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بعد رحلة علاجه الأولى والتي أقيمت مسابقة لاختيار أفضل لحن رزيف لها.
تقول القصيدة: مرحبا ما هب م الريف ذنّاني
مع عبير المسك والطيب مقرونه
مرحبا يا من له القلب شفقاني
يا زعيمٍ كل شعبه يحبونه
يا زمام المجد يا عالي الشاني
يا عجيدٍ يعجز الوصف من دونه
يا ركن زايد على كل الاركاني
ما حدٍ زايد على زايد بكونه
يشهد التاريخ له بكل برهاني
نايفٍ ع المستنيفات بغصونه
لمّ وحدتنا على صدق وايماني
وراية التوحيد بالعز مرهونه
بالوفا وافي وبالحق ميزاني
وكلمته في موقف المجد مضمونه
في سداد الراي ما يبدله ثاني
قدوة هو في الجدا يستمدونه
جر وحدتنا إلى عالمٍ ثاني
بالتقدم والرخا حسب قانونه
رحم الله الشاعر سعيد بن خميس الطنيجي الذي فقدت المنطقة برحيله، شاعراً صاحب مدرسة مميزة في الشعر والرزيف، وتاريخاً حافلاً بالإنجازات على الساحة الشعرية، منها تأسيس أول فرقة للرزفة على مستوى الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"