شيماء أبو الخير: أفتخر بتصميم نُصب زايد عاشق مصر

تنشر الجمال عبر حضارة الفراعنة
03:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
القاهرة: «الخليج»

عشقت الفنانة المصرية الشابة شيماء أبو الخير الفن منذ الطفولة، وأطلقت لخيالها العنان، وصقلت موهبتها بالقراءة والبحث والمشاهدة، قبل أن تبحث لنفسها عن طريق مميز، فاختارت الغوص في التراث الفرعوني الذي يعد فناً نقياً خالصاً، ثم قررت مزجه بالمعاصرة لإعادة وتأكيد الهوية المصرية.
حصدت شيماء العديد من الجوائز العالمية، كان آخرها الجائزة الأولى بلندن لأفضل قطعة أثاث على مستوى العالم في العام 2016 وكرمت ضمن فعاليات مؤتمر الشباب 2017 احتفاء واعترافا بجهودها في إحياء التراث الفرعوني المصري، ومؤخرا وضعت تصميما مذهلا بمستشفى سرطان الأطفال 5757، وهو عبارة عن وجه الأب المؤسس للإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تكريما له واعترافا بعطائه.
احترفت شيماء الفن بسبب تصميم للفنانة العراقية «زها حديد» في إيطاليا، تابعته بإعجاب شديد أثناء رحلة قصيرة إلى ميلانو، وحين عادت إلى مصر قررت تقديم استقالتها من شركة التسويق التي تعمل بها، وهي تقول عن ذلك: اندهش زملائي في العمل وهم يسألونني عن سبب الاستقالة، لكني كنت أقول لهم ضاحكة «سوف أنشر الجمال»، وحين استشرت أمي وإخوتي وافقوا على الفور، إذ كانت أمي ترى أن ضياع الوقت يأتي من عدم تحديد الهدف وليس من ترك العمل.
قررت أبو الخير دراسة الديكور والتصميم، فراسلت جامعتين بإيطاليا، لتستقر على الدراسة في فلورانس ديزاين أكاديمي، وعن تلك الفترة تقول: تجولت خلال هذا العام في شوارع إيطاليا، وهناك عرفت قيمة الفن حيث الناس بطبيعتهم يمارسون الفن ويعشقون الفنون، فتعلمت إبداعات التصميم أكثر مما درست في الكتب، فالحياة هي المدرسة الحقيقية للفن، ومن ثم أتقنت فن التصميم والديكور وعدت إلى مصر عام 2013.
عادت أبو الخير وقررت تأسيس شركة صغيرة لممارسة العمل الذي أحبته، فبدأت في مجال الديكور في محيط الأسرة والأصدقاء، وتنفيذ بعض المشروعات الصغيرة التي كانت تنجزها طوال فترة السفر إلى إيطاليا، أو في الإجازات القصيرة داخل مصر، ثم قرأت إعلاناً عن الاحتياج لمصممي ديكور لتجديد مبنى الجامعة الأمريكية بميدان التحرير، وتقول شيماء: فكرت في أن أتقدم للجامعة بطريقة جديدة ومبتكرة لإحياء الفن الفرعوني، ذلك الطراز الخاص بمصر فقط، والذي يعد بمثابة الهوية النقية في الفن، وبالبحث والقراءة اكتشفت أن لدينا جمالاً يفوق ما رأيته بإيطاليا بلد الفنون العريقة، لذلك عكفت على فكرة التصميم مدة ستة أشهر كاملة، وانتهيت إلى وضع تماثيل للفراعنة تتسلق المبنى اليوناني للجامعة، ولونت هذه التماثيل بالأحمر والأصفر، كرمز لحيوية شباب الجامعة، وتماشيا مع طموحاتهم في بلوغ القمة نحو المستقبل، وقد فاز التصميم ونفذ، وحصلت من خلاله على الجائزة الأولى من ميلانو، وفي التغطية الإعلامية ترددت مقولة أن الفراعنة تغلبوا على الإغريق.
نصب الشيخ زايد
عن تجربتها الفريدة في تنفيذ نصب تذكاري للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، داخل مستشفى سرطان الأطفال، تقول أبو الخير: طلب المدير التنفيذي للمستشفى ابتكار شيء جديد يليق بتكريم الشيخ زايد، كنوع من رد الجميل لما أعطاه لمصر وشعبها، فأخذت أقرأ كثيرا عنه وأتابع أعماله داخل وخارج الإمارات، وبخاصة مصر، فوقعت في حبه، ودخل قلبي من أوسع الأبواب، بعدما قرأت عن مواقفه العظيمة مع مصر، وكيف أنه كان يوصي أبناءه بها قبل وفاته، فقررت بذل المزيد من الجهد لإبراز تصميم يليق بشخصه الكريم، وتضيف أبو الخير: تقوم فكرة التصميم على ربط وجوده بالشمس، التي كان لها تقدير لدى الفراعنة، ويتبدى وجه الشيخ زايد في التصميم مع شروق الشمس، من خلال أسراب الحمام التي تتحرك بشكل دائري، ليكتمل الوجه حين يسكن الحمام ويتداخل، وهو رمز العطاء والسلام والخير، ويظل الوجه مطلاً حتى يختفي تدريجياً مع غروب الشمس، لكن أمجاده وسيرته العظيمة تستمر عبر الأجيال، وهكذا تتم الحركة صباحا ومساء في التصميم، تصاحبها موسيقى الفنان المايسترو عمر خيرت في الشروق، والفنان هشام خرما مع الغروب.

خطوات التنفيذ

بدأت الفكرة بتكوين فريقي عمل، أحدهما فني والآخر تقني، الأول يشتمل على عدد من الفنانين التشكيليين والنحاتين، والآخر يضم مهندسين في الكهرباء والميكانيكا والإنسان الآلي، كما يضم الفريق فنانة مصرية إيطالية أعجبت بالفكرة، وقررت الانضمام للفريق.
وتقول أبو الخير: تم اختيار مادة «البوليستر» لنحت الحمام الذي يبلغ 75 حمامة، تشتمل كل حمامة على 22 رقماً خاصة بالزوايا والالتواءات والإحداثيات، بحيث يتم ضبط حركة الحمام بدقة متناهية مع الدوران، لكي توضع في مكانها الصحيح لظهور الوجه بملامحه الدقيقة، وكان من أكبر التحديات التي واجهتني مع النحاتين الذين يعملون في التصميم، أن المسافات تقدر بالمليمتر، وهم غير معتادين على هذه الدقة في أعمال النحت، ومن ثم فقد ظللنا نعمل طوال ثمانية أشهر، لضبط هذه الزوايا، لإخراج الوجه على أكمل صورة، ونشبت خلافات كثيرة بين العقلية الفنية والعقلية الهندسية، كان أهمها رفض الجميع تنفيذ التصميم باعتباره تجربة غير مسبوقة في مصر أو في العالم، حتى تحمس أحد المهندسين لتنفيذ المشروع، الذي يبلغ فيه طول حجم الوجه ستة أمتار وعرضه أربعة أمتار، وقد استغرق تنفيذ المشروع مدة عام، في حين استغرق التصميم عامين، وسيتم الافتتاح بعد الانتخابات الرئاسية.
وتضيف أبو الخير: هذا المشروع من أعز المشروعات على قلبي، ليس فقط لكونه من التصاميم الجالبة للتبرعات، ولكن لعظمة صاحب الوجه حكيم العرب.
حصلت شيماء أبو الخير على جائزتين أخريين قبل حصولها على الجائزة في هذا العمل الكبير، وعن ذلك تقول: بدأت أتعمق أكثر في الاهتمام بالتراث الفرعوني، وراودتني فكرة تصميم أثاث فرعوني حديث (مودرن)، واختمرت الفكرة في ذهني حين شاهدت كرسي توت عنخ آمون بجناحه المزخرف بألوانه الزاهية، وهذا الجناح الموجود على ذراع الكرسي يوجد في كل الزخارف الفرعونية، وبحثت في المتاحف والكتالوجات والكتب حتى استقر خيالي الفني على شكل الكنبة، بطريقة حديثة، وقد استغرق العمل في التصميم ثمانية أشهر، واشتركت في مسابقة «الجائزة العالمية لتصميم المنتجات بلندن عام 2016»، وفوجئت بعد انعقاد لجنة التحكيم أنني حصلت على الجائزة الأولى لأفضل قطعة آثار في العالم، وكانت الفرحة لا توصف بهذا التكريم، وبعدها أبلغتني رئاسة الجمهورية بأنها متابعة لأعمالي، التي تؤكد وتعيد الهوية المصرية من خلال إحياء الفن الفرعوني، وأنهم اختاروني كي أكون من بين الشباب المكرمين في مؤتمر الشباب، فحصلت على شهادة تكريم من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان لها عظيم الأثر في نفسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"