عزل ترامب.. الدور الخفي للدولة العميقة

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إكرام بدرالدين *

يمكن أن يطلق اصطلاح الدولة العميقة على أجهزة غير منتخبة ولكن يكون لها تأثير في سلطات ومؤسسات الدولة المنتخبة، ويستخدم الاصطلاح غالباً للإشارة إلى الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات والجهاز البيروقراطي، والتي يكون لها تأثير ولو بشكل غير مباشر في عملية صنع القرار داخل الأجهزة الرسمية للدولة.
من المألوف أن يستخدم اصطلاح الدولة العميقة للإشارة إلى ما يحدث في العديد من الدول النامية من نفوذ متزايد للأجهزة غير المنتخبة والسابق الإشارة إليها، ولعل الجديد هو استخدام هذا المصطلح بالنسبة للدول المتقدمة ودول الديمقراطيات الليبرالية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد دور مؤثر لوكالة المخابرات المركزية، والأجهزة الأمنية، ووزارة الدفاع، والجماعات المصلحية Interest groups والتي تمثل تأثيراً في المؤسسات المنتخبة وخصوصاً الرئاسة.
كما تمثل أيضاً تأثيراً في عملية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة والتي تشهد بداية لمعركة جديدة وغير مألوفة في النظام الرئاسي الأمريكي، تتمثل في اتخاذ إجراءات قد يترتب عليها في النهاية وفي حالة استكمالها عزل الرئيس الأمريكي ترامب من منصبه، وربما هي من الحالات غير المألوفة في النظام الأمريكي أو غير المتكررة، وذلك نظراً لطبيعية النظام الأمريكي الذي يعتمد على الفصل بين السلطات، والتوازن، والضبط المتبادل.
وتزداد الخطورة نظراً للتوقيت، حيث بدأ السير في اتخاذ خطوات عزل الرئيس في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة إلى إجراء انتخابات رئاسية في عام 2020 وفي فترة تشهد توترات غير مسبوقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبين الرئيس، أي بين قمة السلطة التنفيذية وبين الكونجرس (السلطة التشريعية) كما تشهد توترات داخل الحكومة، أو الإدارة الأمريكية ذاتها والمتمثلة في استقالة عدد من أهم الوزراء ومستشاري الرئيس، وجميعها أمور غير مألوفة في النظام الأمريكي، وكل ذلك يثير تساؤلات مهمة عن الأوضاع السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عهد الرئيس ترامب، وخصوصاً في فترة الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية جديدة.

تداعيات خطيرة

ويلاحظ أن موضوع عزل الرئيس نتيجة لما أعلن عن اتصاله بدولة أجنبية (أوكرانيا) ومطالبتها بالتدخل في الشأن الداخلي الأمريكي، يطرح تداعيات مهمة وخطيرة، سواء على مستوى الكونجرس أو على مستوى الناخب الأمريكي، أو من حيث تأثيره على نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك نظراً لما يؤدي إليه من استقطاب واضح، سواء على مستوى الناخبين، أو على مستوى الكونجرس، أو على مستوى العلاقة بين الحزبين، حيث توجد حالة من الاستقطاب منذ انتخابات 2016، حيث إن الرئيس ترامب تفوق بفارق بسيط نسبياً من الأصوات الشعبية، كما يعبر الاستقطاب عن نفسه بشكل آخر على مستوى الكونجرس الذي يشهد انقساماً، حيث يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، ويتمتعون فيه بالأغلبية، بينما مجلس الشيوخ الأكثرية فيه للجمهوريين أي حزب الرئيس، وبالتالي فإن التساؤلات تدور حول تأثير إجراءات عزل الرئيس على الانتخابات الأمريكية المقبلة، وهل يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب على مستوى الناخب الأمريكي وتعميق الاستقطاب على مستوى الحزبين الكبيرين ومدى إعاقة ذلك لعمل المؤسسة التشريعية وتأثيره في علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية.

تناقض شديد

ويلاحظ أن الدولة العميقة من إعلام وأجهزة تحقيق وأجهزة أمن ومخابرات، كانت تتخذ موقفاً غير ودي من الرئيس ترامب منذ فترة ترشحه للرئاسة وقبل أن يفوز في الانتخابات الرئاسية، وتزايدت حدة الهجوم بعد أن فاز في الانتخابات وأصبح رئيساً للولايات المتحدة، وربما يعود ذلك لكون ترامب لا يمتلك تاريخاً سياسياً معروفاً، أو خبرة في الممارسة السياسية، ولذلك فقد اتخذت الدولة العميقة ومؤسساتها مواقف مناوئة للرئيس ترامب في مناسبات وقضايا متعددة منها: دور روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأزمة الكاتب السعودي جمال خاشقجي، والتوتر بين الرئيس وبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي واتهامه بالعنصرية، ومهاجمة الرئيس في بعض الأمور المتعلقة بالضرائب والنواحي المالية، ووصولاً إلى بدء اتخاذ إجراءات من جانب الكونجرس لعزل الرئيس وهو ما يعبر عن تناقض شديد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأيضاً يعكس التناقض الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وهو من الأمور غير المألوفة في النظام الأمريكي والتي يمكن تفسيرها بالدولة العميقة ومؤسساتها التي ترغب في عدم تولي الرئيس ترامب لفترة ثانية، وربما استبعاده قبل استكمال فترته الرئاسية الأولى.

السلطة الرابعة

ولعل الخطورة أن هذا التأزم السياسي يتم على مقربة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستجرى بعد قرابة عام، وبعبارة أخرى فإن ما يطلق عليها مؤسسات الدولة العميقة هي مؤسسات مؤثرة رغم كونها غير منتخبة، وتوجد وتطرح تأثيرها في عملية صنع القرار وتساعد على اتخاذ قرارات معينة حتى لو كان الرئيس لا يرضى عنها، أو تضغط على الناخبين وتوجههم في اتجاهات تصويتية معينة على نحو ما عليه الحال الآن في الأزمة بين الكونجرس والرئيس، حيث بدأت إجراءات عزل الرئيس، والتي يرى البعض أنها تمثل ضغطاً هائلاً على الرئيس الأمريكي، حيث يمكن أن ينتهي الأمر بعزله، بينما يرى البعض الآخر أنها يمكن أن تساعد على استقطاب كبير في المجتمع الأمريكي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وبين الناخبين الأمريكيين، وأن التأثير الأكبر في هذا الصدد ينجم من الدولة العميقة، ولذلك فقد وصف هذا الأمر من جانب البعض بأن هناك سلطة رابعة موجودة في الولايات المتحدة غير السلطات الثلاث المعروفة وهي لا تخضع لرقابة الشعب، وتحيطها درجة كبيرة من السرية ولا تخضع للمسؤولية ولا يسيطر عليها قادة الولايات المتحدة، أو الرؤساء الأمريكيون وتوجد في كل مكان في أرجاء البلاد. والمفارقة أو المأزق في هذا الوضع الذي تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل في أن هذه المؤسسات، والتي لا تخضع كما سبق القول لرقابة الشعب، هي مؤسسات ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي فهي رغم ما تثيره من مشاكل وتداعيات وتأزم سياسي في بعض الأحيان إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها، ووجودها يمثل ضرورة في النظام الأمريكي وهذه هي المعضلة الحقيقية.
ولعل التساؤل الأخير في هذا الإطار هو: هل يلجأ الرئيس ترامب إلى التورط في مغامرات عسكرية خارجية كوسيلة للتخلص من الأزمات السياسية والصراعات الداخلية؟، وهذا التساؤل نتوقع أن يجيبنا عنه المستقبل القريب.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"