علاج الأمراض العضوية بالقرآن أحدث أمراض الأمة

"تداووا عباد الله فإن لكل داء دواء"
13:45 مساء
قراءة 8 دقائق

شاعت في هذا العصر ظاهرة لم تعرف من قبل هي ظهور المتخصصين في العلاج بالقرآن، الذين يزعمون أنهم يستطيعون أن يعالجوا أي مريض عن طريق قراءة آيات معينة من القرآن عليه، وقد يستجيب بعض الناس فيشفون، بينما آخرون لا يؤثر فيهم هذا العلاج . وهذه الظاهرة التي تعتبر أحدث أمراض الأمة الإسلامية توسعت إلى حد فتح عيادات للعلاج بالقرآن لحالات استعصت على الأطباء، وإلى إنشاء مواقع على الإنترنت للعلاج بالقرآن والرقية الشرعية، ونال أصحابها شهرة في هذا المجال فاقت شهرة نجوم السينما .

الخليج فتحت ملف العلاج بالقرآن الكريم في محاولة لمعرفة آراء العلماء والخبراء في هذه المسألة .

في البداية يقول الدكتور رضا عريضة أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس: إن القرآن الكريم يمثل للبشرية منهج حياة كاملاً إن أخذنا بكل جوانبه في حياتنا سلمنا من الشرور وصلحت حياتنا وسلمنا نفسياً وبدنياً، وعلى سبيل المثال فإن المخالفة لتحريم الزنى في القرآن الكريم تؤدي بالمخالف إلى أمراض شديدة الفتك بالإنسان (الإيدز الزهري السيلان . . إلخ)، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والنفسية على مستوى الفرد والمجتمع ومخالفة أمر القرآن الكريم في مجانبة الزوجة عند المحيض يمثل الخطورة نفسها على صحة الرجل وقد ينتج في بعض الحالات مولود مشوه يصعب علاجه، بيت القصيد هنا أن كتاب الله يمثل الوقاية على المستويين النفسي والبدني ومخالفته تؤدي إلى أمراض متنوعة بدنياً ونفسياً .

والقرآن الكريم ليس كتاب طب نأخذ منه آيات معينة لنعالج بها مثلا شلل الأطفال أو سرطان الدم وغيرهما من الأمراض البدنية ذات المنشأ العضوي . وعلماء المسلمين من حملة القرآن الكريم، وهم أحفظ وأفهم للقرآن الكريم وكذلك أئمة الفقه والتفسير، لم يعالجوا أمراضهم البدنية بالقرآن الكريم .

موجات العقل

ويضيف: أرى أن هناك علاقة قوية بين قوة الإيمان بالله وتراجع الإصابة بالأمراض النفسية، وكثير منها له أعراض بدنية وبزوال السبب النفسي يزول الألم البدني وكثير من أساتذة الطب النفسي ناقشوا هذه القضية في دراسات تمكنوا من خلالها من تحديد وسائل الاعتماد على القرآن الكريم في العلاج حسب نوع المرض وأثبتوا أن نسبة كبيرة من الحالات يمكن شفاؤها فيما يتعلق بأمراض القلق والخوف والوسواس القهري وغيرها بدرجة تفوق أسلوب العلاج بالعقاقير .

وهناك من يرى أنه ثبت علمياً أن تلاوة القرآن الكريم وترتيله والاستماع إلى آياته والإنصات لها يعزز القوى العقلية، وأن الترددات العقلية الصادرة عن تلاوة القرآن الكريم تجعل العقل يصدر سلسلة من الترددات والطاقات تعرف علمياً باسم موجات العقل . وهذا يعني أن منهج الوقاية هو المنهج الأعم والأشمل في القرآن الكريم . وعلينا أن نعيد قراءة آيات النهي عن فعل أشياء وآيات الأمر بفعل أشياء لنجد أن حكمة الصانع الأعظم جل جلاله تتجلى في صيانة صنعته التي كرمها على جميع خلقه وهو الإنسان .

تأثير الحالة الاقتصادية

وتشير الدكتورة نجوى الفوال (خبيرة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية) إلى أن الحالة الاقتصادية تتحكم بشكل أساسي في لجوء طوائف عديدة من الناس في المجتمعات العربية بصفة عامة نظراً لارتفاع أسعار الأدوية إلى من يدعون القدرة من الدجالين على شفاء الأمراض عن طريق الاستعانة بكلام الله وهؤلاء وجدوا في هذه الطريقة مساحة وفرصة سانحة للترويج لتجارتهم التي اعتمدت على وسائل عديدة بعيدة في مضمونها كل البعد عن الدين، وفي هذا العصر الذي عمت فيه البلوى وطمست الحقائق جاء هؤلاء المعالجون بأدعية لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم، والمعالج يتفق مع أحد العطارين على أن يقرأ المعالج على كميات كبيرة من الماء ثم يضع هذه الكمية عند العطار ليبيعها باسمه حتى أصبح لكل شيخ زبائنه الذين يطلبون وصفته أو علاجه بالذات ومن ثم يتحول الأمر إلى خطر على الدين كله وليس رقية شرعية .

وتضيف د . نجوى الفوال: إن ظاهرة علاج الأمراض العضوية بالقرآن الكريم تعد تشويها لمعاني القرآن وتدل على الجهل والتمسك بالأسطورة داخل المجتمعات العربية التي ترى في العلاج بالقرآن وسيلة أرخص من الطب الذي ارتفعت أسعار علاجاته إلى حد كبير بل تفوق دخل الأسرة التي تحتاج بلا شك إلى توعية اجتماعية برغم ارتفاع معدل التعليم فيها، وهذه العوامل تتضافر لترسخ الظاهرة واللجوء لمعالج شعبي أو ما يسمى بالطب الشعبي الذي انتشر بطريقة مخيفة ومن دون دراسة أو تخصص، كما أن هناك تقصيراً من جانب الإعلام في القيام بدور التوعية وتبصير الناس بخطورة هذه الممارسات، فالقرآن يمد المسلم بالعديد من المعاني التي تريح القلب والروح وليس للاستخدام في علاج الأمراض التي عرفت أسبابها وطرق علاجها، ولابد لأمة المسلمين أن تنتبه إلى ضرورة الفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة وما فيهما ويجب أن نتعامل من خلال المنطق والمعطيات لدينا .

شفاء لأمراض الصدور

وعن وجهة نظر علماء الدين يقول الدكتور عبدالمعطي بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر: بداية فإن القرآن الكريم فيه هدى ونور وشفاء لأمراض الصدور يهدي الله تعالى به من يشاء من عباده وليس معنى أنه شفاء أن نترك التداوي فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التداوي، وأرشد إلى اختيار الماهر من الأطباء .

وصحيح أن الإسلام شرع لنا الاستعاذة بالله والرقى والدعاء، فالإنسان يرقي نفسه أو يرقي مريضه بقول: اللهم رب الناس اذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً . أو: أرقيك والله يشفيك، أو كما كان عليه الصلاة والسلام يرقي الأطفال الصغار مثل الحسن والحسين: أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . فالرقي والتعاويذ والأذكار والأدعية مشروعة، ولكن بجوار الأسباب المادية التي تكملها .

فلا يكفي المسلم أن يذهب إلى شخص يقول له: أقرأ عليك القرآن أو المعوذات أو آية الكرسي، ويكتفي بهذا . كيف ذلك إذا كان يعاني من مرض عضوي؟ فلابد من علاج هذا المرض وإذا كان مصاباً بفيروس فلابد من علاج هذا الفيروس، فهذا هو الذي شرعه الإسلام وعاشه المسلمون فنحن لم نر في الصحابة من فتح بيته، وقال أنا متخصص في العلاج بالقرآن، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد المعالجين وسيد أطباء الروح، لم يفعل هذا وإنما شرع الطب وشرع التداوي بما يعهده الناس .

وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بعض الأغذية فيها شفاء ودواء، مثل عسل النحل، بقوله تعالى: يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (النحل: 69) . ولكن المغفلين يقصدون من يزعمون العلاج بالقرآن، وهؤلاء المغفلون يصدقون كل ما يقال ولا يمتحنون الأمور بعقولهم، ويدفعون الأموال لمن يزعم علاجهم بالقرآن، أو إخراج الجن من أجسادهم، وقد رأيت مناظر فظيعة، مثل شخص يضرب ضرباً مبرحاً، وسمعنا عمن مات من الضرب على يد واحد من هؤلاء، كل هذا ليس من الإسلام الصحيح في شيء، إنما يمكن إذا سحر الإنسان أو نحو ذلك أن نعالجه بالاستعاذة والأذكار والرقى، على أن تكون معروفة ومفهومة، ولذلك اشترطوا في الرقية أن تكون باللغة العربية لا بلغات غير مفهومة أو بحروف مقطعة لا نعرف ماذا فيها، وبذكر الله تعالى وصفاته، فهذا هو الذي شرعه الإسلام .

أما هذه الظواهر التي ابتدعها الناس، فليست من هدي الإسلام، ولا من عمل الصحابة ولا من سلف الأمة في خير قرونها، وإنما هي بدعة اخترعها الناس في هذا العصر، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فالإسلام شرع لنا أن نذهب في كل أمر إلى خبرائه نسألهم عنه، ونستفتيهم فيه، سواء أكان في أمور الدين أم أمور الدنيا، كما قال تعالى: ولا ينبئك مثل خبير (فاطر: 14) كما قال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .

فهم ناقص

ويقول الدكتور عبدالصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة: إن العلاج بالقرآن في معناه المنتشر حاليا له شقان: شق يخص ما يتعرض له الإنسان من تغييرات نفسية وضيق وضجر فتأتي الرقية الشرعية بآيات من القرآن وذكر الله فيتحول التوتر والقلق إلى اطمئنان يقول تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وهذا شيء أجمع عليه العلماء ولا إنكار له لأن تلاوة القرآن وذكر الله يأتيان بالطمأنينة وراحة البال .

أما الشق الثاني، كما يقول الدكتور شاهين، فهو المبالغات التي نراها من بعض الناس المعالجين حيث إنهم يقيمون القرآن، وهو علاج معنوي لحالة الإنسان، مكان الدواء الحسي الذي يعالج الأمراض وهو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: تداووا عباد الله فإن لكل داء دواء إلا السام، ويلتقي الأمران عند المؤمن في أنه يسعى إلى الطبيب المعالج لتشخيص مرضه وعلته ويصف له الدواء اللازم لعلاجها وفي الجانب الآخر يأتي الدعم المعنوي الذي يزيد من قوة تحمل المريض ويعظم الأمل في قلبه فيحصل الشفاء بإذن الله .

ويضيف: أما أن نعالج الكلى والكبد والعين والقلب بقراءة آيات فهذا نقص في الوعي والفهم لأنه ضد ما يدعو إليه القرآن .

ويتساءل الدكتور عبدالصبور شاهين: هل يمكن أن تجلس في صحراء فتقرأ آيات من القرآن فتأتي المياه ويخرج الزرع . .؟ بالطبع لا . لأن الله علمنا أن فعل السبب طاعة وتركه معصية .

دجل واحتيال

وتقول الدكتورة آمنة نصير الأستاذة في جامعة الأزهر: أولا أرى أن العلاج بالقرآن فيه شفاء لما في الصدور يقينا، أما في حالة الأمراض العضوية فيجوز أن نقوم بالرقية الشرعية للمريض لكن مع الأخذ بالأسباب الدنيوية مثل استشارة الأطباء وتناول الأدوية التي تكون سببا في الشفاء، أما ظاهرة العلاج بالقرآن التي يتخذها البعض مهنة فهذا مخالف لطبيعته ككتاب نزل بالهدى ولا تقتطع منه الآيات لعلاج الأمراض المختلفة عند البشر، ويمكن لأي إنسان أن يصلي لله ثم يقرأ مباشرة من كتاب الله ولسنا في حاجة لمعالجين بالقرآن لحل أزماتنا ومشكلاتنا النفسية والعضوية، يقول الله عز وجل: ألا بذكر الله تطمئن القلوب .

وتؤكد الدكتورة آمنة نصير أن العلاج بالقرآن ظاهرة مرضية وفيها ردة عن المنهج الإسلامي الصحيح الذي يقول به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لكل داء دواء، وهذا يعني اللجوء إلى أهل الاختصاص من الأطباء وفق المنهج العلمي الذي يقدره الإسلام . . أما ما نراه في عصرنا هذا فإنما هو دجل ونصب واحتيال على السذج من البشر، فالقرآن الكريم هو علاج للأخلاق وبناء الإنسان وتوجهاته في الحياة وما يحدث الآن هو وسيلة لابتزاز الأموال بطرق غير مشروعة وكونهم يرفعون كلمة القرآن والعلاج بها فهو قول صدق ولكن تطبيقه خاطئ لأن العلاج بالقرآن هو علاج للأنفس وليس للجروح والأمراض، ومثل هذه الظاهرة تحدث عندما يتوارى العلم والعقل والثقافة الحقيقية ويدخل الناس في دائرة اليأس والإحباط، وفي بعض الأوقات يكون المرضى مهيئين نفسياً للذهاب إلى هؤلاء الدجالين، وعندما يقصدونهم تكون في داخلهم شحنة كبيرة من الثقة بما سمعوه عن هؤلاء الدجالين الذين دائما ما يستخدمون من حولهم لإشاعة الشهرة والسمعة ولديهم خبرة في اصطياد المرضى وفي بعض الأحيان تؤتي مساعيهم نتائج إيجابية .

وتخلص د . آمنة نصير إلى أنه من الضروري العودة للمنهج الإسلامي الصحيح وأن الرقية والدعاء مطلوبان في كل زمان ومكان، ولكنهما ليسا لعلاج الأمراض التي تحتاج لطبيب، ومقبول أن نداوي أنفسنا بقراءة القرآن أو تلاوة بعض آياته كرقية تهدئ من الروع وتدخل السكينة في القلوب وهذا الفعل لا يحتاج إلى وسيط بين العبد وربه ويمكن أن نفعل ذلك بأنفسنا ولا سيما أن الأمر يدخل في التحريم كذهاب النساء إلى هؤلاء الدجالين، ومن هنا كان درء هذه الذرائع أمرا ضروريا لحماية أعراض النساء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"