عين المخرج

04:07 صباحا
قراءة دقيقتين
محمدو لحبيب

في سنة 2008 وُجد الكاتب الروائي الأمريكي ديفيد فوستر والاس منتحراً في منزله بولاية كاليفورنيا، كان الخبر مفاجئاً وصاعقاً للكثيرين، فالكاتب الذي يوصف بأنه من بين ثلاثة من أعظم الروائيين في تاريخ الأدب الأمريكي، والبالغ من العمر عند موته 46 سنة، لم يكن يعاني أية مشاكل في حياته، فقد كان مدرساً في كلية بومانا بكالفورنيا لمادة الكتابة الإبداعية، مما يؤشر على وضعه المالي المستقر، كما كان ظريفاً بارعاً في النكتة والكتابة الساخرة الهزلية.
ظل الأمر غامضاً فلا تفاصيل كشفت مبررات الحدث المؤلم، غير أن عدسة السينما أصرت على أن تفتش في ثنايا شخصية والاس لتحاول تفسير اللغز، ولتقدم لنا صورة وافية عنه.
هنا يطرح السؤال الذي يبرز بعيداً عن المأساة، وتفاصيل شخصية صاحبها، والذي يهمنا بالأساس في هذه العجالة وهو: كيف أبصرت العدسة شخصية الكاتب الروائي، وكيف قدمتها؟، وما القالب الذي اختارته لذلك؟، وهل طغى الخيال الدرامي والاهتمام بمكونات الشخصية العامة التي تتقاطع فيها مع العديد من البشر، على الحقيقة التي كانت عليها تلك الشخصية في واقعها؟
وقبل أن نستعرض قصة الفيلم المعنون ب«نهاية الرحلة» والذي أنتج سنة 2015 عن حياة الروائي والاس، يمكننا أن نؤكد أن تلك الأسئلة ليست حصرية ومتعلقة بذلك الفيلم وسرديته الذاتية فقط؛ بل هي عمومية تصلح كمدخل للنظر في علاقة السينما بتجسيد حياة الأدباء بشكل عام.
إن معظم الأدباء في العالم يمتلكون شخصيات خاصة وربما مأزومة، فبرغم أنهم يقدمون عشرات ومئات الشخصيات المنتمية إلى كل تركيبات مجتمعاتهم، ويبرزون معظم الصور الإنسانية والحالات الإشكالية النفسية لبعضها، ويقدمون تحليلاً سردياً وافياً لها، إلا أنهم يبقون في معظمهم حالات إنسانية غريبة.
ويحدث كثيراً أن نصادف كاتباً مشهوراً؛ لكنه انعزالي عن الناس، ويمتلك حياة خاصة غريبة الأطوار، ويحيط نفسه بسياج لا يمكن للكثيرين أن يتعرفوا من خلاله إلى شخصيته وطريقة تعامله مع يوميات الحياة.
لقد كان والاس واحداً من هؤلاء.
قدم لنا الفيلم «نهاية رحلة» حكاية حقيقية جرت عندما قرر الصحفي دافيد ليبسكي أن يجري حواراً مطولاً مع الكاتب والاس، ونجح في الحصول على موافقته على ذلك، ومن ثم رافقه في رحلة كشفت للمشاهد معظم محطات حياة الكاتب الشهير، إضافة إلى آرائه في معظم الأشياء من حوله.
ولم يسلم الفيلم كعادة صنّاع الدراما في ذلك من استغلال كل ما من شأنه أن يحقق الإثارة والتشويق، فكان أول مشهد فيه هو خبر انتحار الكاتب ولاس والذي يتلقاه الصحفي ليبسكي بشكل مفاجئ، لتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى استعراض بدايات تفكيره في إجراء الحوار مع والاس.ويمكن القول عن طريق مقارنة الفيلم مع عدة أفلام أخرى تتناول السير الذاتية لبعض الأدباء والكُتاب سواء كانوا مشهورين أو أقل شهرة، أن أسلوب تقديم الأدباء عبر العدسة السينمائية لم يكن معتمداً على نهج واحد.
مختصر القول إن العدسة في تناولها لحياة الأدباء، ظلت كما هي وفية لتقاليدها، فهي بالأساس عين المخرج التي يُرَي بها المشاهد ما يريده هو لا غير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"