قمة السيسي- بوتين.. تعزيز العلاقات بوتيرة أسرع

03:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.محمد فراج أبو النور

مثلت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا 15-17 من أكتوبر الجاري، خطوة مهمة على طريق تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو والقاهرة، وانتهت الزيارة بتوقيع الرئيسين «اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي» بين مصر وروسيا التي عكست مستوى التطور الكبير في علاقات البلدين في مختلف المجالات، ووضعت أساساً لتطور هذه العلاقات وتعزيزها بصورة أكبر، وبمزيد من الفاعلية، ووتيرة أسرع.
جاءت زيارة السيسي في الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا، ومعروف أن العلاقات المصرية - الروسية شهدت فترات مختلفة من الازدهار والفتور، الذي وصل أحياناً إلى حد القطيعة أو ما يشبهها، كما حدث في النصف الثاني من السبعينات، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.. إلاّ أنها تشهد حالياً مرحلة ازدهار كبير منذ ثورة 30 يونيو 2013، التي أيدتها روسيا بقوة منذ لحظتها الأولى، وأبدت استعدادها لتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري اللازم لمصر. بينما ناصبت الدول الغربية الكبرى - وفي مقدمتها الولايات المتحدة - ثورة 30 يونيو العداء، وفرضت على مصر عقوبات مختلفة، وأبدت دعمها لحركة «الإخوان».
وفرض هذا الموقف الغربي على مصر، ضرورة تنويع خياراتها الاستراتيجية، وعدم حصر رهاناتها في الغرب الذي رفض إرادة الشعب المصري.. فاتّجهت القاهرة لمد جسور التعاون باتجاه الشرق - روسيا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم بغية إقامة علاقات متوازنة، وتلبية الاحتياجات الدفاعية والاقتصادية للبلاد، خاصة أن مصر واجهت في تلك الفترة هجمة إرهابية ضارية، كان لابد من مواجهتها بحسم لإنقاذ البلاد من خطر فادح محدق بها.
في هذا السياق التاريخي، بدأت المرحلة الراهنة من العلاقات المصرية التي استندت إلى أساس من التوافق الشامل في الموقف من الإرهاب، باعتباره الخطر الأساسي على السلام والأمن في منطقتنا وفي العالم بأسره.. ومن ثم ضرورة دحره عبر مواجهة شاملة عسكرية - أمنية - سياسية - اقتصادية - ثقافية - فكرية. وبناءً على ذلك كان اهتمام كل من القاهرة وموسكو بضرورة فتح أوسع الأبواب أمام تعزيز علاقات التعاون العسكري - الأمني «المخابراتي» والسياسي والاقتصادي بينهما، علماً بأن مصر لم تطرح علاقاتها بروسيا - أو بغيرها من الدول - كبديل أو نقيض لعلاقاتها بالولايات المتحدة أو الدول الغربية الكبرى، وقد أدت نجاحات مصر في سياستها الخارجية وفي مواجهتها للإرهاب، إلى دفع عدد كبير من الدول الأوروبية - فرنسا وألمانيا وإيطاليا - إلى مراجعة موقفها من ثورة 30 يونيو ونظام الحكم الذي جاء نتيجة لها، وأخذت علاقات هذه الدول بالقاهرة، تعود إلى طبيعتها تدريجياً.
كان تعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية في مواجهة الإرهاب - وأي أخطار خارجية أخرى - مهمة تتسم بأولوية قصوى، وتم في سياق الزيارات المكثفة المتبادلة على مستوى القمة وعلى مستوى وزراء الدفاع والقيادات العسكرية العليا الاتفاق على تزويد القوات المسلحة المصرية «الجوية والبحرية والبرية وقوات الدفاع الجوي» بصفقات كبيرة من الأسلحة الروسية المتطورة، فضلاً عن صيانة وتحديث الأسلحة الروسية «السوفيتية» الموجودة لدى القوات المسلحة منذ العهد السوفيتي، والقادرة على إنجاز مهمات محددة.
وبين هذه الأسلحة «48» طائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز «ميج 29 إم 2» وهي من طائرات الجيل الرابع «وتشتهر باسم «سياركا».. ومنها أيضا طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز «كا - 52 كا» الشهيرة وطائرات النقل العسكرية من طراز«سي - 16».
ومن أهم أسلحة الدفاع الجوي التي زودت روسيا بها القوات المسلحة المصرية، منظومة الدفاع الجوي قصيرة المدى «تور إم 2» ومنظومة «بوك إم 2» متوسطة المدى والأهم منظومة «انتاي - 2500» التي يعتبرها الخبراء نسخة مخصصة للتصدير من صواريخ «إس - 300 في 4» طويلة المدى.
كما دعمت روسيا القوات البحرية المصرية بالسفينة الصاروخية المتطورة «مولينا - آر 32» وقد حصلت مصر على هذه السفينة كهدية من روسيا 2016.
والأهم من ذلك أن روسيا اختارت مصر لتتسلم حاملتي الطائرات الهيلكوبتر من طراز «ميسترال» فرنسية الصنع، بعد أن امتنعت باريس عن تسليمهما لموسكو بسبب العقوبات الأوروبية على خلفية الأزمة الأوكرانية وتم الاتفاق على تزويد روسيا لمصر بحوالي «50» طائرة هليكوبتر هجومية «كا - 52» الشهيرة باسم «التمساح» المقرر تسليح الحاملتين بها.
أما بالنسبة للقوات البرية، فقد تم الاتفاق على تسليم «500» دبابة من طراز«تي - 90» حديثة إلى مصر، كما يجري التفاوض على تقديم تكنولوجيا لتجميع هذه الدبابة في مصر.
وهناك أيضاً معدات للقصف والرؤية الليلية وغيرها من المعدات بالغة الأهمية لمكافحة الإرهاب.
وعلاوة على تبادل المعلومات والخبرات المخابراتية، تجري مناورات مشتركة لتبادل خبرات مكافحة الإرهاب بالتبادل بين الأراضي المصرية والروسية تحت اسم «حماة الصداقة» تجري دورتها الثالثة هذه الأيام «حماة الصداقة - 3» في مصر وتنتهي غداً في 26 أكتوبر/ الجاري.
أمّا على الجانب الاقتصادي؛ فقد شهد التبادل التجاري بين مصر وروسيا نمواً متسارعاً بصورة لافتة للنظر.. فقد زاد بنسبة الثلث إلى «6.7» مليار دولار خلال عام 2017 مقارنة بالعام السابق له.. وينتظر أن يزيد هذا العام بنسبة «2%» كما اتفق الرئيسان خلال الزيارة الأخيرة، على التسريع ببدء مفاوضات انضمام مصر إلى منطقة التجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوراسي الذي تقوده روسيا، ويضم كازاخستان وبيلاروسيا وقيرغيزيا وأرمينيا.
ويمثل الاتفاق على إقامة محطة الضبعة النووية، «نقلة نوعية» في التطور الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي في مصر - حسب تعبير الرئيس السيسي - ما يمثله من توطين لتكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة النووية.. وقد تم الاتفاق - أثناء الزيارة - على تسريع العمل بالمحطة.
التفاهم السياسي العميق بين البلدين انعكس في توقيع «مذكرة التفاهم السياسي والاستراتيجي» بين وزيري الخارجية سامح شكري ولافروف، كما انعكس في بياني الرئيسين بعد القمة وما تضمنه من تأكيد على ضرورة هزيمة الإرهاب في المنطقة، ومواصلة جهود التسوية السياسية في سوريا، على أساس القرار الدولي «2254» وعدم السماح بتسريب الإرهابيين من إدلب إلى الدول المجاورة، بما يمثله ذلك من خطر فادح، وكذلك إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وبمرجعية المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية. وإقامة العلاقات بين الدول عموماً على أساس احترام استقلالها وسلامة أراضيها وقواعد القانون الدولي.
ولا شك أن كل ما ذكرناه يسمح لنا بالقول، إن زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى روسيا تمثل دفعة قوية لعلاقات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"