كوريا الشمالية.. الصواريخ أولاً

03:12 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال *

أعلنت القيادة الكورية الشمالية ممثلة في الزعيم كيم جونج أون، في منتصف ديسمبر(/كانون الأول 2019 رفضها للتسويف والمماطلات الأمريكية في عملية التفاوض الثنائي بشأن تجميد ووقف برامجها للتجارب النووية وتطوير الصواريخ الباليستية.
كانت بيونج يانج أمهلت الإدارة الأمريكية حتى بداية 2020 لمعاودة التفكير الجدي في أجندة التفاوض مع كوريا الشمالية، وتجميد العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية؛ لضمان تحقيق أهداف عملية التفاوض بينهما. غير أن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب تجاهلت تماماً المطالب الكورية الشمالية، وتبنت وجهة نظر؛ مفادها مواجهة كوريا للعديد من الضغوط الإقليمية والداخلية التي ستفرض عليها تجميد كافة برامجها العسكرية من دون قيام الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين - (كوريا الجنوبية واليابان) - بتقديم أية تنازلات أو «حوافز تشجيعية» لكوريا الشمالية؛ للوصول إلى هذا الهدف. ويمكن سرد هذه الأوهام والتقديرات الأمريكية الخاطئة، وخطوات كوريا الشمالية؛ للتعامل معها، واستئناف برامج تطوير قدراتها العسكرية؛ وفقاً لما يلي:

الجهود العسكرية أولاً

1- الضغوط الاقتصادية: واجهت كوريا الشمالية ضغوطاً اقتصادية صعبة؛ نتيجة تجميد العلاقات التجارية الخارجية الكورية مع كل من الصين وروسيا، وتراجع عائدات تحويلات المواطنين الكوريين الشماليين في الخارج، لاسيما في الصين وروسيا ودول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي؛ غير أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، استبق هذه التطورات السلبية بقيامه في نهاية ديسمبر/‏كانون الأول 2019 بتحذير القادة الرئيسيين لحزب العمال (الحاكم) - خلال الدورة العامة للحزب - من أن بلاده تشهد «وضعاً اقتصادياً خطراً»؛ ما يستدعي من كافة مسؤولي الحكومة والحزب عدم تعطيل البرامج العسكرية بدعوى تلبية الاحتياجات المدنية؛ وتدبير كافة الموارد التي تكفل كفاءة استئناف هذه البرامج وفقاً للتوقيت الذي يحدده الزعيم الكوري.
وقد واجهت كوريا الشمالية إلى جانب الضغوط الداخلية، رفض اليابان والولايات المتحدة والدول الأوروبية للمطالب والمقترحات الصينية الروسية المقدمة لمجلس الأمن الدولي، بتخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على كوريا الشمالية التي اعتبرت بدورها المواقف والتوجهات السابقة وسيلة لابتزازها.

ضغوط على الصين

2- انشغال الصين الحليف الاستراتيجي بقضايا التفاوض مع الولايات المتحدة:
مارست الولايات المتحدة ضغوطاً هائلة على الحكومة الصينية في جولات تحرير التجارة بينهما؛ لوقف دعمها ومساندتها للحكومة الكورية الشمالية، والذي غلب عليه قيام الشركات الخاصة الصينية بخرق العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية؛ وطالبت الإدارة الأمريكية الحكومة الصينية بغلق حدودها، وتجميد المبادلات التجارية والفنية والسياحية مع كوريا الشمالية كمخرج أو كسبيل لوقف التداعيات السلبية لأزمة انتشار وباء «كورونا» في الأراضي الصينية والذي فرض على الحكومة الصينية وقف مساعدتها الخارجية ومنها تلك الموجهة إلى كوريا الشمالية إلى جانب وقف حركة الطيران والسفر بين الدولتين.

وباء «كورونا»

3- مشكلة «كورونا» والتعامل معها:
في منتصف يناير/‏كانون الثاني 2020 استشعرت الحكومة الكورية الشمالية خطورة انتقال وباء «كورونا» لأراضيها من الحدود الصينية، خاصة في ظل معاناة قطاع الصحة بتواضع إمكاناته في مواجهة الأمراض سريعة الانتشار؛ مثل: «كورونا»؛ لذا أعلنت كوريا الشمالية عن إغلاق حدودها أمام السياح الصينيين كإجراء وقائي؛ لمنع وصول الفيروس من الصين المجاورة، ما حرم كوريا الشمالية من عائد ضخم بالعملات الصعبة؛ نظير قضاء ثمانية ملايين ليلة سياحية صينية في كوريا الشمالية طبقاً لإحصاءات عام 2019. وسرعان ما امتد حظر استقبال كوريا الشمالية للسائحين للدول الغربية ومنها الدول الأوروبية؛ وفاقم من التداعيات السلبية لوباء «كورونا» معاناة القطاع الصحي في كوريا الشمالية من نقص مزمن في الأدوية.
غير أن معالجة الحكومة الكورية الشمالية لأزمة وباء «كورونا» كانت موضع إعجاب وتقدير عدة مؤسسات دولية؛ لنجاحها في إطلاق نظام الطوارئ الوطني ضد فيروس «كورونا» المستجد، وتعزيز الرقابة على الحدود، وجهود الحجر الصحي ضد الوافدين من الصين، وفحص جودة المياه في جميع أنحاء البلاد.
ويبدو أن النجاح الكوري الشمالي في التعامل مع وباء «كورونا» كان سبباً في قيام الحكومة اليابانية في نهاية مارس/‏آذار 2020 بالبدء في فحص العلاقة المحتملة بين تفشي فيروس «كورونا» في كوريا الشمالية، وتسارع وتيرة انتشار تجارب بيونج يانج الصاروخية؛ حيث ذكرت وسائل إعلام يابانية أن وزير الدفاع، تارو كونو، أوعز بإجراء تحليل للمعلومات الخاصة بالإطلاقات الصاروخية الأخيرة التي قامت بها بيونج يانج خلال مارس/‏آذار 2020 ومدى ارتباطها بالأنباء عن تفشي جائحة «كورونا» في كوريا الشمالية.

تطوير الصواريخ

اعتبرت الحكومة الكورية الشمالية في منتصف ديسمبر/‏كانون الأول 2019 رفض الإدارة الأمريكية المهلة التي حددتها لتقديم تنازلات من واشنطن في المحادثات النووية المتوقفة، مع إدراكها التام لإمكانية قيام كوريا الشمالية «بعمل كبير في الأيام المقبلة»؛ ومطالبتها بالانصياع لقرارات مجلس الأمن بنزع سلاحها النووي، وإنهاء برامج تطوير الصواريخ الباليستية، استفزازاً وإهانة كبرى، تستدعي الرد عليها باستئناف برامجها العسكرية، والتي جاءت أولى خطواتها في نهاية يناير/‏كانون الثاني 2020؛ عبر إجراء تجربة في منشأة للأقمار الصناعية ومحركات الصواريخ؛ لتعزيز قدراتها في مجال الردع النووي الاستراتيجي .
وفي إطار السعي لتطوير سلاح استراتيجي كوري شمالي جديد؛ قامت وزارة الدفاع الكورية خلال شهر مارس/‏آذار 2020 بإجراء أربعة اختبارات لصواريخ باليستية عابرة القارات، وهو النوع الذي توقفت عن إطلاقه منذ 2017، وصواريخ باليستية متوسطة وقصيرة المدى سقطت جميعها في البحر، قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية غير أن التطور الأبرز في هذه التجارب هو القيام في 30 مارس/‏آذار 2020 باختبار نظام إطلاق جديد لقاذفات صواريخ متعددة الفوهات وفائقة الضخامة قبل تسليمه إلى الجيش الشعبي الكوري.
على الرغم من صيحات التنديد الدولية عموماً والأمريكية والأوروبية واليابانية بصفة خاصة بالتجارب الصاروخية الكورية؛ إلا أن مسؤولي كوريا الشمالية يرون أن استئناف الحوار الكوري الأمريكي لن يكون ممكناً إلا إذا «وافقت (واشنطن) تماماً» على المسائل التي طرحتها كوريا الشمالية في محادثات سابقة، ويشككون في احتمال قبول الولايات المتحدة بهذه المطالب، ويدركون تماماً المسار الذي يجب عليهم سلوكه وبطريقتهم؛ لتحقيق السلم والأمن في شبه الجزيرة الكورية.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"