“إرهاب إيبولا” يجتاح غرب إفريقيا

01:55 صباحا
قراءة 6 دقائق
أميرة محمد عبدالحليم
يبدو أن إقليم غرب إفريقيا سيظل يحافظ على خصوصيته التي تميز بها عبر العقود المختلفة، فكما كان مهداً للحضارات قبل الحقبة الاستعمارية، ثم أصبح مركزاً للانقلابات العسكرية بعد رحيل الاستعمار، ثم انحدرت دوله في حروب أهلية ميزت حقبة التسعينات من القرن الماضي، إلى أن أصبح ساحة من أهم ساحات التنافس الدولي والإقليمي على الموارد والنفوذ في إفريقيا .
جاء وباء "إيبولا" الذي انتشر على نحو غير مسبوق خلال الشهور الأخيرة في دول الإقليم مخلفاً المئات من القتلى، ليطبع على إقليم غرب إفريقيا سمة جديدة تضاف إلى سماته المميزة، وليصبح أحد البؤر التي يضعها العالم تحت المجهر ويرقب تطوراتها ولكن هذه المرة، تتسابق القوى الدولية والإقليمية للابتعاد عن هذا الإقليم وتجنب انتقال هذا الوباء إلى أراضيها، بعد انتشاره على نحو واسع في ثلاث دول بالإقليم هي سيراليون وليبيريا وغينيا، ولحقت بها نيجيريا، ثم السنغال، في ظل إعلان منظمة الصحة العالمية عجزها عن مواجهة هذا الوباء القاتل الذي حصد أرواح 1552 شخصاً، من بينهم 120 من الأطباء والمسعفين، وادى إلى اتخاذ العديد من دول العالم ترتيبات وقائية على أعلى المستويات، بل واتجهت الدول الموبوءة إلى اعتماد تدابير للحد من انتشار الوباء وحماية السكان الذين أصبحوا محاصرين بين الإجراءات الحكومية لمواجهة الوباء، ومخاوف الإصابة به .
حيث اتضحت تداعيات انتشار هذا الوباء على مستويات عدة، فعلى المستوى السياسي، أدى تفشي وباء "الإيبولا" إلى تبني مجموعة من القرارات التي لها انعكاساتها على الداخل والعلاقات بين دول غرب إفريقيا والعالم الخارجي، حيث أعلنت بعض الدول الموبوءة حالة الطوارئ، فأعلنت كل من سيراليون وليبيريا هذه الإجراءات لمواجهة أخطر موجة للوباء أو ما يطلق عليه الحمى النزفية منذ اكتشافه في عام ،1976 وفي ليبيريا، تلقى الجيش أوامر بالحد من تنقل السكان وحراسة مداخل العاصمة مونروفيا والقادمين من المحافظات المصابة، ما أدى إلى تعلق مئات خلف حواجز الجيش بين المحافظات الشمالية ومونروفيا، كما أغلقت المدارس وتم إعطاء الموظفين غير الأساسيين إجازة إلزامية لمدة 30 يوماً، وتم تطهير الأماكن العامة وعلقت الحقوق الدستورية لمدة 90 يوماً، وفي تطور لاحق قامت رئيسة ليبيريا الين جونسون سيرليف بإقالة كافة المسؤولين الحكوميين الذين فروا من البلاد خوفاً من الإصابة بالمرض، وفي سيراليون نشر 750 جندياً و50 ممرضاً عسكرياً لفرض العزل الصحي على المراكز الصحية التي تستقبل المرضى، خصوصاً في الشرق على الحدود مع غينيا وليبيريا، ووافق برلمان سيراليون بالإجماع في جلسة استثنائية على قرار الرئيس ارنست باكوروما فرض حالة الطوارئ من 60 إلى 90 يوماً في الأول من أغسطس/آب . كما أقال رئيس سيراليون وزيرة الصحة لفشلها في منع انتشار المرض .
كما قامت دول العالم بإجلاء رعاياها من الدول المصابة بالوباء، واتخذت إجراءات وقائية في المطار عند استقبال أي مواطن من هذه الدول، وأغلقت دول الإقليم حدودها مع هذه الدول فتوقفت حركة السلع والأفراد عبر الحدود .
وفي الوقت الذي يجتاح هذا المرض أكثر دول العالم فقراً وعدم استقرار، تتضاعف آثاره الاقتصادية سواء ما يرتبط بها بدخول واحتياجات المواطنين أو بالدخل المحلي ومستوى النمو في الدولة، حيث يتميز إقليم غرب إفريقيا بارتفاع معدلات الأمية وانتشار الأمراض، ومنها الأمراض المعدية كالتيفوئيد والكواليرا وشلل الأطفال، وكل الأمراض المنقولة عبر السلسلة الغذائية والمياه، كما يعاني الإقليم تهديدات الجماعات الإرهابية، وأبرزها جماعة "بوكو حرام"، في حين تحاول بعض دوله كسيراليون وليبيريا تجاوز سنوات الحرب الأهلية والانتقال من مجتمعات ما بعد الصراع إلى مستوى الحكومات المستقرة .
كما ينتشر هذا المرض في الوقت الذي يحتفل فيه الإقليم بصعود الاقتصاد النيجيري الذي أصبح الأكبر في إفريقيا، محققاً ناتجاً محلياً وصل إلى 510 مليارات دولار ليتجاوز دولة جنوب إفريقيا التي احتلت المركز الثاني بناتج محلي 353 مليار دولار، كما تحاول سيراليون جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الماس ونمو ناتجها المحلي بنسبة 1 .20% من عام 2012 إلى عام ،2013 في حين جاء نمو الناتج المحلي لغينيا متواضعاً بنسبة 2% .
وقبل انتشار وباء "إيبولا" كانت ليبيريا وسيراليون تحققان نمواً مثيراً للإعجاب، وكانت توقعات صندوق النقد الدولي لنموهما هذا العام بنسبة 9 .13 % بالنسبة لسيراليون، و9 .8 % بالنسبة لليبيريا، فلدى هذه الدول تاريخ قاس من الحروب الأهلية، كما كانت توقعات النمو بالنسبة لغينيا تصل إلى 5 .4% وهذا جيد .
وكل هذه الإيجابيات طغى عليها تداعيات انتشار "إيبولا" في الإقليم، ووفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي لغينيا سينكمش بنسبة تتراوح بين 5 .3 و5 .4 % هذا العام، حيث سيؤثر انتشار "الإيبولا" في القطاع الزراعي والتجارة الإقليمية، كما يؤكد وزير المالية الليبيري أمارا كونيه أن الانخفاض في الناتج المحلي لبلاده سيصل إلى 9 .5 % نتيجة لتفشي المرض .
ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يؤدي انتشار المرض إلى اضطرابات اقتصادية، خاصة في قطاع النفط والغاز والتعدين في غرب إفريقيا، لأن أي انخفاض في إنتاج المواد الخام سيترجم سريعاً إلى تدهور اقتصادي ومالي، خاصة في ظل رحيل العمالة الوافدة والشركات متعددة الجنسية، إلا أن التداعيات الاقتصادية لا يمكن تحديدها بشكل دقيق حتى الآن، فعلى سبيل المثال انتشر مرض السارس في عام ،2003 وقتل 800 شخص وأدى إلى خسائر تقدر ب 50 مليار دولار كأضرار لحقت بالاقتصاد العالمي، إلا أن "إيبولا" قد يكون الأسوأ .
فقد يؤدي انتشار المرض إلى توقف التجارة الإقليمية البينية، كما ستتوقف حركة عبور السلع والأفراد عبر الحدود، أما العملاق الاقتصادي في غرب إفريقيا نيجيريا، فيتوقع الخبراء أن يتقلص النمو فيها بنسبة 1%، كما سيكون له تأثير في قطاعات السفر والزراعة والطاقة حيث تشكل عائدات قطاع الطاقة 96% من عائدات التصدير النيجيرية، فقد أصاب المرض حتى الآن 15 مواطنا في نيجيريا وقتل أربعة مما يستنتج منه المستثمرون أنها لم تعد مكانا آمنا لأموالهم، وشهدت نيجيريا نموا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 64 .3% في الربع الأول من عام 2013 وزاد هذا المعدل خلال نفس الفترة من عام 2014 إلى 7 .6%، إلا أن انتشار "إيبولا" مع تصاعد تهديدات "بوكو حرام"، يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ هذا النمو، فقد انخفضت السلع الاستهلاكية بنسبة 4 .3 % بسبب أزمة "بوكو حرام" .
كما سيؤدي انتشار المرض إلى صعوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا يعني استمرار التراجع في هذه الاستثمارات فوفقا لتقرير الاستثمار العالمي لعام ،2013 ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، سجل إقليم غرب إفريقيا تراجعاً في الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 5% في عام ،2013 من 6 .17 مليار دولار إلى 8 .16 مليار دولار . وتظهر التأثيرات المضاعفة لانتشار المرض في البلدان الخارجة من الصراع، حيث تعاني ضعف المؤسسات السياسية والبنية التحتية والصحة العامة والفساد .
أما تداعيات انتشار "إيبولا" على المستوى الاجتماعي، فهي تظهر في حالات هجرة السكان هروباً من المناطق المصابة، خاصة المزارعين، حيث ينتشر المرض في المناطق الريفية والمدن المكتظة بالسكان، كما تتأثر الحريات العامة بهذا الوباء وخاصة حرية التجمع، بل ينظر بعض المواطنين لهذا المرض بأنه يمثل اختراقا لمجتمعاتهم ويمنع ممارساتهم العرفية والثقافية ومنها المصافحة ولمس جثامين الموتى لتوديعهم، لذلك تنتشر الشائعات في بعض المناطق بأن هذا المرض ما هو إلا خدعة أو أكذوبة تدعيها السلطات الحاكمة، أو أن هذه السلطات قامت بوضع هذا الفيروس في المياه ليصاب به المواطنون، أو أن الغربيين هم من جاؤوا بهذا الفيروس للبلاد، ويصدق البسطاء هذه الروايات في ظل انتشار الجهل والأمية، بل ويهرب البعض من مراكز العلاج، وهذا ما شهده أحد هذه المراكز في العاصمة الليبيرية مونروفيا، كما يحاول البعض تلقي العلاج بالاعتماد على بعض الخرافات مثل شرب المياه المالحة أو "دماء التماسيح" التي أودت بحياة بعض الأشخاص في نيجيريا، في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء عدم تجاوز التقاليد المحلية والتركيز على العدالة الاجتماعية كهدف في مسارات استجابة المريض للعلاج .
ومع انتشار الأمية وتهالك أو اختفاء البنية التحتية الصحية السليمة تتعثر جهود منظمة الصحة العالمية والحكومات الوطنية في مواجهة المرض، وقد أعلن البنك الدولي تقديم دعم مالي للدول الثلاث الأكثر تضرراً من المرض في غرب إفريقيا حيث يقدر هذا الدعم ب 200 مليون دولار، وهذه الأموال من المتوقع أن تستخدم في شراء الأدوية ودعم القطاع الأمني الذي يحول دون تنقل السكان، ودعم وسائل الإعلام التي يتطلب منها توعية المواطنين بكيفية مواجهة المرض .
ويبقى الأمل معقوداً على رحمة الله وإرادة المواطنين في إقليم غرب إفريقيا وتعاونهم مع السلطات الحاكمة والمسؤولين في مجال الصحة، وكذلك الأطباء والمعالجين الدوليين في محاولة منع انتشار المرض، خاصة بعد تمكن فريق طبي من التوصل إلى أحد الأمصال أطلق عليه اسم "زيماب" "ZMapp" تمت تجربته على مجموعة من القرود ولم تنفق، على الرغم من إصابتها بالمرض، إلا أن تأثيراته في البشر لم تثبت حتى الآن .

* باحثة متخصصة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"