“الأفيوفوبيا” هلع من الطيران

عدد كبير من الناس يرفضون التحليق
13:34 مساء
قراءة 7 دقائق

طوال حياته لم يحب الصحافي الألماني كارستن كراماركزيك الذي يعمل في احدى المجلات بمدينة تشراشيم، ركوب الطائرة أو القيام بأي رحلة جوية، فمنذ طفولته لم ترق له على الاطلاق فكرة الجلوس مع آخرين في مقاعد متجاورة في أنبوب معدني ضخم طويل يحلق في الأجواء، محمولاً على الأثير منطلقاً بسرعة تقترب من سرعة الصوت أحياناً، وكان مجرد أن تطرق هذه الفكرة ذهنه كفيل بارتجافه وارتعاد فرائصه رعباً.

ورغم موقفه الذي تمسك به طوال حياته إلا أن كراماركزيك اضطر قبل أربعة أعوام لاستقلال الطائرة والسفر في رحلة جوية من برلين إلى برشلونة، حيث ظل طوال الرحلة فريسة للذعر والمخاوف والتفكير في كيفية سقوط الطائرة وتحطمها، وكم سينجو من ركابها، وما إذا كان هو من الموتى أو الناجين، ولم يكرر تلك الرحلة بعد ذلك قط.

واستناداً إلى استطلاع للرأي شاركت فيه صحيفة يو. إس. إيه توداي ومحطة التلفزيون الأمريكية سي. إن. إن، ومعهد غالوب المتخصص في استطلاعات الرأي، وتم اجراؤه عام ،2006 فإن 27% من الأمريكيين البالغين يخشون بشكل أو آخر ركوب الطائرة أو التحليق في الأجواء، بينما يقول 9% إن الرعب الشديد يتملّكهم لذلك.

وفي استطلاع سابق أجراه معهد غالوب مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول ،2001 التي تعرضت لها الولايات المتحدة، تبيّن أن 43% تتراوح مشاعرهم بين القلق والتوتر والخوف، بشأن ركوب الطائرة، بينما قال 17% إن الهلع والخوف الشديد يستبد بهم ويسيطر عليهم.

ويرجع الخوف من ركوب الطائرات والتحليق في الجو، والمعروف اصطلاحاً بأفيوفوبيا أو أفياتوفوبيا إلى شعور الشخص بقدر كبير من التوتر وإحساس قوي ومتزايد بالقلق، يدفعه إلى رفض السفر بالطائرة، ويوصله إلى قناعة بأن ذلك سيكون خطيراً ويسبب له توتراً وضغطاً نفسياً شديداً.

ويقدر الخبراء نسبة من تسيطر عليهم هذه المشاعر والمواقف من الأمريكيين ب10% على الأقل أي أنهم يعانون من فوبيا الطائرة أو الجو، كما يظن هؤلاء ويتوهمون أن الطائرة سوف تسقط وتتحطم حتماً أثناء وجودهم على متنها، وستكون نهايتهم موتاً قاسياً لشدة المخاوف التي تسيطر عليهم، وفي حالات متقدمة وصعبة يستولي الذعر الشديد والدائم على أصحابها ويصبحون فريسة لشعور مفاجئ بالقلق والتوتر يصحبه ضيق في التنفس وآلام في الصدر، وغثيان في النفس ودوار ودوخة في الرأس، كما يتقيأ بعضهم لمجرد أقل حركة في الطائرة أو منظر لها، ويؤدي هذا الخوف الشديد في حال استمراره طويلاً إلى إنهاك وإرهاق جسدي وضعف وهزال، اضافة إلى أنه يمنع الشخص من السفر جواً لمسافات بعيدة أو لقضاء اجازة أو رؤية الأسرة والأقارب أو الأصدقاء، إلى جانب أنه يعيق المرء عن أداء مهامه الوظيفية والقيام بالأعمال المطلوبة منه مهنياً، والتي تقتضي السفر.

ولكن ولحسن الحظ هناك أساليب وطرق عديدة تساعد في معالجة فوبيا الطيران والأجواء وتخفيفها أو التعايش معها أو التخلص منها تماماً، ومنها أسلوب افعل ذلك بنفسك، وأقراص وأشرطة دي. في. دي، تتضمن إرشادات ونصائح ومناقشات وآراء حول اجراءات الأمان والسلامة في الطائرات، ومساعدة الشخص في التصدي بنفسه للأسباب الحقيقية لمخاوفه، وكذلك العلاج النفسي بالتنويم المغناطيسي، والمرور بالتجربة العملية المحدودة ذات الآثار الايجابية، اضافة إلى العلاج النفسي الحقيقي الافتراضي، واختار كراماركزيك برنامجاً علاجياً يجمع بين الترويض والتعويد، على الاسترخاء والهدوء وضبط النفس والاطلاع على معلومات عن الطيران، وتفاصيل الرحلات الجوية، وما يحيط بها من مخاطر، وأسباب وظروف تدعو إلى القلق بما يساعده فعلياً على ادراك عميق، وشامل لأية مخاطر ولجميع الاحتمالات.

وطبقاً لما توصلت إليه دراسة ألمانية، فإن التشخيص يعد بنتائج ايجابية لأن مساعدة المريض في مواجهة الأسباب الحقيقية والفعلية لقلقه وخوفه وتعويده على التصدي لها بنفسه أثمرت نجاح 90% من مرضى فوبيا الطيران في التخلص من قدر كبير من مخاوفهم وتوتراتهم وإقناعهم بركوب الطائرة، والسفر جواً، حيث يقول عالم النفس الألماني مارك رومان تراوتمان خبير التدريب في مركز القلق من الرحلات الجوية في مقاطعة نيدر فيسن الألمانية في هذا الشأن: إن من يطلع بعينه على أسباب قلقه وخوفه ويضع يده بدقة عليها، يكون بذلك قد اتخذ الخطوة الأولى للتحرر من تلك المخاوف.

تنفيس الخوف

واتخذ كراماركزيك وثلاثة من رفاقه وهم ميلاني، وستيفان وسفين الخطوة الأولى بالاشتراك في سيمينار أو ندوة نقاش في ورنهايم بألمانيا في اطار احدى الدورات التدريبية لتراوتمان حيث استخدم معها أسلوب العلاج النفسي بالسلوك الإدراكي الذي يؤدي إلى تخلص الشخص من المشاعر السيئة أو الهدامة من خلال تشجيعه على القيام بالتصرفات الايجابية التي تعطيه قوة دفع للتغلب على ما يعانيه من ضغوط وتوترات نفسية، وبعد أن شرح لهم مطولاً تفاصيل الطائرة من الداخل، وما تشتمل عليه من ضمانات أمان وسلامة، وظروف الرحلة الجوية وما يصاحبها من احتمالات ايجابية أو مخاطر، طلب منهم الجلوس لساعات طويلة في مقاعد وثيرة خاصة للاسترخاء والهدوء النفسي، ثم اصطحبهم في رحلة جوية إلى العاصمة النمساوية فيينا.

ويقول خبراء إن بعض أسباب فوبيا الطيران تكون مرتبطة بأشكال أخرى من الخوف، مثل الفزع من الأماكن العالية والمرتفعة، والرعب من الفضاءات والفراغات الضيقة، والأماكن المتجاورة والمتقاربة بينما يعود كثير مما نعانيه من قلق وتوتر إلى ما يمكن وصفه بالقول ستعاني وتصارع الكثير ما لم تحلق وتطير، وهو ما يسري تماماً على الحيوانات التي منحها الله تعالى القدرة على التصرف بفطرتها على النحو المطلوب، لتحمي نفسها من الهلاك المحقق إذا ما تعرضت للخطر، كما ينصح تراوتمان بأن يحاول كل منا أن يرمي وراء ظهره تجاربه مع القلق الذي لا يمكن تفسيره والتوتر غير المبرر الذي تعرض له في الماضي حتى نتمكن من التفكير والتصرف بصواب.

حقائق الطيران

اصطحب تراوتمان مجموعة كراماركزيك إلى أحد عنابر صيانة الطائرات، وشرح لهم خطوات الصيانة الدورية التي تخضع لها الطائرة قبل كل رحلة مستعيناً بالمهندسين والفنيين والميكانيكيين في توضيح كثير من التفاصيل والأمور التي كانت غائبة عن أذهانهم، وربما كانت غائبة عن الجميع، حيث توصلوا إلى قناعة مفادها أن نقص المعلومات سبب رئيسي في فوبيا الطيران وأن معرفة الحقائق والوقوف عليها يساعد في العلاج.

وحينما تم ادخال المجموعة إلى مختبر الطب النفسي الاكلينيكي في شيكاغو واخضاعهم لجلسات مطولة لاسترخاء العضلات وراحتها، وتمارين وتدريبات جسدية لتخليصهم من سلسلة من التوترات وأسباب الضغط النفسي والقلق طلب منهم تراوتمان أن يفكروا بتركيز في المكان المفضل لكل منهم، وأن يطلقوا العنان لأفكارهم لأخذهم إليه.

وبعد نجاحه في تخليصهم من كثير من توتراتهم وأسباب مخاوفهم واستبدال ذلك بقدر كبير من الثقة والاطمئنان المستند إلى معلومات وأدلة علمية استقل تراوتمان معهم حافلة خاصة إلى المطار ونقلتهم إلى احدى الطائرات وصعدوا إليها وقادهم إلى قمرة القيادة، حيث رحب بهم الطيار واستمعوا إلى شرح وجيز منه، مما عزز ثقتهم واطمئنانهم وخفف كثيراً مما تبقى من قلقهم وتوترهم، قبل قيامهم جميعاً برحلتهم الجوية التي استغرقت تسعين دقيقة، وأحدثت تغييرات جوهرية ومثيرة في موقفهم من فوبيا الطائرات.

السيطرة على الخوف

يمكن لأولئك الذين يخافون من الطيران وللتغلب على ما يسيطر عليهم من وساوس وتوترات الاستعانة بواحدة من هذه الطرق والوسائل:

مساعدة النفس: هناك الكثير من الكتب وأقراص الكمبيوتر ودي. في. دي التي تدخل في باب ساعد نفسك، وتعلمنا كيفية التخلص من مخاوفنا أو السيطرة عليها والتقليل من أهميتها وخطورة آثارها وتقدم لنا شرحاً لنماذج لكيفية تحررنا من أعراض القلق والخوف وأساليب لكيفية العودة إلى حالتنا الطبيعية من الهدوء، كما تقدم بعض هذه البرامج والكتب مساعدة فنية ذات طابع مهني وعملي على أشكال متنوعة منها ندوات للتخلص من القلق من الطيران والسفر جواً، وتتضمن مناقشات وآراء مختلفة حول الحالة النفسية للخائف من ركوب الطائرة ومقترحات للتخلص مما يعانيه من قلق وخوف.

العلاج النفسي الافتراضي:

يمكن لأولئك الذين يعانون من الأفيوفوبيا، ويرفضون ركوب طائرة حقيقية وليس لديهم استعداد لذلك الاستفادة من علاج نفسي افتراضي لحالاتهم بالاستعانة بأجهزة كمبيوتر ثلاثية الأبعاد، يطلعون من خلالها على عمليات محاكاة شديدة الشبه للرحلات الجوية الحقيقية بكل تفاصيلها وظروفها.

وأظهرت دراسة لفريق بقيادة عالمة النفس الأمريكية باربرة روثباوم من جامعة إموري عام ،2006 نجاح وفاعلية عمليات العلاج النفسي الافتراضي بنسبة 70%، لكن دراسة أخرى أشارت إلى أن هذا الأسلوب لا يجدي نفعاً مع أولئك الذين يعتبر الخوف من الطائرات جزءاً من مظاهر خلل أو اضطرابات مرضية أخرى.

النوم المغناطيسي:

بينت الدراسات أن العلاج بالتنويم المغناطيسي يمكن ان يساعد على التأقلم مع ظروف وتفاصيل الرحلات الجوية بقدر أكبر من التماسك ورباطة الجأش وضبط النفس لأن هذا الأسلوب يقوم على ترويض الشخص وتعويده على ظروف الطائرة، وهي في الجو، وما يثيره لديه من مخاوف وتسببه له من قلق وتوتر وأسباب ذلك من أجل الوصول إلى فهم أفضل للجذور الفعلية، والأسباب الحقيقية لما يعانيه من فزع ورهبة.

العلاج النفسي بالسلوك الادراكي:

تقدم معاهد أكاديمية وبحثية ومراكز نفسية وعلماء مختصون في أساليب العلاج النفسي وشركات الطيران أحياناً هذه الطريقة في العلاج، والتي تقوم على تقديم معلومات حول مواصفات الطائرة ومزايا الأمان والسلامة فيها، وعرض لأساليب التوتر والقلق، وتوفير أجواء الاسترخاء والراحة النفسية والعصبية، حيث يتمكن الشخص من مواجهة مخاوفه، والتصدي لها من خلال الاشتراك في رحلة جوية قصيرة، لأن عدم خوض تجارب عملية ذات آثار ايجابية يزيد المخاوف ويعززها.

العلاج:

والمقصود هنا العلاج الطبي المباشر، حيث يمكن للطبيب في بعض الحالات وصف أدوية معينة مضادة للتوتر والقلق، والاكتئاب والسيطرة على الخوف من الطيران أو تخفيفه لكن الأدوية والعقاقير الطبية ليست حلاً دائماً أو ناجحاً على المدى البعيد لأن العلاج الحقيقي هو مساعدة الشخص في التغلب بنفسه على مخاوفه والتخلص من القلق.

حقائق وأرقام

كثير من الناس يشعر بالقلق والتوتر قبل الصعود إلى الطائرة، وبعضهم يشعر بالذعر والفزع الحقيقي، حينما تقلع عالياً في الجو.

يفرز الجسم هرمونات مسؤولة عن التوتر والضغط النفسي كرد فعل للتهديدات والأخطار التي يتخيلها الشخص تماماً كإفرازه لتلك الهرمونات في حال التهديدات الحقيقية.

يتوهم كثير من الناس أن توقف محركات الطائرة سيؤدي إلى سقوطها ورؤيتهم لها وهي تهوي بسرعة إلى الأرض.

أشار استطلاع للرأي تم اجراؤه عام 2006 في الولايات المتحدة، إلى أن 27% من الأمريكيين البالغين يخافون من القيام برحلة جوية أو السفر بالطائرة، وأن 9% يسيطر عليهم الرعب الشديد.

يتملك أولئك الذين يعانون من الأفيوفوبيا الخوف من الطيران والأجواء فزع شديد، بأن الطائرة سوف تتحطم وتسقط، وربما يستبد بهم هذا الهلع حتى الموت، وفي حالات الرعب الشديد يعاني المرء أعراضاً مرضية في الجسد، مثل ضيق التنفس، وآلام في الصدر، وغثيان، اضافة إلى أن هذا الفزع يعيقهم عن أداء أعمالهم ووظائفهم، ويمنعهم من السفر وزيارة ذويهم وأصدقائهم.

يتم اللجوء إلى أشرطة فيديو أو دي. في. دي للتنويم المغناطيسي أو مواد أخرى تعيد الشخص إلى الحقائق البسيطة والافتراضية، في اطار علاج نفسي لمن يعانون الخوف من الطيران، حيث يشتمل هذا العلاج على عدة أساليب يتضمن معظمها مساعدة المرء على مواجهة الخوف والتصدي له.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"