عادي

فلسطين ... مجازر صهيونية واستيطان وحصار غزة واغتيال عرفات

04:27 صباحا
قراءة 12 دقيقة

ما بين مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ونهايته، زخرت الساحة الفلسطينية بكثير من الأحداث والتطورات التي أثرت بشكل كبير وأسهمت في تغيير معالم الخريطة الفلسطينية الداخلية، فكانت بدايته مع اشتداد وتصاعد فعاليات انتفاضة الأقصى، ونهايته تهديدات إسرائيلية بشن حرب ثانية على قطاع غزة المحاصر للعام الرابع على التوالي، وسكانه لم يتعافوا بعد من آلام وويلات الحرب السابقة التي أعادتهم سنوات وعقوداً طويلة إلى الوراء .

كانت انتفاضة الأقصى قد اندلعت قبل ثلاثة شهور فقط من بداية القرن الحادي والعشرين، عندما اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، المعروف بكراهيته وعدائه الشديد للفلسطينيين والعرب، باحات المسجد الأقصى المبارك، لتندلع شرارة الانتفاضة في 28 سبتمبر/ أيلول ،2000 وتمتد من القدس إلى مختلف المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة .

كانت الانتفاضة وفعالياتها والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة طبيعية لتعطل مفاوضات التسوية السياسية، حيث اندلعت بعد أسابيع قليلة من فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، وعدم خضوع الرئيس الراحل ياسر عرفات لضغوط الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لدفعه إلى القبول بطرح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك من دون الالتزام بقرارات الشرعية الدولية .

عملية السور الواقي

وتبقى عملية السور الواقي وإعادة قوات الاحتلال احتلال الضفة الغربية، ومن ثم محاصرة الرئيس عرفات في مقر الرئاسة المعروف باسم المقاطعة في رام الله، حتى استشهاده في ظروف غامضة يعتقد أن إسرائيل وراء قتله بالسم في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني ،2005 من أبرز الأحداث على الساحة الفلسطينية خلال السنوات العشر الماضية، حيث غاب أبو عمار عن ساحة الفعل الفلسطيني بعد نحو أربعة عقود ظل خلالها ممسكاً بكل خيوط اللعبة ومحتفظاً لنفسه بكافة المناصب الأولى في منظمة التحرير وحركة فتح .

وشهدت سنوات الانتفاضة تطوراً نوعياً خطراً في سياسة الاغتيال التي انتهجتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ طاولت عمليات الاغتيال قادة سياسيين في فصائل المقاومة، بعدما كانت تقتصر على نشطاء الأجنحة العسكرية المسلحة، فاغتالت الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، والزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وعضوي المكتب السياسي للحركة الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب، ومن قبلهما اغتالت القيادي البارز في الحركة إبراهيم المقادمة، بينما نجا عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار من عملية اغتيال استشهد فيها نجله البكر خالد . وكان لتصاعد المقاومة والخسائر التي يتكبدها الاحتلال جراء وجوده في غزة أثر مهم دفع إلى الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في سبتمبر/ أيلول ،2005 من 21 مستوطنة كانت تحتل أكثر من 40 في المئة من مساحة قطاع غزة المقدرة بنحو 360 كيلومتراً مربعاً، خصوصاً أن من اتخذ قرار الانسحاب هو شارون، الذي يعد الأب الروحي للاستيطان، ومن أطلق مقولة إن نتساريم وهي مستوطنة صغيرة في غزة بنفس أهمية تل أبيب .

انسحاب وانتخابات

الانسحاب الإسرائيلي من غزة سهّل من حركة سكان القطاع، حيث زالت الحواجز العسكرية التي كانت تقطع أوصال مدن شمال القطاع وجنوبه، لكنه لم ينعكس إيجاباً على حياة السكان بشكل عام، حيث واصلت دولة الاحتلال الإسرائيلي محاصرة القطاع براً وبحراً وجواً .

وفي ظل هذا الواقع المعقد والمتدهور، جرت الانتخابات الرئاسية بعد ستين يوماً من تسلم رئيس المجلس التشريعي السابق القيادي في حركة فتح روحي فتوح مهام الرئاسة عقب وفاة الرئيس عرفات، وفاز الرئيس محمود عباس بهذه الانتخابات، التي نافسه فيها عدة مرشحين لم ينالوا نسبة كبيرة من أصوات الناخبين، بينما قاطعتها حركة حماس .

لكن حماس التي قاطعت الانتخابات الرئاسية قررت المشاركة في الانتخابات البلدية التي دعا إليها الرئيس عباس عقب تسلمه مهام منصبه بوقت قصير، وحققت الحركة نجاحاً لافتاً في كثير من المجالس البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في أول مشاركة لها في العملية السياسية منذ قيام السلطة عقب توقيع اتفاقية أوسلو في عام ،1994 وهي النتائج التي كانت دلالة ومؤشراً على ما حققته الحركة من فوز كاسح في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 .

لقد قرر الرئيس عباس إجراء الانتخابات التشريعية، ولم يستجب للضغوط الداخلية والخارجية على حد سواء التي مورست عليه للتأجيل، فعلى الصعيد الداخلي كانت حركة فتح التي يرأسها عباس نفسه في أسوأ أحوالها وغير مستعدة لمنافسة حركة حماس التي تنامت قوتها في الشارع الفلسطيني بشكل كبير خلال انتفاضة الأقصى، وخارجياً عارضت الولايات المتحدة الأمريكية في البداية مشاركة حركة حماس في الانتخابات، فيما هددت الدولة الصهيونية بعرقلة الانتخابات في حال مشاركة الحركة فيها، ومع ذلك تمكن الرئيس عباس من إقناع مختلف الأطراف بأهمية إجراء الانتخابات في موعدها، وهو ما حدث بالفعل، لكن النتيجة التي أفرزتها هذه الانتخابات فتحت باب الأزمات الفلسطينية الداخلية على مصراعيه .

لقد كانت الانتخابات التشريعية الثانية التي فازت فيها حركة حماس ب74 مقعداً، إضافة إلى 4 مقاعد لمستقلين دعمتهم الحركة في الانتخابات، مفصلاً مهماً في الحياة السياسية الفلسطينية، حيث وضعت حداً لتفرد حركة فتح التاريخي بالقرار الوطني الفلسطيني، وزاحمتها في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية التي تشكل عناصر وقادة حركة فتح عمودها الفقري منذ تأسيسها .

وامتثالاً لهذا الفوز والأغلبية الكاسحة التي حققتها حركة حماس في الانتخابات التشريعية، كلف الرئيس عباس، القيادي في الحركة النائب إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة العاشرة، ليصبح بذلك أول رئيس وزراء من خارج إطار حركة فتح، التي سيطرت على الحكومات التسع منذ تأسيس السلطة .

وخاضت حركة حماس جولات من المفاوضات والحوار مع مختلف الكتل البرلمانية من أجل إقناعها بالمشاركة في الحكومة العاشرة، لكن هذه الجولات باءت بالفشل لعدم توصل هذه الكتل إلى اتفاق مع الحركة الإسلامية على البرنامج الحكومي، ما دفع الحركة إلى تشكيل الحكومة بمفردها وأداء القسم القانونية أمام الرئيس عباس في 29 مارس/ آذار 2006 .

كان واضحاً منذ البداية أن حركة فتح لم ترض عن نتائج الانتخابات، التي شهد العالم بشفافيتها ونزاهتها، فوقعت صدامات مسلحة دامية في الشوارع، وخاض مسلحون من الحركتين جولات من الاقتتال الداخلي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين من أنصارهما، ليتدخل الوفد الأمني المصري الذي كان آنذاك موجوداً في غزة ويتوصل إلى اتفاقات تهدئة ميدانية لا تكاد أن تنهار مع لجوء الحركتين إلى السلاح لحسم خلافاتهما .

صراع فلسطيني فلسطيني

ولم يكن عدم رضا حركة فتح عن نتائج الانتخابات هي العقبة الوحيدة في طريق حركة حماس وحقها في فرصة الحكم، إذ فرضت اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الأمم المتحدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا حصاراً وعزلة سياسية على الحركة، لرفضها التعاطي مع الشروط التي حددتها اللجنة من أجل القبول بنتائج الانتخابات والتعامل مع الحركة، وهي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والإقرار بالاتفاقات الموقعة .

وعانت حكومة حماس من أزمة مالية لم تتمكن معها من دفع مستحقات ورواتب آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين في الوزارات والمؤسسات والأجهزة الأمنية، ما تسبب في احتجاجات كبيرة من جانب عناصر هذه الأجهزة الموالين لحركة فتح، وشهد قطاع غزة آنذاك حالة خطرة من الفلتان الأمني، وعمليات خطف صحفيين ونشطاء أجانب، رأت فيها الحركة أنها أحداث دافعها سياسي من أجل إطاحة حكومتها عبر اتهامها بالعجز عن توفير الأمن .

ومع تطور الخلافات والصراعات المسلحة بين الحركتين، دعت المملكة العربية السعودية قادة الحركتين إلى مكة للحوار من أجل إنهاء الاقتتال، ونجحت الوساطة السعودية آنذاك في دفع الحركتين للتوقيع على اتفاق مصالحة في فبراير/ شباط ،2007 وبموجبه تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لكن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً وانهار تحت وقع اللجوء للسلاح مجدداً، لتنتهي أشد موجات الاقتتال التي أعقبت الاتفاق بإلحاق حركة حماس هزيمة بمسلحي حركة فتح وعناصر الأجهزة الأمنية الموالية لها، وفرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة في منتصف يونيو/ حزيران 2007 .

وإثر ذلك، أصدر الرئيس عباس مرسوماً بإقالة حكومة الوحدة الوطنية بعد ثلاثة شهور فقط من تشكلها، وتكليف النائب سلام فياض بتشكيل الحكومة، لكن حركة حماس رفضت المرسوم، وواصلت حكومتها المقالة القيام بمهامها في قطاع غزة، بينما هناك حكومة برئاسة فياض تحكم في الضفة الغربية من دون نيلها ثقة المجلس التشريعي، الذي يعاني من شلل تام، ولا تنعقد جلساته منذ ذلك الحين، وتقتصر الجلسات التي يتم الدعوة لها في غزة على نواب كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس، بينما تقاطعها كتلة فتح وبقية الكتل البرلمانية الأخرى .

ولا تحظى حكومة حماس في غزة باعتراف المجتمع الدولي، الذي يتعامل مع حكومة فياض ويمدها بالمال والمساعدات، بينما تعاني الحكومة في غزة من عزلة سياسية، ولا يتمكن رئيسها وزرائها من التنقل خارج غزة، ولا يلتقي به أغلبية المسؤولين الدوليين الذين يزورون قطاع غزة بين الحين والآخر للاطلاع على أوضاع السكان في ظل الحصار .

وتبدي حركة حماس تمسكاً بحقها في الحكم، رغم العواصف التي تعترض طريقها، والضغوط الهائلة التي مورست عليها لدفعها للتنحي، بدءاً من تشديد الحصار على القطاع عقب سيطرتها عليه، وقرار سلطات الاحتلال باعتبار القطاع كياناً معادياً والتعامل معه على هذا الأساس .

تجربة حركة حماس في الحكم حملت نجاحات وإخفاقات، غير أن الضغوط الكبيرة والحصار والحرب الإسرائيلية التي شنتها قوات الاحتلال ضد القطاع في 27 ديسمبر/ كانون الأول ،2008 أثرت في حياة السكان، وتأثرت معها سلباً الشعبية والجماهيرية التي كانت تتمتع بها الحركة الإسلامية خلال سنوات انتفاضة الأقصى وحتى فوزها في الانتخابات التشريعية .

انتهت المدة القانونية للرئيس عباس والمجلس التشريعي، ودخلت الساحة الفلسطينية في حالة من الفراغ الدستوري، حاول المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير الذي كان صاحب القرار بتأسيس السلطة، سد هذا الفراغ، بقرار التمديد للرئيس عباس وللمجلس التشريعي، إلى حين توفر الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية .

العدوان على غزة

وكانت الحرب الإسرائيلية أشد محاولات إطاحة حركة حماس والقضاء على حكمها في غزة، غير أن 22 يوماً من الحرب المدمرة التي استخدمت فيها أسلحة محرمة دولياً أسفرت عن استشهاد 1400 فلسطيني وجرح نحو 5 آلاف آخرين، جلهم من المدنيين، ودمار واسع في مناحي الحياة كافة، فشلت في إقصاء الحركة، التي فقدت خلال الحرب عدداً من قادتها أبرزهم وزير الداخلية عضو مكتبها السياسي سعيد صيام، فضلاً عن دمار أكثر من 80 في المئة من الوزارات والمقار الحكومية والأمنية، ومؤسسات أهلية وخدمية تتبع لها .

كما فشلت الحرب في تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت الأسير لدى حركة حماس منذ 25 يونيو/ حزيران ،2006 ونجحت الحركة طوال السنوات الماضية من الاحتفاظ به بعيداً عن أعين الاحتلال وأعوانه، وترفض إطلاق سراحه إلا في إطار صفقة تبادل للأسرى تتضمن الإفراج عن نحو ألف أسير فلسطيني، وجميع الأسيرات والأسرى الأطفال، من بين سبعة آلاف أسير تحتجزهم قوات الاحتلال في سجونها ومعتقلاتها في ظروف معيشية بالغة القسوة والسوء .

لم تكن الحرب المحاولة العسكرية الأولى لتحرير شاليت بالقوة، فقد شنت قوات الاحتلال عقب أسره مباشرة عملية عسكرية عنيفة أطلقت عليها اسم أمطار الصيف، تخللتها سلسلة من الغارات الجوية المدمرة ضد قطاع غزة، أودت بحياة نحو 600 فلسطيني، وألحقت دماراً واسعاً بالبنية التحتية، فضلاً عن توظيفها عملاء على الأرض من أجل جلب المعلومات، وتخصيصها مكافآت مالية ضخمة لمن يرشد عن مكان احتجاز شاليت، غير أن كل ذلك لم يجد نفعاً، لتحقق حركة حماس إنجازاً غير مسبوق باحتفاظها بشاليت أسيراً طول الفترة الماضية، بعد عدة محاولات فاشلة لخطف إسرائيليين ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين في حقبة التسعينيات من القرن الماضي .

التضامن مع غزة

كما فشلت إسرائيل في الضغط على حركة حماس لتحرير شاليت من خلال حملة اعتقالات واسعة النطاق استهدفت جميع نواب الحركة في القدس والضفة الغربية، وهو الأمر الذي لم يخضع الحركة، لكنه أسهم في شل عمل المجلس التشريعي بعد ستة شهور فقط على انتخابه .

فشل دولة الاحتلال في تحرير شاليت بالقوة والوعيد والتهديد، دفعها للخضوع والاستجابة لوساطة مصرية من أجل التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى مع حركة حماس، وإثر الفشل المتكرر في إنجاز الصفقة تدخل الوسيط الألماني، لكنه لم يفلح في تذليل العقبات، بسبب تعنت إسرائيل وتمسك حركة حماس بشروطها ومطالبها .

بعد انتهاء الحرب على غزة في 18 يناير/ كانون الثاني ،2009 ارتفعت وتيرة قوافل المتضامنين المناهضين للحصار المضروب على غزة، بسبب الصدى الكبير الذي أحدثته مشاهد المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال الحرب، وتأثر صورة إسرائيل في العالم بعد صدور تقرير غولدستون واتهامه لدولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى درجة جرائم ضد الإنسانية .

ومن بين هذه القوافل التي كانت امتداداً لجهود سفينة الأمل وهي أول سفينة تقل متضامنين وتتمكن من الرسو في ميناء غزة في أغسطس/ آب ،2008 حظيت قافلة سفن أسطول الحرية التي انطلقت من تركيا في تجاه غزة عبر البحر، بالشهرة الأكبر، بسبب اعتراض قوات الاحتلال سفن الأسطول التي تقل متضامنين عزل، وارتكبت مجزرة بشعة في 31 مايو/ أيار بحق متضامنين جلهم من الأتراك على متن سفينة مافي مرمرة وهي الأكبر من بين سفن الأسطول، راح ضحيتها تسعة من المتضامنين وعدد من الجرحى، قبل أن تقتاد قوات الاحتلال السفن إلى ميناء أسدود داخل فلسطين المحتلة عام ،48 وتخضع المتضامنين للتحقيق وترحلهم إلى ديارهم وبلادهم .

وكان صدى المجزرة مدوياً، وفضلاً عن تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب المجزرة، تعرضت دولة الكيان لضغوط دولية شديدة من أجل تخفيف الحصار المضروب على غزة، واستجابة لهذه الضغوط، قررت الحكومة الإسرائيلية مطلع يونيو/ حزيران 2010 إدخال تسهيلات على المعابر التجارية، وسمحت بتوريد سلع وبضائع إضافية إلى القطاع، بينما أبقت الحظر مفروضاً على كثير من المواد الأساسية، وأهمها مواد البناء .

خلال سنوات الحصار المريرة والخانقة، التي تسببت في تدهور حياة السكان المدنيين، فشل العرب غير مرة في مساعدة مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة، أو على الأقل تطبيق ما اتخذوه من قرارات تتعلق بكسر الحصار ورفض الضغوط الدولية، لتبقى هذه القرارات رهينة الأدراج في الجامعة العربية مثل كثير من القرارات العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي .

فشل جهود المصالحة

وبينما الواقع في غزة على هذه الدرجة من السوء والتدهور، تخيم أجواء خطرة تشبه إلى حد كبير الأجواء التي سبقت الحرب الإسرائيلية السابقة، حيث تصعد دولة الاحتلال عسكرياً وإعلامياً ضد القطاع المحاصر، عبر الاعتداءات اليومية والغارات الجوية واستئناف عمليات الاغتيال، والتحريض المتواصل وتهويل قوة وعتاد فصائل المقاومة، في محاولة منها لمراكمة المبررات التي تحول دون الانتقادات الدولية في حال شنت حرب جديدة يصفها أركان الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بأنها ستكون أكثر شراسة ودموية .

دوافع كثيرة كانت كفيلة بأن تتقارب حركتا فتح وحماس وتتوصلان إلى اتفاق قواسم مشتركة يقود إلى استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام المدمر في الساحة الفلسطينية، لكنهما لم تستثمرا الظروف التي تدفعهما للوحدة، واستمرت خلافاتهما ومناكفاتهما، وعمليات الملاحقة والاعتقال السياسي ضد عناصر بعضهما بعضاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما المواطن الفلسطيني المغلوب على أمره يدفع ثمن الفرقة والتشرذم .

وفشلت الحركتان غير مرة في التوصل إلى حل للأزمة القائمة بينهما، حيث رعت مصر على مدار عامين حواراً وطنياً شاملاً وثنائياً، تارة اقتصر على حركتي فتح وحماس، وأحياناً بمشاركة بقية الفصائل، انتهى بالفشل في أكتوبر/ تشرين الأول ،2009 بسبب رفض حركة حماس التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة، بدعوى وجود تحفظات لها على بعض بنود هذه الورقة، بينما وقعتها حركة فتح بلا أي تحفظ، ما دفع القاهرة إلى تجميد جهودها لإتمام المصالحة إلى أجل غير مسمى .

ورغم غضبها الشديد من رفض حركة حماس التوقيع على ورقتها للمصالحة، وافقت القاهرة في سبتمبر/ أيلول الماضي على بدء حوار ثنائي بين حركتي فتح وحماس من أجل التوصل إلى ورقة تفاهمات تراعي ملاحظاتهما على الورقة المصرية، لكنها لا تشكل بديلاً عن الورقة، ومن ثم الحضور إليها متفقتين من أجل التوقيع وإعلان المصالحة، وبالفعل التقت الحركتان مرتين في دمشق، لكنهما فشلتا في التوصل إلى حلول حول القضايا والبنود المختلف عليها، رغم اتفاقهما على اللقاء مجدداً، غير أن الأمل في اتفاقهما يبدو ضعيفاً .

مفاوضات فاشلة مع الكيان

التعقيد في الملفات الفلسطينية الفلسطينية الداخلية، هو نفسه في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ويمكن القول إن السنوات العشر الأخيرة لم تشهد أي تقدم يذكر على هذا الصعيد، بسبب التعنت الإسرائيلي وسياسة التسويف والمماطلة التي تعتمدها على طاولة المفاوضات، تساندها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وسط صمت المجتمع الدولي وضعف النظام العربي الرسمي، بل إن الأرض وهي محل التفاوض تتناقص بشكل مستمر ومتسارع بسبب غول الاستيطان، وجدار الفصل العنصري الذي التهم أكثر من 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية .

وظلت المفاوضات السياسية غائبة لفترات وسنوات طويلة خلال سنوات الانتفاضة وبعدها، باستثناء محاولات فاشلة من جانب الولايات المتحدة، ومنها محاولة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، الذي دعا في نهاية ولايته الرئاسية الثانية، الجانبين وبحضور الرباعية العربية إلى مؤتمر أنابولس، ورفع خلاله شعار حل الدولتين، لكن هذا الشعار انهار كما انهارت كثير من التعهدات الأمريكية، وآخرها تعهدات الرئيس باراك أوباما، الذي رفع هو الآخر الشعار ذاته، ودعا إسرائيل إلى وقف الاستيطان من أجل استئناف المفاوضات التي ظلت متوقفة منذ فوز نتنياهو برئاسة وزراء دولة الاحتلال في عام ،2009 وفي ظل تعنت حكومة نتنياهو وإصرارها على مواصلة الاستيطان، تراجع أوباما خطوة للوراء وطالب بتجميد مؤقت للاستيطان بدلاً من وقفه تماماً، وضغط على الدول العربية لدفع الرئيس عباس ابتداء للشروع في مفاوضات غير مباشرة، سرعان ما ضغطت إسرائيل بدورها لتحولها إلى مفاوضات مباشرة فكان لها ما أرادت باستجابة العرب بالتالي للضغوط الأمريكية ودفعهم الرئيس عباس للشروع فيها قبل حتى انتهاء مدة الشهور الأربعة التي تحددت للمفاوضات غير المباشرة .

بدأت السلطة الفلسطينية المفاوضات المباشرة وتراجع الرئيس عباس عن تمسكه بوقف الاستيطان قبل بدء المفاوضات، لكن المهلة التي حددتها إسرائيل والمقدرة بستة شهور جمدت خلالها الاستيطان انتهت أثناء سير المفاوضات المباشرة ورفضت الاستجابة للمطالب الأمريكية والدولية بتمديد المهلة، فعلق الرئيس عباس المشاركة في المفاوضات، لتمارس إدارة أوباما مرة أخرى ضغوطاً حالية هدفها دفع الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات ولو كانت غير مباشرة، بعدما فشلت في تشجيع إسرائيل على قبول رزمة من الامتيازات من أجل قبول تجميد الاستيطان لمدة شهر واحد غير قابل للتجديد .

مرت، إذاً، عشر سنوات من عمر الشعب الفلسطيني وهو لا يزال خاضعاً للاحتلال يكتوي بنار جرائمه ومجازره من جهة، وبنار الفرقة والانقسام الداخلي من جهة ثانية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"