الفسطاط..قاعدة مصرية للفتوح الإسلامية

04:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

الفسطاط ثالثة المدن التي بنيت، وخطط لها في عهد الخلافة الرشيدة، وأول عاصمة لمصر الإسلامية، وأولى المدن العربية في إفريقيا.
شيدت الفسطاط على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بنحو ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين، وموضعها كان فضاء، ومزارعَ بين النيل، والجبل الشرقي، ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون المطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف بباب الحديد. وكان لهذا الموقع الاستراتيجي استفادة كبيرة لمدينة الفسطاط، إذ يسر النيل للأهالي سبل الحصول على الماء من جهة، وخدم توسعها العمراني، من جهة ثانية، فتحكمت في طرق المواصلات التجارية الداخلية والخارجية بين مصر، والشام، وبين مصر، والحجاز.
ويذكر علي مفتاح في كتابه «تخطيط المدن العربية الإسلامية الجديدة في العصر الراشدي»، أن الموقع الاستراتيجي لهذه المدينة عرفه الفراعنة، والبابليون، والرومان، فاتخذ منه الفراعنة مكاناً لمدينة كبيرة، جعلها البابليون مكاناً لاستقرارهم عند نزولهم إلى مصر، ثم اتخذه الرومان مقراً لدفاعهم يصلون به الوجهين البحري، والقبلي، ويدفعون منه كل معتدٍ خارجي على مصر.
والفسطاط من حيث المناخ، تتبع المناخ شبه الصحراوي، فهي حارة نهاراً، وباردة ليلاً، لا ينزلها المطر إلا نادراً، كما هو الحال في بقية إقليم مصر، ما عدا الإسكندرية.
وبعد أن منّ الله على المسلمين بفتح الإسكندرية، أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة، ودار هجرة للمسلمين، فكتب إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص: «هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟»، فأجابه: نعم، فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان؛ لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف، ولا في الشتاء.
وتحول عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم، فحينما عزم على التوجه إلى الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه الذي ضربه قرب حصن بابليون، فإذا فيه يمام فرخ فأقره كما هو، وقال: «لقد تحرم منا بمتحرم»، وأوصى به صاحب القصر. وحينما استشار أصحابه أين ينزلون، أشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروباً في موضع الدار التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل، وتنافست في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكانت حوله حدائق، وأعناب، ونصب عمرو الحبال مع أصحابه حتى استقامت. واشترك في وضع قبلة المسجد ثمانون صحابياً، واتخذوا فيه منبراً، ثم اختط الناس بعد اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيرها سنة 21ه.
وأسكن عمرو بن العاص القبائل العربية في الفسطاط، وبعد أن اختط المسجد الجامع، بنى للخليفة عمر داراً عند المسجد، فكتب إليه عمر قائلاً: «أنَّى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر؟»، وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين، وتمَ ما أراده أمير المؤمنين، وأصبحت هذه الدار تسمى بدار البركة. وسرعان ما اتخذت الفسطاط مظهر المدينة بجامعها الكبير، وأسواقها التجارية التي أحاطت به، ودور السكن التي ارتفعت بمرور الزمن إلى خمسة، وسبعة أطباق، وعظم أمرها، واغتنت، وكثر ساكنوها حتى قاربت ثلث بغداد مساحة، وبقيت دار الإمارة حتى سقطت الدولة الأموية، وبنيت المعسكرات في ظاهرها.
وعن تخطيط المدينة العمراني يقول علي مفتاح: «إن أول بناء اختطه عمرو بن العاص في الفسطاط كان مسجده الجامع، وكان كبيراً شريف القدر، شهير الذكر، ثم بنى داره الكبرى عند باب المسجد، وكان يفصلها عن الجامع طريق، ثم اختط داراً أخرى ملاصقة لها، وبنى حمام الفار (الذي سمي كذلك لصغر حجمه، قياساً بحمامات الروم الضخمة)، واختطت قريش والأنصار وأسلم وغفار وجهينة، ومن كان اشترك في جيش المسلمين، حول المسجد الجامع ودار عمرو».
وكانت هذه الخطط في الفسطاط بمثابة الحارات في القاهرة، واختط خارجة بن حذافة غربي المسجد، وبنى أول غرفة بمصر، والغرفة هي قاعة تعلو الدار وتطل على الطريق، وهي التي أمره عمر بن الخطاب بهدمها؛ لكي لا يطلع على عورات جيرانه. أما الدار البيضاء التي استغرق بناؤها أربعين يوماً فاختطها عبدالرحمن بن عُدَيْس البلوي، وبُنِيت لمروان بن الحكم حين قدم إلى مصر.
وكثرت بالفسطاط الحارات، والأزقة، والدروب، التي تعتبر مظهراً من مظاهر التوسع العمراني، والازدهار الاقتصادي.
ويعتبر جامع عمرو بن العاص أول جامع أقيم في مصر، ويعرف بالجامع العتيق.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"