الوقوع في المعصية لا ينافي التقوى!

04:17 صباحا
قراءة دقيقتين
د. رشاد سالم *

من المعروف أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أما الإنسان فإنه مركب من قوتي الشهوة والغضب، وسعادته لا تتوقف على أن يكون ملكاً كريماً، وحسبه إذا وقع في معصية أن يذكر ربه يستغفر. والقرآن الكريم جعل المتقين صنفين: الصنف الأول: هم المحسنون، قال تعالى عنهم في سورة آل عمران: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). والصنف الثاني هم المبادرون بالتوبة فور الوقوع في الذنب، قال تعالى عنهم في السورة نفسها: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). ذكر الله، عز وجل من، أوصافهم: محاسبتهم لأنفسهم عند وقوعهم في الفاحشة، أو في ظلم أنفسهم، أو في أي نوع من أنواع الظلم، فهم يذكرون الله على عجل، ويستغفرونه على وجل، ويقولون بقلوبهم وألسنتهم: من يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما وقعوا فيه من المعاصي وهم يعلمون ما قد يحدق بهم من خطر إذا لم يتوبوا منها.
ثم يجمع الله بين الصنفين في الحكم والجزاء والرضا والنعيم، فقال سبحانه: (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).
سبحان الله، مجرد الوقوع في الذنب لا يكون حائلاً بين العبد وبين سعادته وسموّ درجته، قال تعالى في سورة الأعراف: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). ونضرب لذلك مثلاً آدم والمعصية: أمره الله ونهاه، فنسي واندفع بما ركب فيه من قوة الأمل والشهوة، فعصى وخالف ربه، ثم وازن بين الطاعة والمخالفة، فأدرك قبح المخالفة، وندم، وأقبل تائباً. قال تعالى في سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وما أنقص ذلك من قدر آدم، بل استمع الله لتوبته، فقال تعالى في سورة طه: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى). أما من يعتاد الخطيئة ويألفها ويستمر على العصيان والمخالفة، ويظل سادراً في ظلمة الذنوب، غير ذاكر لربه، ولا مستشعر غضبه وغيرته، فذلكم هو الذي لا يصح أن يذكر في عداد المؤمنين، ولا أن يأخذ مكانة المتقين، ويندرج تحت قول الله تعالى في سورة طه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى». وشتان بين هؤلاء وبين الذين اتقوا الله، وجعلوا لأنفسهم وقاية من عذابه، ففازوا بجناته ورضوانه، فنعم الأجر أجرهم، ونعم المصير مصيرهم.

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"