المسؤولية الاجتماعية خلال الأزمات

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

جائحة «كورونا» تمثل مناسبة قاسية، تستدعي انخراط الشركات في الحدّ من الآثار السّلبية للوباء، والعمل على وقف تمدّده.

فرض تطوّر الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عالم اليوم، انخراط الشركات في بلورة تدبير حديث، يواكب المتغيرات التي أضحت معها المسؤولية الاجتماعية أولوية، بل وعنصراً أساسياً ضمن استراتيجياتها. وتتصل هذه المسؤولية بمجمل النشاطات الطّوعية (الاختيارية) وغير الطوعية (تؤطرها التشريعات) التي تباشرها الشركات كسلوكيات تعكس انفتاحها على محيطها الاجتماعي، وما يتّصل به ذلك من تقديم خدمات إنسانية تدعم التضامن، وترسخ قيم المواطنة.. والالتزام تجاه المجتمع، وتساهم في تحسين ظروف عيش أفراده.. وهو مفهوم يطرح علاقة القطاع الخاص بالتنمية المستدامة.

شهدت المسؤولية الاجتماعية انتشاراً واسعاً في أوساط الشركات، خصوصاً بعد التحوّل الذي طرأ على وظائف الدولة التي تخلّت عن العديد من مهامها لفائدة الخواصّ، في إطار اعتماد ما يعرف بالمقاربة التشاركية.. كسبيل لتخفيف الأعباء، وترسيخ التضامن، وتحقيق الجودة.

ثمّة عوامل ذاتية، وأخرى موضوعية أسهمت بشكل كبير في إنضاج المفهوم، واقتناع عدد من الشركات بأهميته، حيث اعتبر مدخلاً ذكياً للتسويق، ولتحسين سمعتها في أوساط الجمهور، وتحقيق الربح من منظور استراتيجي، ووسيلة لتجاوز تبعات بعض الأخطاء والانحرافات التي قد تسقط فيها أحياناً (كالغش، أو تلويث البيئة..)، كما لا تخفى تأثيرات تزايد الوعي داخل المجتمع في هذا الخصوص، بينما يرى كثيرون أن بروز المفهوم جاء في خضم الاستجابة لمطالب الحركات الاجتماعية الداعية لاحترام البيئة، وحماية المستهلك، والحد من بعض الانعكاسات السلبية لتحولات العولمة وما يرافقها من خصخصة..

تتوزّع المسؤولية الاجتماعية للشركات تّجاه عدد من الأطراف، فهي مطالبة بتحسين أحوال موظفيها وعمالها، وبتطوير كفاءاتهم وتمكينهم من مختلف التحفيزات والخدمات، مع احترام حقوقهم، إضافة إلى توفير الخدمات الجيدة وبأثمان معقولة للزبائن المتعاملين معها، مع استحضار السلامة الصّحية، وتلافي كل مظاهر الغشّ.. ونفس الأمر

بالنسبة للشركاء والهيئات المماثلة، من حيث توخّي المنافسة الشريفة، واحترام الضوابط القانونية المؤطرة للعلاقات معها.. أما تجاه الدولة، فهي مطالبة بترسيخ الشفافية وتكافؤ الفرص، وأداء الرسوم والضرائب المستحقّة.. والمساهمة في معالجة عدد من المشاكل الاجتماعية، وفي تحقيق التنمية، وفي ما يتعلق بالمجتمع، فهي معنية بالاهتمام بقضايا البيئة، وبتشجيع الفنون والثقافة والرياضة، وبدعم البحث العلمي، والعمل على إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المجتمع، وبتشجيع هيئات المجتمع المدني..

تتضاعف أهمية هذه المسؤولية إبان فترات الكوارث والأزمات، حيث يسود الهلع والخوف في أوساط المجتمع، ويسود الارتباك على مستوى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمنع تطور الأمور نحو الأسوأ، وتتفرع الأزمة الأصلية إلى أزمات ثانوية متعددة، تلقي بثقلها وإشكالاتها الاجتماعية والاقتصادية أمام صانعي القرار..

تمثّل جائحة «كورونا» التي اجتاحت عدداً من دول العالم، مخلّفة تداعيات صحّية واقتصادية واجتماعية.. مناسبة قاسية، تستدعي انخراط الشركات في الحدّ من الآثار السّلبية للوباء، والعمل على وقف تمدّده.. سواء من خلال الاهتمام بسلامة موظفيها وعمالها، أو الانخراط في جهود توعية المواطنين بشروط السلامة الصحية، أو عبر دعم الأبحاث المتعلقة بالوباء، من النواحي الطبية والاجتماعية والاقتصادية، وتمويل المختبرات العلمية، وتشجيعها على الابتكار العلمي، في ما يتعلق بالأدوية والتجهيزات الطبية واللقاحات، علاوة على انخراط قطاع الطب الخاص في هذه الجهود.

إن انخراط الشركات بجدّية ومسؤولية، بالمساهمة في تدبير هذه اللحظة العصيبة ومواجهة آثارها إلى جانب المؤسسات العمومية، هو خيار يتجاوز العمل الخيري، إلى مسؤولية تنسجم ومقتضيات دساتير الدول، التي تؤكّد على تحمّل التكاليف والتداعيات التي تفرزها الكوارث والأزمات، بشكل تضامني..

تنطوي مساهمة القطاع الخاص في هذا الخصوص على قدر كبير من الأهمية، بالنظر إلى الإمكانيات المالية والتقنية، والبشرية المدرّبة التي يزخر بها، بالإضافة إلى تجربته المتطورة في مجال التدبير الإداري الاستراتيجي، مقارنة مع عدد من القطاعات الحكومية.

إن الانضباط لما تمليه متطلبات المسؤولية الاجتماعية بالنسبة للشركات، يقتضي وجود إدارة منفتحة تقدّر أهمية هذه المسؤولية، كما يتطلب الأمر ترسيخ أخلاق إدارية راقية، ووعي في أوساط العاملين بها.. وتتحمّل الدولة من جانبها قسطاً من المسؤولية على مستوى توفير المناخ المناسب الذي يساعد هذه الشركات على القيام بمهامها على أحسن وجه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"