عدالة التشريع في ميراث المرأة

ورق ودين
03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إبراهيم علي المنصوري *

قضية ميراث المرأة من القضايا التي أثير حولها جدل كبير بدعوى أن الإسلام لم يساوِها بالرجل في تقسيم الميراث، ما يراه البعض ظلماً كبيراً لها. والناظر في هذه الدعوى كأنما يرى أن كِلاَ مُصطلحيْ العدل والمساواة قد اختلطا على أفهام أصحابها، فالتبس مراد الحق على عقولهم، فليس العدل هو المساواة.

العدلُ مقصد الشارع الحكيم، إذ يقول الله جل شأنه: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»، والقسط هو العدل، وقد راعى التشريع الإسلامي معنى «المساواة»، حيث كان من توجيه الخطاب للمرأة والرجل في التزام الأوامر، واجتناب النواهي، على حد سواء، وكذا في الجزاء والثواب.

ومن الضروري معرفته في هذا السياق المبادئ الربانية في توزيع الإرث لتتضح الرؤية، ونُفَنّد تلك الحجج الواهية، فأول هذه المبادئ هو درجة القرابة بين الوارث، ذكراً كان، أم أنثى، وبين الميت (المورِّث)، فكلما كانت درجة القرابة أقوى كان المكسب أكبر، وكان الحق أكثر، لكون هذا الأمر من الجوانب الفطرية في الإنسان، فهو يعمل، ويكد ليكفي حاجة من يعول من أبنائه، وأقرب الناس إليه. أما المبدأ الثاني فهو موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، كالفروع الوارثة، وهم الأبناء، وأبناؤهم، عادة يكون نصيبها في الميراث أكثر من الأجيال التي تستدبر الحياة كالآباء، والأجداد، والأعمام، فالبنت ترث أكثر من أمها، وعمها، والابن يرث أكثر من أبيه، وهكذا. ثم يأتي المبدأ الثالث وهو حجم العبء المالي الذي يُوجِبُ الشارع على الوارث تحمّله والقيام به حيال الآخرين، فعلى الرجل دفع المهر للزوجة، وليس على المرأة ذلك، وعليه النفقة على أبنائه، ووالديه، ويقابله أن للمرأة الحق الكامل في الميراث وحدها، من دون إلزامها بصرفه بأي التزامات، كالنفقة، وغيرها، فهذه التكاليف كفيلة بأن تجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.

ولو ساوى التشريع بين الرجل والمرأة في الميراث لكان عين الظلم، بالنظر إلى اختلاف المسؤولية على كل منهما، ولو قمنا بالحسبة الرياضية لوجدنا أن كل ذي حق أخذ حقه بعدل، وإنصاف.

وعندما نُمعِن النظر في تفاصيل خريطة الميراث نجد أن أربع حالات ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل، منها مشاركة أخيها في ميراث أبيها «للذكر مثل حظ الأنثيين»، وفي المقابل نجد حالات كثيرة ترث فيها المرأة مثل الرجل، إضافة لعشر حالات أو تزيد، ترث فيها المرأة أكثر مما يرث الرجل؛ كما لو كان الورثة بنتاً للميت، وزوجاً، وعماً، فيكون نصيب البنت نصف التركة لكونها منفردة، ولا أخ معها، ولا أخت، وللزوج الربع، لوجود الفرع الوارث، وهي البنت، والباقي للعم، أي الربع كونه أولى رجل ذكر يأخذ الباقي، كما بيّن ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم. وبالتالي أخذت المرأة هنا ضعف ما أخذه الرجل.

وهناك حالات ترث فيها المرأة، ولا يرث فيها الرجل شيئاً، كما لو اجتمع بنت الميت، وابنه، وعمه، فإن الابن يحجب العم فتكون المرأة ورثت، ولم يرث العم شيئاً. وعندما ننظر في تلك الحالات نجد أقلها هي التي ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل، فأين الظلم الذي يدّعونه؟ بل على عكس ذلك حيث تتجلى العدالة الإلهية لتُنصِف كلا الطرفين، ولو قام أولئك الذين يشككون في عدالة التشريع بالتفحص والنظر بمصداقية لما أثاروا تلك الاتهامات جزافاً.

[email protected]

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"