بيوت «الشَّعر» غزل التاريخ القديم

سكن وسكينة
03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعداد: أمل سرور

«بيت يبني بشراً أقوياء لديهم القوة على تحمل الشدائد». عبارة تلخص فلسفة الأجداد في بناء بيت الشَّعر، الذي يعد من أشهر البيوت البدوية على الإطلاق، بل إنه يعد رمزاً من رموز التراث الإماراتي الأصيلة.

عندما نتحدث عن البيئة الصحراوية نجد أنفسنا أمام استخدام الإنسان البدوي لبيت الشَّعر ليكون مسكناً يأويه ويقيه تقلبات المناخ، ذلك البيت المصنوع بطريقة مبتكرة تمكّن ساكنيه من الانتقال بسهولة ويسر من مكان إلى آخر؛ بسبب خفة الوزن التي يتمتع بها.

بيت فريد من نوعه صممه الإماراتي القديم بشكل يحرص فيه على تدفئة السكان من البرد القارس في الشتاء، وحمايتهم صيفاً من أشعة الشمس الحارة، كما يضم في تكوينه مسميات عدة اشتهرت بين البدو في الماضي، وتستخدم في عملية البناء والتنظيف والغزل، مثل «المطرق» وهو عبارة عن عصا تستخدم لتنظيف الشعر المغزول، أخشابها مستمدة من شجرة السدرة، و«التغزالة» وهي قطعة خشبية تساعد المرأة في عملية الغزل.

الصوف وشعر الحيوانات، عناصر أساسية تدخل في تركيبة بيت الشعر المغزول بطريقة محكمة على يد النساء، من خلال حرفة «السدو»، ويبلغ ارتفاع بيت الشعر غالباً حوالي 8 أقدام، وبعد أن تحدد مساحة البيت المراد بناؤه، يتم الاستعانة بمجموعة من الحبال والأوتاد والأعمدة من أجل تثبيت المنزل، ومقاومته لتيارات الهواء التي أحياناً تكون شديدة بقدر يكفي لإسقاط البيت، إذا لم يكن مترابطاً ومثبتاً جيداً في الأرض من خلال الأوتاد.

ولا يمكن لمياه الأمطار أن تتسرب إلى الداخل في الشتاء، والسبب يعود إلى انتفاخ خيوط الشعر عندما تسقط عليها قطرات المطر، لتضيق الخناق على الفتحات الصغيرة، وتمنع بهذه الخاصية تسرب المياه إلى الداخل، لكنها في المقابل تسمح بخروج الدخان المتصاعد من نار التدفئة المشتعلة في الداخل، في حين تبقى الخيوط منكمشة في الصيف نتيجة تأثرها بالمناخ الحار، مما يجعل الثغرات بين الخيوط تبدو متسعة؛ كي تسمح للهواء بالمرور إلى الداخل.

استضافة الزوار

«المنامة» أو «السيم» من الابتكارات التي صممها الإنسان القديم لتخدمه في إقامة الجلسات واستضافة الزوار من الحي أو الجلوس مع أفراد الأسرة لتناول «الفوالة»، والتي غالباً ما تتكون من دلة القهوة وإلى جوارها التمر، وبعد انعقاد الجلسات الأسرية الصغيرة على بساط المنامة، كان البعض يستخدمها لأخذ قسط من الراحة أو النوم في المساء، وتحديداً في فصل الصيف.

وتتميز «المنامة» بارتفاعها الذي يمنع اقتراب العقارب والحشرات والزواحف إلى الجالسين فوقها، ما يجعلها أكثر أمناً مقارنة بالمنزل التقليدي المصنوع غالباً من سعف النخيل.

ولبيوت الشعر أنواع متعددة، ومنها «القطبة»، وهي أصغر أنواع البيوت، ولا يستخدم عند البدو إلا بصورة نادرة، وهو البيت المؤلف من خانتين باهرتين، و«الفازة» وهو من ثلاث خانات باهرة، وأيضاً «المروبع» وهو البيت المؤلف من خمس خانات، و«المخومس والمسودس»، والأسماء تأتي حسب عدد القطع والحجم، وهذه الخيام في قديم الزمان كانت مقسمة من الداخل حسب العادات والتقاليد، والنساء كنَّ يغزلن الشعر ويحولنه إلى خيوط، ثم يبدأن في النسيج بحيث يصنعن قطعاً تساعد على دخول الهواء صيفاً، وفي موسم الشتاء تمنع تسرب الماء للداخل في حال سقوط الأمطار.

وتستعين المرأة البدوية بالعديد من الأدوات؛ لإكمال بناء البيت، منها «الكرداش»، قطعتان خشبيتان لكل واحدة منهما مقبض لليد، وفي سطح كل واحدة منهما عدد من الأسنان، ويوضع الشعر لتنظيفه من الشوائب، و«المغزل» قطعة من أعواد الشجر الأملس، ويكون في رأس المغزل قطعة حديدية تسمى «السنارة»، وهي تلك التي تبرم الشعر وتغزله، و«الدجة» وهي مجموعة خيوط الشعر المغزولة والمبرومة بواسطة المغزل، وتشبه الدجة الكرة المدورة لكنها أكبر منها حجماً، وبدون هذه الدجج لا تستطيع المرأة البدوية أن تعمل أي نوع من الأسدية، ويجب أن يكون لديها عدد كافٍ من الدجج من أجل إتمام عملية السدو.

أما المواد اللازمة لخياطة بيت الشَّعر وتحضيره فهي عديدة، وأهمها «المخيط»، و«الأطناب» و«المريرة» و«الفهر» و«المحالة» و«الأعمدة».

ولا يمكن أن ننسى أن بيوت الشعر كانت وما زالت تشتهر في الإمارات بتقديم واجبات الضيافة وأصول «السنع والمواجيب» للزائرين والضيوف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3texefyk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"