حقائق كونية

القسم الإلهي
03:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم.

يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده.

قال تعالى: «كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ». سورة المدثر، 32-37.

يقول ابن قيم الجوزية في كتابه «التبيان في أقسام القرآن»: أقسم سبحانه بالقمر الذي هو آية الليل وفيه من الآيات الباهرة الدالة على ربوبية خالقه وبارئه، وحكمته وعلمه وعنايته بخلقه، ما هو معلوم بالمشاهدة.

وهو، سبحانه، أقسم بالسماء وما فيها، مما لا نراه من الملائكة، وما فيها مما نراه من الشمس والقمر والنجوم، وما يحدث بسبب حركات الشمس والقمر من الليل والنهار، وكل ذلك آية من آياته ودلالة من دلائل ربوبيته.

ومن تدبر أمر هذين النيرين العظيمين، وجدهما من أعظم الآيات في خلقهما، وجرمهما، ونورهما وحركتهما على نهج واحد لا ينيان ولا يفتران دائبين، ولا يقع في حركتهما اختلاف بالبطء والسرعة، والرجوع والاستقامة والانخفاض والارتفاع، ولا يجرى أحدهما في فلك صاحبه، ولا يدخل عليه في سلطانه، ولا تدرك الشمس القمر، ولا يجئ الليل قبل انقضاء النهار؛ بل لكل حركة مقدرة ونهج معين لا يشركه فيه الآخر، كما أنه له تأثير ومنفعة لا يشركه فيها الآخر، وذلك مما يدل لمن له أدنى عقل على أنه بتسخير مسخر، وأمر آمر، وتدبير مدبر، بهرت حكمته العقول، وأحاط علمه بكل دقيق وجليل، وفرق ما علمه الناس من الحكم التي في خلقهما ما لا تصل إليه عقولهم، ولا تنتهى إلى مباديها أوهامهم، فغايتنا الاعتراف بجلال خالقهما، وكمال حكمته ولطف تدبيره، وأن نقول ما قاله أولو الألباب قبلنا «ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار»، آل عمران، الآية191.

والقمر جرم أسود مستدير عظيم الخلق، يبدو فيه النور كخيط متسخن، ثم يتزايد كل ليلة حتى يتكامل نوره، فيصير أضوأ شيء وأحسنه وأجمله، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حاله الأول، فيحصل بسبب ذلك معرفة الأشهر والسنين وحساب آجال العالم من مواقيت حجهم وصلاتهم ومواقيت أجائرهم ومدايناتهم ومعاملاتهم التي لا تقوم مصالحهم إلا بها، فمصالح الدنيا والدين متعلقة بالأهلة.

ذكر سبحانه ذلك في ثلاث آيات من كتابه إحداها قوله: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»، سورة البقرة، 189، والثانية: «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون»، يونس، الآية5، والثالثة قوله: «وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً»، الإسراء الآية12. ولولا ما يحدثه الله سبحانه في آيات الليل من زيادة ضوئها ونقصانه، لم يعلم ميقات الحج، والصوم والعدد، ومدد الرضاع والحمل والإجارة وآجال الحاملات.

سبحانه وتعالى دبر الأهلة بهذا التدبير العجيب لمنافع خلقه في مصالح دينهم ودنياهم مع ما يتصل به من الاستدلال به على وحدانية الرب، وكمال حكمته، وعلمه وتدبيره، فشهادة الحق بتغير الأجرام الفلكية، وقيام أدلة الحدوث والخلق عليها.

ويقول محمد كامل في كتابه «الإعجاز العلمي في الإسلام»: عندما أشار القرآن الكريم إلى خصائص الزمن الفلكية باعتباره مترتباً على حركة الأفلاك، تحدث عن وظيفة القمر في ذلك النظام الكوني، الذي أبدع الخالق الأعظم رسم هندسته في عالم الزمان والمكان، فجعل للقمر منازل على أبعاد مكانية مقدرة وأشكال متوالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"