تحذير عالي النبرة

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

اكتفى بومبيو خلال زيارته إلى تل أبيب التي استغرقت بضع ساعات، بإشعال ضوء أصفر لا أخضر للتوجه «الإسرائيلي» بضم أرض جديدة.

في أقوى رد فعل أردني رسمي على عزم حكومة الطوارئ «الإسرائيلية» ضم أراضٍ واسعة من الضفة الغربية المحتلة في يوليو المقبل، قال الملك عبدالله الثاني: «إذا ما ضمّت «إسرائيل» بالفعل أجزاء من الضفة الغربية، فإن ذلك سيؤدي إلى صدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية». جاء هذا التصريح ضمن مقابلة مع مجلة دير شبيجل الألمانية نشر نصها منقولاً إلى العربية في عمان في 15 مايو الجاري. وقد لوحظ أن العاهل الأردني استخدم تعبير «صدام كبير»، بما ينطوي عليه ذلك من تحذير صريح لحكومة الاحتلال، متفادياً استخدام تعبيرات دبلوماسية مخففة، مثل خلاف كبير أو تعارض في وجهات النظر.

وقد جاءت هذه التصريحات الملكية بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إلى تل أبيب الأربعاء الماضي، واجتمع خلالها بنتنياهو وجانتس، وصرح هناك بأنه «من حق ومن واجب الحكومة «الإسرائيلية» ضم المستوطنات». ويُذكر هنا أن الاستيطان في الأراضي المحتلة يخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ويمثل الموقف الذي عبر عنه بومبيو مخالفة لموقف أمريكي تقليدي امتد على مدى عقود، ينكر أي شرعية على المستوطنات التي أقيمت بسطوة القوة ومن خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها. غير أن بومبيو في زيارته التي استغرقت بضع ساعات، اكتفى بإشعال ضوء أصفر لا أخضر للتوجه «الإسرائيلي» بضم أرض جديدة.

ويستند الموقف الأمريكي إلى أن ترتيبات الضم يجب بحثها مع الجانب الفلسطيني، علماً أن السلطة الفلسطينية رفضت الخطة بسائر مشتملاتها، وباستثناء السنة الأولى من ولاية الرئيس دونالد ترامب، فإن الاتصالات مقطوعة بين الإدارة الأمريكية وبين السلطة في رام الله، فيما تسير العلاقات الأمريكية الأردنية سيرها الطبيعي، وخاصة على مستوى التواصل بين الرئيس ترامب والملك عبدالله الثاني، إلا أن الإعلان عن صفقة القرن وما سبق ذلك من تحضيرات واتصالات ألقى بظلاله على العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين، وبدا أن ثمة فجوة كبيرة بين الجانبين بخصوص ملف السلام الشرق أوسطي، كما أن علاقة المسؤولين الأردنيين مع أركان الإدارة: نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو والمستشار جاريد كوشنر، تفتقد الدفء والثقة العالية.

وفي ردّه على سؤال المجلة الألمانية في ما إذا كان سيتم تعليق معاهدة السلام الأردنية «الإسرائيلية»، لم يستبعد الملك أي خيار، إذ قال: «لا أريد أن أطلق التهديدات، أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات، لكننا ندرس جميع الخيارات. ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة يجب ألا يطبّق في الشرق الأوسط».

وفي واقع الأمر فإن هذا الموقف الأردني يخاطب المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة، ولا يتوجه إلى حكومة الاحتلال فحسب، علماً أن علاقات عمان بتل أبيب متوترة، وقد أخذت منحنى حاداً مع إصرار عمان على استعادة أراضيها المؤجرة، وفقاً لمعاهدة السلام من تل أبيب، ولم تنجح المراوغات «الإسرائيلية»، في تأجيل هذا الاستحقاق بعد انقضاء فترة الإيجار المتفق عليها وهي 25 عاماً.

ومع وضع جميع الخيارات على طاولة البحث، فإن الموقف الأردني الصلب وما ينطوي عليه من تحذير عالي النبرة، يمثل أول اعتراض عربي قوي على خطة التوسع «الإسرائيلي» المرعيّة أمريكياً، والتي تستند إلى صفقة ترامب التي لم تلقَ قبولاً إقليمياً أو دولياً يذكر، وهو ما يضع الإدارة الأمريكية أمام مسؤولياتها قبل نحو ستة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس ترامب. فالخطة بصيغتها الحالية تشكل عامل توتير وتفجير، وتساند مسعى المتطرفين لإفشال أكبر إجماع دولي على حل الدولتين، وتمثل طعنة لآمال السلام والاستقرار والازدهار، ومحاولة لإعادة عقارب الساعة عقوداً إلى الوراء نحو الاحتكام إلى سطوة القوة والإنكار الفظ لحقوق الآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"