حريق لندن الكبير.. رماد صنع نهضة

أزمات مرت
04:00 صباحا
قراءة دقيقتين

الشارقة: مها عادل

في منتصف ليل 2 سبتمبر سنة 1666 تطاير الشرر من موقد في مخبز متواضع بشارع بادينج لين في لندن، ويبدو أن الريح حملت النيران بعيداً و سريعاً، وفي الساعات القليلة التالية، امتدت النيران لتندلع غرباً وتلتهم البيوت والأسواق، وتعذر السيطرة عليها لمدة ثلاثة أيام كاملة. لتلتهم النيران نحو 13 ألف مسكن و87 كنيسة من بينها كاتدرائية سانت بول القديمة، لتخلف النيران خلفها أكثر من 300 ألف نسمة في العراء وتقتل عدداً غير معلوم من الناس، لأن شدة النيران جعلت من الصعب تمييز الرفات البشرية وسط ركام المنازل؛ حيث تحول كل شيء إلى رماد.

وعندما خمدت النيران، كانت مدينة لندن القديمة التي بنيت في العصور الوسطى، تحولت إلى كومة من الرماد وهو ما عرف في التاريخ بحريق لندن الكبير الذي كان حدثاً محورياً حاسماً في التاريخ العمراني بإنجلترا.

في القرن السابع عشر، كانت إنجلترا في فترة التحول إلى إمبراطورية تجارية عالمية، لها مستعمرات في مشارق الأرض ومغاربها، وأساطيلها تمخر عباب البحار والمحيطات لتصب تجارة العالم في ميناء لندن على نهر التيمز. وعلى الرغم من تدفق التجارة والثروات على لندن، فإن الفوضى التي عاشتها البلاد مع أحداث الثورة وإعدام الملك تشارلز الأول وتولي البرلمان بقيادة كرومويل ثم عودة الملكية من جديد، لم تجعل السلطات تهتم بالتخطيط للتوسع العمراني المنظم لمدينة لندن، التي ظلت طويلاً تبدو على هيئة مدن العصور الوسطى، فكانت بيوتها تبنى من مواد رديئة من دون صرف صحي أو تهوية وطرقاتها ضيقة ملتوية يصعب السير فيها وأسواقها مكتظة تعاني القذارة، ومع تزايد عدد سكان المدينة ليصل إلى نحو 600 ألف نسمة وامتداد عمرانها عبر مزيد من الطرقات والأزقة الملتوية والأحياء العشوائية، لجأ الأثرياء ورجال الحاشية إلى بناء القصور في الريف المحيط بالمدينة أو في الأحياء الأرستقراطية حول مدينة وستمنستر المجاورة والتي كانت تقع خارج لندن القديمة في ذلك الوقت.

هذه الطفرة العشوائية في العمران كانت من ضمن أسباب امتداد الحريق بهذه السهولة ليلتهم مدينة لندن القديمة بأكملها. فمواد البناء الرديئة وسوء حال الطرق والأزقة الضيقة الملتوية كلها عوامل ساعدت على انتشار النيران وكثافتها.

وعلى الرغم من فداحة الكارثة وحجم الدمار الهائل الذي تحقق، فإن حريق لندن كان فرصة للعاصمة الإنجليزية لكي تنهض من قلب الرماد. فسرعان ما نمت المدينة من جديد، لكن بتخطيط عمراني حديث، وجرى التشديد في ضوابط البناء ورصف الشوارع ومد المرافق العامة والاهتمام بالحدائق والأسواق، لتنمو المدينة بسرعة من جديد وتصبح لندن واحدة من أهم وأعظم المدن في العالم بفضل الحريق الذي صحح مسارها العمراني إلى الأبد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"