«البراجيل».. هواء الزمن الأصيل

سكن وسكينة
03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعداد: أمل سرور

«البراجيل» جزء أصيل وأساسي من التراث الشعبي المعماري الإماراتي، كثير ما احتار الباحثون في تحديد مصدرها وتاريخها، فرأى بعضهم أنها تحريف للكلمة الفارسية «بادكير»، وهي تعادل المشربيات المصنوعة من الخشب المنقوش المزخرف بالرسوم، وكانت وسيلة مثلى لتكييف الهواء أثناء أيام الصيف القائظ، لهذا أُطلق عليها تعبير«مكيفات الزمن الجميل»و «هواء الزمن الأصيل» و«أبراج الهواء» و«المسارب الهوائية» و«مسرب الريح» و«ملقط الهواء النقي».

ويتحدث بعض الرواة عن البراجيل وانتشارها في مناطق مختلفة من الإمارات بتأكيد أن تاريخها يعود لنحو 200 عام» وأنها كانت مقتصرة على بيوت الأجداد.

والبرجيل عبارة عن برج طويل مستطيل الشكل يشبه نوعاً من أبراج الأجراس الإيطالية، وله فتحات في كل جانب ليمسك بأي نسيم يهب أياً كان اتجاهه، ويتصل البرجيل بغرفة أسفله، ما يجعله يعمل كمروحة فيوفر حركة الريح ويلطف الجو على سكان المنزل.

تاريخ البراجيل يعود إلى عهد الفراعنة في مصر، ثم العصر العباسي، وعُرفت في بلاد الشام، والمغرب، وإيران، حيث كانت تُبنى من الإسمنت، بعكس ما هو سائد في الإمارات، حيث كانت تُشاد من مواد وخامات البناء القديمة، ولاحقاً من مواد البناء الحديثة، حيث أدخلت عليها الشبكات المعديّة لتدعيمها ودخول الطيور إلى فتحاتها، وكذلك الرخام والحجر والإسمنت.

عرب «النجا»

يُقال إن عرب «النجا» مقابل الشارقة هم أول من بنوا البراجيل، وأول من أدخلوها إلى الإمارات، حيث تحوّلت إلى مظهر لصيق بعمارتها الطينيّة التقليديّة، وغالبية براجيل الإمارات القديمة، بنيت خلال عام 1903 مع قدوم التجار إليها، يرافقهم الصناع الذين استقروا في منطقة الفهيدي بدبي التي لا تزال تحتفظ بالكثير منها حتى اليوم، كما أنها أصبحت تُشاد اليوم في القرى التراثيّة الاصطناعيّة، باعتبارها عنصراً أساساً في العمارة التقليديّة.

والبراجيل كانت تحتوي على نقوش وزخارف جبسية، وعلى الرغم من اختلاف أشكالها، إلا أن آلية العمل واحدة، حيث يوجد في البرجيل أربع فتحات للاتجاهات الأربعة لجلب الهواء، كما أن هناك بيوتاً بها أكثر من برجيل تبعاً للمركز الاجتماعي للعائلات أو مستوى ثراء الأسرة.

وهي ليست بيتاً ولكنها تقام عادة فوق المنازل على ارتفاع تكون فيه سرعة الرياح أكبر بضعف ونصف منها على ارتفاع متر ونصف عن مستوى سطح الأرض، وينحدر البرج الهوائي عمودياً إلى داخل غرفة سفلية، حيث ينتهي عند مترين فوق أرض المبنى.

ومعظم الهواء القادم من البراجيل إلى الأسفل ينحصر انتشاره في المنطقة الواقعة أسفل البرج، حيث تكون عادة مكاناً للراحة والتسامر وأحياناً للنوم، وذلك لكونها أكثر المناطق برودة في المنزل، كما أن القسم العلوي من البراجيل مجهز بشبكة حديدية، تستخدم عادة لمنع دخول طيور الحمام إلى داخل البرج، نظراً لما تسببه فضلات هذه الطيور من مضايقات.

ولهذا السبب وغيره من الأسباب المتعلقة بأمن المنزل، فإن الكثير من الناس يعمدون إلى بناء البارجيل فوق«دهريز»يحتوي على عدد من النوافذ إلى جانب الباب، حيث يتم توزيع الهواء إلى بقية الغرف المجاورة.

البراجيل المؤقتة

لم يكن بمقدور كل الناس أن يبنوا البراجيل الجصية، حيث كانت مقتصرة على بيوت الوجهاء والأثرياء والتجار، وذلك نظراً إلى كلفتها المادية، لذلك جرى البحث عن أنماط أخرى من البراجيل الأقل كلفة، وهكذا ظهرت البراجيل المؤقتة التي تقام صيفاً فقط، مثل«اليواني»المصنوع من الأكياس والأقمشة والحصر وغير ذلك، نظراً إلى قلة كلفتها وسهولة صنعها، وكانت مؤقتة تنصب فوق«العرشان» أي العشش المبنية من سعف النخيل، وهي عبارة عن أربعة أعمدة أو مربعات، وكلما كانت مرتفعة كان ذلك أفضل، وتحاط من الداخل والخارج بالأكياس أو«الطربال» بالإضافة إلى تشبيك سعف النخيل وإحاطته بالحصر والسجاد، ويتم تثبيتها بأوتاد من مختلف الأطراف لكي تتماسك في وجه التيارات الهوائية، كما يصنع لها أسقف من«الدعون»أي السعف كمظلات واقية من أشعة الشمس الحارقة.

الأجداد وجدوا في البراجيل ضالتهم المنشودة في تبريد غرف البيت، لاسيّما أيام الصيف القائظة، لذلك قارنوه بالمكيف السائد في البيوت الحديثة، فمن خلال البرجيل يدخل الهواء إلى داخل غرف البيت السفليّة، عبر قنوات عموديّة تدعى«صائدات النسيم العليل من فم الريح» وهو يُعطي هواءً طبيعياً يفضّله الكثير من سكان الإمارات على هواء المكيفات الحديثة، على اعتبار أن الهواء الذي يجلبه البرجيل هو هواء رباني، أما هواء المكيف، فاصطناعي، وكلما اشتدت حركة الريح حول البرجيل، قام بتأدية وظيفته بإخراج الهواء الساخن من بين أركان البيت وغرفه، وإنزال الهواء البارد بدلاً عنه، لذا فلقد جاء البرجيل رداً على المناخ السائد، ومسعفاً للإنسان للتكيف معه.

ولأن الحديث عن البراجيل شائق ويكاد لا ينتهي، تأتي البقية غداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"