الحيض (1-2)

01:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

لا تقل لي أيها القارئ: وهل هذا موضوع حتى تكتب عنه؟ وقد قال لي قبلك أحدهم عندما كنت أكتب هذا المقال: أتكتب عن هذا الموضوع وهو مما يُستحى منه؟
قلت: مقالي هذا يعبر عن جزء من فقه النساء الذي تجهله بنات اليوم.
الحيض باب مهم من أبواب الفقه، والحيض في لغة العرب بمعنى السيلان، فيقال: حاض الوادي وحاضت الشجرة.
وعند الفقهاء هو أحد الدماء الثلاثة التي تخرج من المرأة، بل هو ظاهرة أنثوية في بعض الحيوانات أيضاً كالأرنب والغزال والجمل.
فإذا قيل: حاضت فلانة أي سال منها هذا الدم الذي عرّفه الأحناف بأنه دم ينفضه رحم المرأة السليمة عن داء وصفر، كما يقول ابن عابدين في حاشيته.
وعرفه المالكية بأنه دم يلقيه رحم معتاد حمله من دون ولادة كما يقول ابن عرفة.
وعرفه الشافعية بأنه دم جبلّة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها، على سبيل الصحة من غير سبب في أوقات معلومة كما يقول مؤلف «مغني المحتاج».
وقد عرفه الحنابلة بأنه دم طبيعة يخرج مع الصحة من غير ولادة من قعر رحم الأنثى إذا بلغت، في أوقات معلومة كما يقول مؤلف «كشاف القناع».
أقول: نفهم من هذه التعريفات بأن الحيض دم يدل عند خروجه على صحة المرأة لا مرضها، وأنه لا بد أن ينتظم في خروجه، وأنه علامة بلوغ الأنثى، ومتى لم يخرج أضر بالمرأة، وإذا لم ينتظم أيضاً سبب لها مضاعفات وإشكالات.
لذا لا بد من أن نضع له ضوابط، لتعرف المرأة كيف تتعامل معه إذا حاضت، إذ من المعلوم أنها في حال الحيض لا تصح صلاتها ولا صومها ولا حجها ولا قراءتها للقرآن الكريم، وطلاقها يقع بدعياً، وعدتها في حال الطلاق مرتبطة به أيضاً من حيث البداية والنهاية.
لكن رغم كل هذه الأمور، فإن المرأة الحائض لا تفقد أهليتها ولا مكانتها، فهي تؤاكل وتجالس وتعمل، وهي لم تكن عند اليهود وفي الجاهلية كذلك، حيث كانت عندهم تفقد مكانها وكانت تُعزل.
أما الإسلام، وهو دين الوسطية والاعتدال، فيدعو إلى تكريم المرأة في حال الطهر وفي حال الحيض، لأنها صنو الرجل.
والحيض وإن كان يلقي على المرأة صفة النجاسة المعنوية، إلا أن ذلك لا يعني أنها نجس العين، وهكذا الجنب الذي ظن أبوهريرة رضي الله عنه بأنه صار نجساً بالجنابة، فانخنس عن الرسول صلى الله عليه وسلم احتراماً له، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس.
إذاً، الحيض دم والدم نجس، وهو أذى للرجل والمرأة لو عاشرا بعضاً معاشرة جنسية، قال تعالى: «ويسألونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض»، (الآية 222 من سورة البقرة).
لكن مع ذلك فإن المرأة لا تعاقب عليه، ولذا تقول عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض إنه شيء كتبه الله على بنات آدم (متفق عليه).
أقول: والعلماء أوصوا بمراعاة حال المرأة في حال الحيض، فلا يقسو الرجال عليها، لأنها تتألم وتتوجع مما يجعلها تفقد توازنها وقدرتها، فالرفق بها في هذه الفترة يخفف عنها ويساعدها على أن تتجاوز مرحلة الطمث بسلام، ولها الحق في ذلك لأن الحيض عبارة عن نزيف يستمر لعدة أيام، والدم يخرج من قعر الرحم كما قال الفقهاء.
وبالمناسبة فإن الإسلام عندما حرم مجامعة الزوجة الحائض، لم يحرمها من أجل الدم فقط، بل لأنها غير مؤهلة نفسياً، فهي متوترة ومخدرة، فلو جامعها الزوج كان كالذي يجامع زوجة من غير إحساس، والرجل عندما يأتي زوجته يريدها مجموعة مشاعر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"