تداعيات الجائحة على «المحرك الأوروبي»

03:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

ما زال الثنائي الألماني الفرنسي (المحرك الأوروبي) يؤثر بشكل حاسم في مسيرة الاتحاد الأوروبي ويُسهم في وضع استراتيجياته الكبرى حتى الآن.

يشير معظم المتابعين للشؤون الأوروبية إلى أن الأزمة الصحية العالمية جاءت في ظرف بالغ الصعوبة بالنسبة لمستقبل الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من انقسامات حادة بين أعضائه نتيجة لتضارب المصالح وبسبب اختلاف المقاربات بشأن السياسات الواجب اتخاذها لمواجهة تداعيات الجائحة وذلك بالرغم من التفاهمات الظرفية التي تحدث بين الفينة والأخرى. ويكمُن التحدي الأكبر بالنسبة لهؤلاء المتابعين في تداعيات «كوفيد 19» على العلاقة ما بين ألمانيا وفرنسا لاسيما أنهما ترمزان إلى ما بات يسمى «المحرّك الأوروبي» بالنسبة لمشروع الوحدة الأوروبية.

ويؤكد الباحث إريك أندري مارتان، في هذا السياق، أن الوباء تسبب في أزمة صحية وفي ركود اقتصادي غير مسبوق على المستوى الأوروبي، ويرى أن ألمانيا التي سترأس المجلس الأوروبي خلال السداسي الثاني، تواجه عتاباً وانتقاداً متصاعدين من طرف الكثير من دول الاتحاد بسبب مواقفها المتصلبة بشأن المسائل الاقتصادية والمالية، وذلك في اللحظة التي تدفع فيها فرنسا نحو تحقيق تضامن مالي أكبر وإلى اعتماد سياسة جديدة تهدف إلى تدعيم السيادة الاقتصادية الأوروبية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن «المحرّك الأوروبي» الذي تعوّد الإعلام الفرنسي على تسميته ب«الثنائي الألماني - الفرنسي» منذ السبعينات من القرن الماضي، تأسّس في واقع الأمر في مرحلة حكم شارل ديغول في فرنسا وكونراد أديناور في ألمانيا لاسيما في الفترة ما بين 1958 و1963، وما زال يؤثر بشكل حاسم في مسيرة الاتحاد الأوروبي ويُسهم في وضع إستراتيجياته الكبرى حتى الآن.

وبالتالي فإن تداعيات الجائحة على هذا المحرّك ستكون لها آثار سلبية على مسيرة الاتحاد الأوروبي في مرحلة بدأ فيها العد التنازلي لمغادرة المستشارة ميركل الحكم وبات قطاع واسع من الشعب الألماني يرفض أن تتحمّل بلادهم عِبء المديونية الأوروبية التي وصلت إلى مستويات قياسية في دول الجنوب بخاصة في إيطاليا وإسبانيا.

وتحاول الدول الأوروبية بالرغم من ذلك أن تحافظ بصعوبة بالغة على ما تبقى من أواصر الوحدة حيث توافقت خلال اجتماعين جرى عقدهما في شهري مارس/‏ آذار وأبريل/‏ نيسان على حزمة أولى من الإجراءات الاقتصادية لمواجهة الجائحة ومساعدة الدول الأكثر تضرراً من هذه الأزمة الصحية، وذلك قبل أن يتوصّل الثنائي الألماني- الفرنسي خلال اجتماع المستشارة ميركل مع الرئيس ماكرون يوم 18 مايو/‏ أيار إلى اتفاق جديد يقضي بتخصيص صندوق للتضامن بمبلغ 500 مليار يورو لدعم النمو الاقتصادي في دول الاتحاد.

وعليه فإنه في الوقت الذي اعتبر فيه رئيس المجلس الإيطالي هذا الاتفاق خطوة مهمة في الطريق الصحيح، فقد علّق المستشار النمساوي، الذي ترفض بلاده كل اقتراح يهدف إلى التشارك في المديونية الأوروبية، في تغريدة له على حسابه في تويتر على هذه الخطوة مؤكداً أن مواقف الدول المعارضة لتقاسم المديونية مثل هولندا، السويد والدنمارك لم تتغيّر، مؤكداً استعداد هذه الدول إلى مساعدة الدول المتضررة من خلال إقراضها وليس من خلال المساهمة في تمويل مديونيتها.

وقد شدّد الاتفاق الألماني- الفرنسي أيضاً، على أهمية استعادة السيادة الأوروبية حيث دعت الدولتان إلى إنشاء مخزون إستراتيجي أوروبي مشترك من الأدوية والمستلزمات الطبية.

ومن الواضح في كل الأحوال أن المبادرة الألمانية الفرنسية الأخيرة، على الرغم من أهميتها كونها تأتي لدعم خطة بروكسل الساعية إلى وضع ميزانية ضخمة لإقراض الدول المتضررة من الجائحة، فإنها ستظل غير كافية من أجل تحقيق إجماع كامل وإلى تجسيد كل الاتفاقيات المبرمة، بخاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها المحرّك الألماني الفرنسي تباطؤاً ملحوظاً نتيجة لتنامي التوجهات القومية واليمينية المتطرفة ما بين ضفتي نهر الراين، حيث يتوقع الكثيرون أن تؤثر الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا والانتخابات العامة في ألمانيا، بشكل سلبي في ديناميكية هذا «المحرِّك» وفي قدرته على قيادة أوروبا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"